"الديمقراطية العسكرية" مصطلح تضليلي و إرهاب فكري / ذ.محمد فاضل الهادي

ليس من الوارد في عالمنا اليوم أن يتقبل العاقل منا ما تقدمه النخب من "مصطلحات" دون تحيينها و النظر إلى أبعادها و مسبباتها و ما يترتب على قبولها عقليا و ما تفرزه من نتائج قد تكون عكسية أو قد تكون ذات تأثير مباشر على نظرتنا للواقع و رؤيتنا للمستقبل.

فقد صادفت إبان اعلان ترشيح معالي وزير الدفاع الفريق المتقاعد محمد ولد الغزواني مصطلحات لم أستسغها شكلا و لا مضمونا، و لم أكن في بداية الأمر أعيرها انتباها نظرا إلى أني لا أرى لمطلقها تأثيرا في الساحة السياسية على مستوى الوطن.

و من بين هذه المصطلحات، المستخدمة بكثرة هذه الأيام على لسان مدوني الاخوان المسلمين بموريتانيا و التي أطلقوها مباشرة بعد اعلان رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لمرشح الأغلبية الرئاسية، مصطلح "الديمقراطية العسكرية".

هذا المصطلح لا علاقة له بترشيح و انتخاب قادة عسكريين متقاعدين من الجيش بعد انتهاء مأموريتهم العسكرية و دخولهم في المعترك السياسي، حيث أنه تؤكد غالبية الأبحاث أن المصطلح إنما يستخدم بالنسبة للعسكريين الذين يمارسون المهنة العسكرية و يتم انتخابهم و خاصة فيما يعرف بالجيش الشعبي، و هو جيش يتم اختياره من أبناء الشعب ليحل محل الجيش النظامي في حالة الثورات مثلا، أو يتم اعتماده من قبل جيوش نظامية في حالة الحرب فالمصطلح ليس له علاقة بانتخاب هرم السلطة السياسية ليتم اطلاقه على حالة اختيار محمد ولد الغزواني، بل إن استخدامه بهذه الطريقة يعتبر تجنيا و عنفا فكريا و تعنيفا لغويا شنيعا ينم عن نية مبيته لإلباس تهمة الخطيئة السياسية أو الجريمة السياسية بمواطن يتمتع بكامل حقوقه المدنية و السياسية و يحق له الانتخاب حسب مقتضيات الدستور.

و هو ما يمكن أن يقرأ على أنه حرب إعلامية غير نزيهة ضد مواطن خدم البلد تحت الراية العسكرية و انهى فترة خدمته بحسب النصوص المعمول بها ليمارس بعد ذلك مهام و مناصب سياسية تعطيه الحق في الترشح لأي منصب سياسي لا يمكن من خلال ترشيحه أن يفهم منه على أنه مخالف للنص الدستوري و لا للأعراف السياسية.

و قد شهدت العديد من البلدان انتخاب عسكريين سابقين في مناصب سامية و لم يتم الحديث عنهم بشكل رسمي أو غير رسمي على أن ترشيحهم يدخل في إطار المفهوم الشامل أو الضيق لمصطلح "الديمقراطية العسكرية" و يمكن اخذ الرئيس الفرنسي الأسبق و مؤسسة الجمهورية الخامسة "شارل ديغول" مثالا حيا على ذلك.

و رغم وجود بعض الكتابات التي نعتت بها أنظمة مصر و باكستان في هذا الاطار بأنها أنظمة جاءت من خلال "الديمقراطية العسكرية"، لكن حالة تلك الدول ليست مشابهة لحالة بلدنا، و في ذات الوقت الواقع الذي تم فيه اختيار هذا المصطلح ليس مشابها لواقعنا، فمثلا في مصر تم استخدام المصطلح من طرف البعض من الكتاب في حالة ترشيح عسكريين اصحاب رتب في الجيش في الانتخابات النيابية و المحلية يحسبون على عسكريين يمارسون المهنة العسكرية حينها، و أطلق هذا المصطلح أيضا هناك حين عمدت السلطات على اقصاء مرشحين مدنيين و تفضيل المرشحين العسكريين أو المدعومين من طرف عسكريين.

ينضاف إلى هذا أن ولد الغزواني اليوم، يشغل منصبا سياسيا، و قد خرج كليا، مهما يكن من قول بعكس ذلك أو بنسبية خروجه، من الجيش الوطني، و لم يعد قانونيا مسؤولا عنه بصفة مباشرة إلا بصفته صاحب سلطة وصاية كوزير للدفاع.

لقد أخطأ كثيرا من يعتقد أن استجلاب المصطلحات يغير شيئا في الأمر، تماما كما أخطئوا في اعتقادهم ان الثورات يمكن استيرادها إلى موريتانيا، و اثبت لهم وعي الشعب و حسه الأمني و قدرته على تمييز الخطابات و الدعوات التي في صالحه، أثبت لهم أنه غير مستعد لخوض مغامرة غير محسوبة العواقب.

هؤلاء الذين فكروا في أن استجلاب المصطلحات أو استساغتها، أو الرغبة في ترسيخها في أذهان الناس، حساباتهم خاطئة، و لا يمكنهم المواصلة في تقديم مثل هذه المصطلحات في غير محلها، إلا إذا أرادوا من المتلقي أن يعزف عن الاستماع إليهم، فأخطر ما يحدث مع مفكر أو كاتب أو حتى صاحب تدوينة هو أن يرفض المتلقي ما يقدمه، أو ان يشتم فيه رائحة العنف اللفظي أو المغالطة اللفظية تماما كما فعل الشنقيطي في مقاله و كما فعل "الكتاب الصغار" من كتاب الاخوان ممن يتأثرون بما يكتب، فأصبحت المصطلحات التي استخدمها "تضليلية" و أصبح الخطاب عنيفا و تعمد استخدام مصطلحات يفهم منها أنها إرهاب فكري قصده الوحيد خلق حالة من الرعب لدى المتلقي سبيلا إلى ثنيه عن دعم خصم سياسي ليس من السهل هزيمته بسبب عوامل النجاح التي يتوفر عليها مسبقا، و إلا لما احتاج إلى مصطلح بهذا الحجم للجمه به.

ليبقى مثل هذه المصطلحات "التضليلية" في غير سياقه، و يبقى استخدامه إرهابا فكريا تجب محاربته و الوقوف في وجهه تماما كما تجب محاربة اشكال الإرهاب الأخرى و التي لا تخلوا منها جماعة الاخوان المسلمين خاصة منها تلك التي تحتمي بحمى دول تناصب العداء للوطن و لرجالاته الخلص.

 

3. فبراير 2019 - 12:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا