كلمة الإصلاح تحاول أولا في كلمتها هذه أن تشرح عنوانها وهو حصحصة الحق لتقول إن هذا الحق الذي حصحص هو كتابتها هي لملاحظاتها على جميع ما قام به هذا الرئيس المنتهية ولايته ـ إذا وقع ذلك ـ سواء كانت ملاحظة إيجابية أو سلبية، وطلباتها وتمنياتها للرئيس الجديد المرشح من طرف الدولة إذا وصل إلى الرئاسة .
أولا :الملاحظة على هذا الرئيس الحالي ـ هي إني أصرح بصفة عامة أنه هو أحسن رئيس حكم موريتانيا ولكن فعل التفضيل هذا سوف أنحت منه في الجهة الأخرى ليبقي منه أكثر من نصفه بقليل فقط
فمن أعظم ما يسجل له من الإنجازات هو أنه جاء إلى موريتانيا وهي على شفا جرف هار تماما أي مجيئه الأول وليس هذا الانهيار من سوء تسيير أو عدم عفة الرئيس قبله عن مال الدولة، ولكن ذلك الرئيس أربكته تلك الأحداث التي أصبح تتبع الدول الأجنبية لها يشكل خطرا مباشرا عليه هو شخصيا فباع إسلامي موريتانيا إلى أمريكا وأعطى موارد موريتانيا إلى وجهاء القبائل والنافذين في الدولة بعد ما استجاب للدول الأجنبية بالتحول إلى الديمقراطية الفوضوية التي لا تعني عنده إلا إنهاء الدولة بتسليمها نهائيا إلى المنتخبين آنذاك : عمدا ونوابا ـ وشيوخا فمزقوها شر ممزق .
وفي هذه الظروف بالذات جاء هذا الرئيس ومعه زميله المرشح للرئاسة من طرفه ويظهر أنه جاء مطلعا وملآنا من واقع موريتانيا من كثرة النافذين الفاسدين في الدولة وكثرة المجاعة في الشعب والفرق الشاسع بين الفقراء والأغنياء ، فكان أول تصريح له أنه سيكثر من بناء السجون للمفسدين وسيكون مع ذلك رئيسا للفقراء ، وسيصرف جميع موارد الدولة التي يراها ماثلة بين عينيه وكثيرة ومتوفر أداء إخراجها .
وهذه التصريحات أدلى بها بعد أن صار رئيسا بعد تلك السنة التي كان يحول بينه وبين التنفيذ رئيس مدني منتخب ـ لا يتعجل في أمره ـ وكانت تلك السنة بالنسبة لهذا الرئيس كأنها عدة سنين لأنه لم يشاهد الرئيس المدني آنذاك بدأ طريق الإصلاح السريع في نظره .
فتولى هو الأمر مباشرة إلا أنه ظن أن الأمر مجرد أزرار يضغط عليها ، فبدأ العمل على جبهتين:جبهة التخطيط للقيام بالتكثير من إنشاء البنى التحتية مثل: الطرق وإنشاء المنشآت الثقافية والصحية ، وجبهة للتفتيش عن أكلة أموال الدولة والمتهربين من الضرائب إلى آخره، وقد أبلى في هذه الناحية بلاءا حسنا ما أظن أنه لولاه لم يستطع أي رئيس آخر أن يقتحم غابة رؤوس الأموال آنذاك .
وهذا الأمل والعزم والتنفيذ هو أساس فعل التفضيل الذي بدأنا له به أولا، أما النحت الأول منه فهو يظهر أنه مع الأسف تارة يسبق غضبه حلمه ومن أصعب روافد هذه الصفة هو أنها تصدر عن أنانية في النفس غذتها هنا ونفخت فيها الروح العسكرية والرئاسة معا .
فعمد إلى مؤسسة جعلتها الدول هي مرآة الرئاسة على جميع ما يصدر داخل الصالونات في الدولة بل داخل كل بيت نوم فما فوق وتشمل مراقبة كل حي يرزق في الدولة مهما كانت رتبته في أي هيئة .
فحقنها بحقنة التنويم عن التحرك في الدولة وهذه المؤسسة هي مؤسسة الإدارة الإقليمية والأمن الداخلي الذي يتبع له عادة ظنا منه أن هاتين المؤسستين هما رأس الحربة في تدهور الدولة .
وهنا أقول صحيح أنه في آخر ذلك الحكم لم تكن الإدارة الإقليمية والأمن الداخلي يأمران بأي معروف ولا ينهيان عن أي منكر لأنهما لا يجدان من يتلقي منهما ذلك .
فالدولة أعطيت بحذافرها أمام العالم للمنتخبين لعدم معرفة العسكريين لجوهر الديمقراطية البناءة المستقيمة أمام الشعب كله .
وكان البدل لعمل المؤسستين مؤسسة الحرس بدل الولاة فأعطيت لها صلاحية قضايا الشعب في حل النزاعات وتقسيم الأراضي ، ومؤسسة الدرك بدل جهاز الأمن في المحافظة عليه كله ونتيجة لذلك بدأت الجرائم تكثر وتتنوع وخرج السلاح الأبيض إلى الأسواق والشوارع وداخل البيوت وبدأت الشرائح ينفصل بعضها عن بعض وتترس بادعاء الغبن والاضطهاد طول التاريخ الغابر، وبدأت تصريحات الكراهية والعنصرية تتطاير هنا وهناك من غير أي مراقب .
أما السيد الرئيس فانشغل عن الوقوف ضد هذا كله بناحيتين فقط من نواحي الحياة التي تهم الدولة مباشرة أولهما ضبط المالية أي كل ما يمكن أن تدخل منه أوقية واحدة لحساب الدولة والبحث عن كل ما يصدر منها أيضا وفعلت مصلحة الرشاد إلى آخر ما يمكن أن يقال له المال العام فحصنه من الناحية الخارجية قطعا وبذل في ذلك كل أفكاره وتحركاته بدون استشارة أي أحد أو معاونته .
أما الناحية الثانية فهي الدبلوماسية الخارجية فاكتسابه للمعركة مع الخارج التي كانت تريد إسقاط انقلابه تعلم منها الاحتكاك بالمحاورات مع الدبلوماسية الخارجية واتبع ذلك المنوال عربيا وافريقيا بل وعالميا حتى أبلى بلاء حسنا في تلك الناحية .
أما النحت من هذه الايجابية أنه من شدة غضبه على الأمن الداخلي أنشأ جهاز أمن الطرق من غير استشارة أي موريتاني لأن نصف ميزانية هذه المؤسسة كان يكفي لإصلاح جهاز الأمن الداخلي واكتتاب جيش مدني تابع لهذا الجهاز يجعل الرئيس دائما ينظر كل صباح ومساء عن طريقه إلى جميع ما يتعلق بالدولة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا إلى آخره ويترك المرور الذي هو جزء من الأمن العمومي لأهله ، وقد نتج عن ذلك انفلات الأمن في كل شيء ولمدة ثمان سنوات قبل أن يتدارك ذلك أخيرا بتعيين هذا المدير العام الحالي الذي أخذ الجهاز من الصفر وبدأ في إنعاشه بعد أن استفحلت الجرائم وسكن أهلها داخل الأحياء الشعبية .
أما في قضية الرئاسة للفقراء فلاشك أنه اكتفى في ذلك بمؤسستي التضامن وحوانيت أمل بدون أن يستشير أي أحد أيضا ولذا قام المشرفون على المؤسستين بتوزيع ميزانية الهيئتين على الرواتب الكبيرة لأقاربهم الذين جاءو بهم للتوظيف فيهما ولم يستفد من الجميع 1% من الفقراء الذين افترشوا الأرض والتحفوا السماء في الأحياء بدون إدارة إقليمية يشكون لها أو أمن داخلي يبلغ عنهم بمعنى أن عزرائيل لم يحل بينه معهم أي رئيس لهم ، فبدلا من تخفيض الأسعار ولو كانت أسعار المواد التي تخص الفقراء من الألبان والأرز والسمك لكانت الحالة أحسن بكثير .
أما النحت الأكبر من فعل التفضيل أعلاه فهو ـ تفسيخه لجميع سراويل الرجال في موريتانيا ـ وإلباسها من طرفه هو لنسائها في مختلف المؤسسات .
فمنذ تشكيل نواة كتيبة النواب وإنشائها للإطاحة بالرئيس المدني تعلق بوظيفتها جميع الرجال الموريتانيين من جميع أنواع الأطر من أعلاها إلى الأميين منهم فجعل من الجميع لسانا وشفتين: وزراء ونواب ـ وعمد ـ ووجهاء إلى آخره وأمر الجميع أن يقتحم العقبة ويقودها هو طبعا والعقبة هي المعارضة الموريتانية لتسلقها ألسنة كتاب وخطاب خريجي مدرسة" الكتيبة البرلمانية" والمنتجين على منوالها حتى صوروا المعارضة أجانب على الدولة لا يملكون ولا يمكن أن يملكوا إلا الرقم الوطني التسلسلي حتى وصلت موريتانيا نوعا من العزل والكراهية داخلها على جميع المستويات وحتى أصبحنا نشبه بالضبط نفاق الشعب المصري كله تقريبا كما قال تعالى (( فاستخف قومه فأطاعوه))، وجهل وخشونة طبيعة سكان الخليج العربي .
وكان آخر ذلك تصريح السيد الرئيس في الحملة الذي تولاها هو بنفسه أن جزءا من المعارضة هو إرهابيون يجب عزلهم وإبعادهم من غير ذكر رؤية أي تميز لعملهم عن المعارضة الأخرى إلا بإلصاق الإسلام في مسماهم الأمر الذي جعله هو بجرة قلم يغلق مركز تكوين العلماء الذي لا صلة تربطه بأي تحرك خارجي إلا أن مواده المدروسة منه إسلامية ومازال غضبه في شأنه يتقدم عن حلمه .
وباختصار شديد يكفي من مدح هذا الرجل في الدنيا أنه استطاع أن لا يكون معه رجل في موريتانيا وجميع الإنجازات في موريتانيا وهي كثيرة ومتنوعة لولاه لم تكن وأنجزها هو شخصيا بدون أي رجل آخر لا وزير ولا مدير ولا حزبي ولا دكتور:الجميع عمال يدويون معه يتلقون رواتب حسب ما يقرر هو ويدل على هذا وقوف جميع أهل الحاجات عند بابه هو دون أي مسؤول آخر فهنيئا له على شخصيته في الدنيا، أما في الآخرة فنتمنى له أن يكون أرفع من ذلك جزاءا له على شجاعته الدنيوية ومعرفته لحقيقة الإنسان .
وبناء على أن ما كتب من هذا الاستبداد الكامل يمكن إرجاعه إلى الاجتهاد والاجتهاد بالنية الحسنة:مصيبه له أجران ومخطئة له أجر إلا أني أخشى ما أخشى عليه في الآخرة هو انحيازه ومظاهرته للقلوب القاسية في كل من مصر والخليج العربي تلك القلوب التي لم يرد الله أن يطهرها في هذه الآونة المنظورة واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فأعطاهم الله حرث الدنيا الذي اختاروه بدون طلبهم لأي حظ في الآخرة والله يقول له أن موسى قال(رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعني كل مسلم((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنو عنك من الله شيئا ))إلى آخر الآية وهو قد خاطب الرئيس المصري بكلمة تذكر بقوله تعالى (( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )) وهي نداؤكم للسيسي في قمة بالرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي .
وفي آخر الملاحظات الإيجابية والسلبية على هذا الرئيس نتمنى له من قلبي أن لا تكون دنياه خير له من آخرته وأشهد على ذلك علام الغيوب .
أما الرئيس المرشح الجديد فبالرغم من أن الجميع لم يتكلم عنه إلا بخير دون تفصيل ذلك الخير للزومه هو التام وتفضيله للصمت (( ذلك خير للذين يريدون وجه الله )) إلا أني أبشر الجميع بأني رأيت عن قرب من عملوا معه عن قرب أيضا قبل رئاسته للجيوش مباشرة فأثنوا عليه بجميع الأخلاق المطلوبة من المسلم : التواضع ـ السخاء ـ الصدق ..الخ فهنيئا لنا وللموريتانيين إذا وصل إلى رئاستنا .
وبمناسبة حصول هذا الوصول فإنه يطرح كثيرا من التساؤل :
أولا : جميع من شكره من رجال الموريتانيين التاركين ( لسراويلهم) في بيوتهم مع هذا الرئيس وهم كثر مع الأسف لا يقولون في مدحه إلا أنه رفيق درب السيد الرئيس الحالي وأنه الوحيد القادر على استمرار منهجيته، وهنا أسأله هو ما هو القاسم الآخر المشترك بين الرجلين الذي أدى إلى هذا الالتحام حتى كاد أن يقولوا لنا كتابهم وخطابهم هو هو أو كأنه هو ...الخ .
وبعد فتواه في هذا السؤال أسأل جميع الموريتانيين من الحدود إلى الحدود هل ما يقولون عنه رجال الرئيس هو مدح له أو غير ذلك فإذا كان مدحا فاتركوا الرئيس السابق يترأس مأمورية ثالثة إذا كان لا فرق بينهما فالأول عنده إيجابيات كثيرة وإذا كانت غير مدح فلينتبهوا لذلك المداحين لأن كثيرا من الموريتانيين يريدون مرشح إجماع فأنتم تبعدون عنه كثيرا من الموريتانيين كانوا خارج موريتانيا ولو كانوا يسكنون داخلها لأنهم معارضين أو لا يمدحون وأنتم المداحون تعرفون مواقفكم منهم .
وعلى كل وباختصار شديد ـ وبناء على تلك الأوصاف التي أكد لي الشهود العدول ثباتها في الرئيس الجديد أتمنى منه أن يبدأ بما يلي :
أولا : إنهاء إلى غير رجعة انقسام الموريتانيين إلى موالاة ومعارضة فالجميع تكون مولاته في إتقان ما أسند إليه من المهام والجميع معارضته في النصح الشرعي البناء .
ثانيا : أن يطلب من الرئيس الأول أن يبتعد عن موريتانيا لمدة سنة وفي أحسن متنزه أو معبد في العالم ليكف أصحابه عن التأثير على الرئيس الجديد تقربا له هو ولتطمئن المعارضة أن آثاره هو اختفت من علاقتها بالدولة .
وبعد تلك السنة يعود إلى موريتانيا ليهيئ له الرئيس الجديد احتفالا رائعا يتقدمه رؤوس المعارضة متشابكين الأيدي مع رموز الحزب الذي كان ينعت بأنه كان حاكما ويكون الرئيس الجديد قد أمر المعارضة في الخارج أن تأتي مع الرئيس قي طائرته متشابكة الأيدي معه ليتصف الجميع في الدنيا بصفة المؤمنين في الآخرة يقول تعالى((ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين )) .