يخشى من أن يمر قطار السياسية مسرعا، للمرة الألف، تاركا وراءه أطياف المعارضة يتخبطون بحثا عن مرشح توافقي يستطيع، بسمعته وكفاءته، مواجهة مرشح النظام: الجنرال المتقاعد والصديق الشخصي للرئيس محمد ولد عبد العزيز المنتهية ولايته. لا شك أن قطار الرئاسيات ليس أول قطار يفوت المعارضة أو تفوته على نفسها داخل معمعان التجاذبات والمشاحنات والخلافات والضغائن المدفونة، لسبب ولغير سبب، داخل دوائرها، ففي كل فرصة سياسية يتقاعس هذا الحزب، أو يقاطع ذلك، أو ينسحب هذا أو يتراجع ذاك، ضمن دوامة من العراقيل التي يضعها المعارضون الموريتانيون أمام مسارهم المرة تلو الأخرى. وحسب التسريبات الأكيدة للنقاشات الدائرة في أوساط المعارضة، فإن فرضية ترشيح شخص من قادة أحزابها تم استبعادها على اعتبار أن أي مرشح من أحد الأحزاب لن يقبل به الحزب الآخر، وأن كل حزب يسعى، داخل لجنة الاختيار، لتلميع مرشح منه، مما جعل ترشيح الحزبيين مسألة تكاد تكون غير مطروحة، خاصة أن ترشح أحمد ولد داداه يمنعه القانون، فيما بات من شبه المؤكد أن حزب "تواصل" لا ينوي تقديم مرشح من داخله (علما بأن أحد أكبر منظريه بارك ترشح ولد الغزواني من منفاه بقطر، وأن رئيس الحزب قريب لمرشح النظام). وهكذا لم يبق من الأسماء الحزبية التي يناقش احتمال ترشحها غير رئيس اتحاد قوى التقدم النائب محمد ولد مولود الذي يعترض عليه كبار قادة حزبه، كما يتعرض لفيتو بعض الأحزاب وبعض دوائر المعارضة وشخصياتها بسبب خلفيته اليسارية. هكذا لم يبق أمام لجنة الاختيار إلا البحث عن شخصية من خارج الأحزاب. في هذا الصدد رفضت تناول ملف النائب بيرام الداه اعبيد لأنه أعلن ترشحه دون التشاور مع المعارضة ولأنه "لا يحوز القدر المقبول من الاعتدال" لمواجهة شخصية وازنة مثل ولد الغزواني حسب التسريبات الواردة من داخل اللجنة. وذكرت نفس التسريبات أن اللجنة قدمت، من بين أسماء أخرى، اسمين أساسيين هما الوزير الأول السابق سيدي محمد ولد بوبكر ونقيب المحامين السابق أحمد سالم ولد بوحبيني. بالنسبة لولد بوبكر فقد اعترض عليه البعض على اعتبار أنه يمثل استمرارية للأنظمة التي ناضلت المعارضة ضدها وأذاقتها الأمرّين منذ عقود، فهو وزير أول لولد الطايع وسفير فوق العادة لولد عبد العزيز، وليس منطقيا أن يأتي، بعد تقاعده، ليكون خيارا لمعارضة كانت ضحية للأنظمة التي شارك في ترويجها. أما ولد بوحبيني فاتفق أعضاء اللجنة أنه الخيار الأمثل انطلاقا من تاريخه وملفاته البيضاء ونضالاته الكثيرة ضد الاستبداد وكفاءاته وقدرته على المواجهة، بالإضافة إلى وزنه العلمي والاجتماعي. غير أن بعض الجهات، داخل المعارضة، اعترضت عليه لسبب وحيد يتمثل في أنه انتقد المعارضة. فيما رافع عنه أحد الحزبيين قائلا بأن مجموعة المآخذ التي عبر عنها ولد بوحبيني ضد المعارضة كانت وجيهة، وأن محاولته إرساء مبدأ النقد الذاتي والمصارحة داخل المعارضة كانت جريئة وضرورية لتحسين أدائها وتجاوز معضلاتها الداخلية لأن غياب النقد الذاتي والابتعاد عن نهج المصارحة ظلا عائقين حقيقيين أمام تقدمها، وأن محاولة ولد بوحبيني نفخ روح جديدة من الصراحة والجدية داخل أوساط المعارضة كانت من النقاط التي يجب أن تحسب له وتزيد من حظوظه خاصة إذا ما انضافت إلى سجله الحافل بالعطاء لصالح الديمقراطية ودولة القانون والتناوب السلمي. إن ما سبق ذكره هو مجمل ما تسرب عن لجنة الاختيار التي أوكلت إليها المعارضة تسمية مرشحها المشترك. لكن لابد هنا من تقديم ملاحظات سريعة: أولا: لا شك أن دعوة ولد داداه لحوار وطني في هذه الظرفية ستكون مقدمة لموقف حاسم من الانتخابات الرئاسية المقبلة يُحتمل أن يتمثل في مقاطعتها إن لم تقم الجهات المعنية بتلبية طلب الحوار بغية مراجعة سن الترشح. ثانيا: من المحتمل جدا أن الصراعات الأيديولوجية (الإسلامية واليسارية والليبرالية مع ما يغذيها من محافظين ومتطرفين) ستعصف بمحاولات المعارضة تقديم مرشح توافقي موحد. ثالثا: لابد أن من بين أحزاب المعارضة قوة فاعلة ستسعى لتفويت القطار عليها وستنجح في ذلك كما نجحت فيه عدة مرات منذ التسعينات.