يرى كثير من التربويين استحالة التفكير بالتربية خارج الحيز الذي يولد فيه الطفل؛ ولقد ظلت الأسرة حتى عهد قريب المدرج الوحيد للتربية؛
وعلى هذا فإن من أهم الأمور التي ينبغي التركيز عليها -بشكل دقيق ومكثف_ من أجل تحقيق أهداف المنظومة التربوية؛ المحيط التربوي، فالطفل يتأثر بأبويه وباقي أسرته؛ شديد التأثر، ويحاكيهم في جل تصرفاتهم، وهو مايستدعي منهم رقابة سلوكهم قبل سلوكه ومحاسبة أنفسهم قبل تهذيبه وتوجيهه، أو محاسبته وتعنيفه، وكثيرا مانرى ضحايا لهذا الإجراء الأخير، راحوا ضحية تفاعل سلبي مع معالجة تشبعت بالعنف، وأستمرت سلبياتها مع الطفل حتى آخر لحظات من حياته، مما يستدعي انتهاج أسلوب حواري في كل تعاملاتنا مع الطفل، وتدعيم ذلك بالهدايا والتشجيع، واستنهاض ملكة الإبداع من خلال زرع التنافسية والتحدي.
إن كثير من أولياء التلاميذ يغفلون او يتغافلون عن خطر التلفاز وسلبيته على التحصيل العلمي للطلاب في حال عدم علقنة علاقة الطفل به والتي تقتضي أولا عدم إطلاق العنان له في تلك العلاقة، وضبطها بشكل محكم يقتضي التقليل من جو التلاقي والتفاعل بين الاثنين؛ إذ كثيرا ماتكون معروضات هذا الجهاز لاتخدم تنمية التعلم عند الطفل بالشكل المناسب، فيكون حصاده من هذه العلاقة سلبي بامتياز؛ لامتصاصه عناصر الجريمة وحيثياتها ومحاكاته لفعالياتها، دون إدراكه لخلفية هذا الفعل أو ذلك، وعلى هذا قس خطر الوسائط الألكترونية الأخرى، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تولدت بوجودها تحديات أكبر ومخاطر أكثر.
من المؤسف والخطير أن يكون كثير من الآباء والمربين يهملون وقت التلميذ في الشارع والذي يكثر مع بعض التلاميذ حتى يوازي أو يتجاوز وقت وجودهم في المنزل، وهذه حقيقة مفزعة يترتب عليها ضياع كبير، وهدم غير مباشر لثمار التعليم التي تغرسها المدرسة، تلك المدرسة التي لا تحظى بمايزيد على ربع ساعات اليوم، يكون التركيز فيها على التوجية وتنمية التعلم وتدعيم المكتسبات، لكن ذلك كله سيكون كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف؛ إذا لم يقابل بوقت أطول في المنزل وسياسة تثبيت للمعلومات، عن طريق المراجعة والرقابة التهذيبية، والمرافقة التربوية؛ التي تدعم المعالجة وتصحح الأخطاء، وترشد إلى الصواب ..
كثيرة هي الأمور الموجودة في محيط التلميذ والتي تؤثر سلبا على جودة التعليم ونوعيته، ولعل منها إضافة إلى ماسبق؛ مثالا واستئناسا لاحصرا، ذلك الضياع والإهمال الذي يحصل مع التفكك الأسري، وتغذيه وتعمقه الخلافات اللاحقة بين الأبوين، فكثيرا ماتترك أمراة ضعيفة تواجه مصيرا مجهولا في زمن صعب مع صبية لاحول لهم ولاقوة، ولاقدرة لهم على تحمل عاديات الزمن، وإكراهات الحياة التي تؤرق الرجال الأشداء الأقوياء، فتسلك الطرق المتعرجة وتتعرض لها الذئاب، وترضى بما يهدم ويؤدي إلى الضياع والخراب، لاحبا ولاكرامة، وإنما قهرا واحتياجا واستكانة، في ذات الوقت، ينسلخ المسؤول من مسؤوليته ويتواري خلف نزواته، ويضيع بذلك صبية وتزهق أرواح الأمهات، ويعجز التعليم، وتتلاشى فاعلية كل المقاربات.