في الوقت الذي بدأ فيه العد التنازلي لإستحقاقات رئاسية وصفها كثيرون بالتاريخية، وقطعت الموالاة الشك باليقين وكشفت النقاب عن اسم مرشحها القوي الذي هلل كثيرون لترشيحه وندد كثيرون، ما زالت جهود "المعارضات بكل مكوناتها" الرامية إلي الإتفاق علي مرشح موحد مدعوما من القوي المطالبة بالتغيير بوجه عام، تراوح مكانها. فمعظم الاسماء التي تم التداول حول ترشيحها تأكد استبعادها بسبب تحفظ هذه الجهة المعارضة أم تلك.
كل ذلك و قواعد المعارضة الشعبية وجماهيرها ومعهم الحالمون بدمقرطة حقيقية للحياة السياسية في البلاد، يحبسون أنفاسهم في انتظار أخبار سعيدة قادمة من القادة تبشرهم بحصول اجماع مفاجئ حول مرشح توافقي يحظي بدعم الحميع.
كل هذه المعطيات وغيرها جعلتني شخصيا اعتقد جازما أن هذه القوي التي تتراقص منذ فترة علي حافة الإنهيار المدوي بسبب هوس بعضها بالسلطة واخطاء بعضها الآخر القاتلة إضافة الي الخلافات البينية والنزعات الحزبية الشوفينية الهدامة، إذا لم تبادر دون تأخير وتحاول الإمساك بقوة بطوق النجاة الذي قد يوفره لها ترشيح وجه سياسي شبابي مستقل وذا مصداقية مدعوم من قوي وحراكات شبابية كثيرة وقادر علي إستهواء بعض القوي الموالية للنظام، لن يبقي امامها إلا خيارات محدودة جدا كلها لن تؤدي إلي شيء.
من هذه الخيارات مثلا:
1)تقديم عدة مرشحين كل بإسم حزبه أو حلفه. في هذه الحالة ستكون قوي المعارضة برمتها قد بايعت مرشح النظام وموالاته الجنرال غزواني كرئيس للبلاد. ببساطة شديدة لأن أي من مرشحي المعارضة المتعددين لن يستطيع الحصول علي نتيجة في الاقتراع تمكنه من حفظ ماء الوجه. حتي لا اقول اكثر.
2)ترشيح أحد زعمائها.
حتي إذا حصل إجماع غير مسبوق بين هذه القوي علي ترشيح أحد رئساء الأحزاب المنضوية تحت لوائها، فهذا أيضا من شأنه أن يجعل من الاستحقاقات المرتقبة مجرد نزهة لمرشح الموالاة. لأن الاخير لا يتوقع المنافسة إلا من المعارضة.التي يعلم جيدا وزنها الإنتخابي. ويعلم علم اليقين ما لدي الشعب من مآخذ علي معظم قادتها. نتيجة لما اقترفه هؤلاء من اخطاء في حق الشعب ومشروع دمقراطيته الفتي. زد علي ذاك أن المعارضة المنهكة بسبب الاخطاء والقمع والتهميش لا تمثل شيء مقارنة بما يحظي به الجنرال غزواني من دعم في الاوساط الموالية ومفاصل الدولة العميقة وشيوخ القبائل والمؤسسة العسكرية. وخاصة من دعم علي مستوي الآقليم والعالم.كما ان المزاج الشعبي العام الذي يتوق إلي تغيير حقيقي وشامل في البلاد وإلي طواقم حكم جديدة بالمطلق.لن يرحب ابدا بمرشح من رموز الطبقة السياسية التي اذاقته الامرين حتي ولو كان هذا المرشح معارضا من الصف الأول لنظام الحكم.
3) إعتماد الاستاذ بيرام الداه ولد اعبيدي كمرشح موحد.
هذا الخيار وارد تماما. لكنه قد يضر أكثر من ما يفيد. فمن جهة يستحيل أن يحصل بإجماع ناخبي المعارضة لاسباب لها علاقة بخطاب الرجل الذي ينظر إليه كثيرون علي انه عنصري وشرائحي. كما ان هناك مواقف سابقة وتصرفات للسيد بيرام اضرت كثيرا بصورته عند الكثير من النخب السياسية في الموالاة والمعارضة علي حد السواء. خاصة في أوساط الشباب من ذوي التوجهات الإسلامية والقومية العروبية،
4)ترشيح شخصية اسلامية محسوبة علي حزب تواصل أو قريبة منه علي الأقل.
قد يكون هذا احد الخيارات التي قد تلجأ اليها المعارضة. لأن الطيف السياسي الاسلامي المورتاني قوي جدا و يزخر بالكثير من الكفائات الشبابية النظيفة. كما ان تخوف المعارضة من إنزلاق هذا الحزب الوازن جدا (تواصل) إلي أحضان مرشح النظام. خاصة بعد ما اشيع مؤخرا عن اتصالات بين قادة من تواصل ومقربين من غزواني.
نعم كثيرة هي الاسباب التي قد تدفع بالمعارضة إلي التفكير في خيارات من هذا القبيل.
إلا أنني شخصيا استبعد إمكانية حصول ذلك. لأن الشباب في تواصل ناضجون جدا ويفهمون بشكل جيد في السياسة ويقرؤون التاريخ. الأمر الذي جعل كثيرون يستبعدون مجرد قبولهم أي التواصليون الخوض في ترشيح احدهم مهما كانت حظوظه او قدرته علي المنافسة. خاصة أن تجارب التيارات الاسلامية في مصر والجزائر والاراضي الفلسطينية المحتلة وحتي في تونس ما زالت حاضرة بقوة في الإذهان.
من أجل كل ذلك ولأن المرشح الذي تتطلبه
المرحلة لا أحد يتمني خروجه من عباءة الطبقة السياسية التقليدية، فانني ما زلت لا اري أية جدوائية من مشاركة المعارضة في الإنتخابات القادمة اذا لم تتصرف علي نحو استراتيجي وتتجاوز الخلافات والنزعات الحزبية الضيقة وتقرر بالإجماع ترشيح وجه من خارج صفوفها يكون مستقلا تماما ونظيف وكفؤ بكل المقاييس. لأن مرشح كهذا وحده هو الذي يصلح ان يكون فرس رهان حقيقي قادر علي الاقل أن يضاعف حظوظ المعارضة في حصد اصواة الشباب وقوي كثيرة جدا محسوبة علي المولاة. كما انه في حال اجريت انتخابات شفافة ونزيهة وجدية وقدر له الفوز، سيكون أقدر من غيره علي بلسمة الجراح. ومعالجة مشاكل الوطن الكثيرة وما يعانيه مواطنون كثر من غبن وفساد وفقر وجهل ومن احتقان إجتماعي وشحن عاطفي أيضا لا مبررله علي الإطلاق. كما ان كونه وجه جديد لا علاقة له بالمحاور التحزبية ولا بالخلافات السطحية العقيمة سيجعله لا محالة اكثر إستعدادا من غيره لطمئنة المواطنين وإعطاء الضمانات اللازمة لمن يحتاجها من المتوجسين والمهاجرين والمعدمين. كما أنه من جهة أخري، وبحكم معرفته لما يريده الشعب، لن يتردد في الاعتراف،كما فعل آخرون لحسابات لها علاقة برهانات سياسية رعناء، بضرورة إنصاف الشرائح الوطنية التي عانت وتعاني اكثر من غيرها من التهميش و الحرمان والغبن والجهل والفقر.