معركة الراي العام من كسبها ومن خسر؟المولاة ومرشحها القوي أم المعارضة ومعادلاتها الصفرية؟
من المؤكد ان الانتخابات الرئاسية التي اصبحت علي الابواب لن تكون كسابقاتها باي حال من الاحوال
علي الاقل هذا ما يراه مراقبون كثر.معللين ذلك بأن هذه هي اول إنتخابات تقريبا تجري في بلادنا من دون الرئيس الذي يفترض أن يدار في ظل نظامه المسلسل الانتخابي المرتقب برمته. ويضيف هؤلاء المراقبون المستقلون وانا من ضمنهم طبعا ان ما عرفته البلاد في السنوات الاخيرة من تغيرات علي صعد كثيرة وما صاحب ذلك من احتقان وتجاذبات وانعدام ثقة بين الاقطاب السياسية الفاعلة في البلد، سيجعل من شبه المستحيل ان يتجرأ الطيف الموالي او حكومته علي اي نوع من التلاعب بنتائج هذه الانتخابات.
غير انه من المؤسف حقا ان انتخابات كهذه من شانها ان تشكل فرصة غير مسبوقة لساستنا لإخراج البلاد من دوامة ازماتها المتعددة الاوجه.ومن ثم تحسين الوضع المعيشي للمواطنين الذين يطحنون في صمت وتعزيز مشروع دمقراطيتهم الفتي. لم تشكل حافزا لقوي المعارضة التي عانت الامرين في العقد الاخير بسبب القمع والتهميش صحيح لكن ايضا بسبب ما دفعته ومعها الشعب من اثمان باهظة لاخطائها وعجزها عن الاضطلاع بالدور المنوط بها علي اكمل وجه.كقوة معارضة وطنية حقيقية وكصمام امان لمشروعنا الدمقراطي المتعثر.
الامر الذي تسبب في خيبة امل كبيرة ليس فقط في الاوساط المعارضة للنظام فقط وانما ايضا لدي عامة الشعب. خاصة اننا جميعا كساسة مستقلين وكمواطنين عاديين كنا ننتظر ان تكون معارضتنا علي مستوي التحدي وان تثبت ولو مرة لانصارها وخصومها علي حد السواء انها تعلمت الدرس جيدا. وانها اصبحت جاهزة وقادرة علي لعب دورها كاملا في قيادة جماهيرها ومعهم القوي المختلفة المطالبة بالتغيير وبالدمقراطية الحقيقية في الاستحقاقات القادمة والدفع بمرشح اجماع قوي يستجيب لكل ما تتطلبه المرحلة الراهنة من معايير ومواصفات.
لكن للاسف الشديد جرت رياح قوانا المعارضة هذه المرة ايضا بما لا تهوي سفن مناصريها ولا سفن دعاة الدمقراطية والتغيير في البلاد.
فهاهي معارضتنا بكل قواها تفشل للمرة العاشرة وعلي نحو مهين في تقديم مرشح بحد ادني من التوافق بين مكوناتها او بعضهم علي الاقل.
فهذه المعارضة" المحاورة اصبحت غاب قوسين او ادني من الارتماء بوضح النهار في احضان النظام. هذا ان كانت هذه القوي قد خرجت يوما من هذه الاحضان. خصوصا ان احد ابرز مكوناتها قد نجح مؤخرا في تجاوز عقدة الخجل التي كانت تمنعها كقوي معارضة من المجاهرة بموالاة النظام دون سابق انذار. الامر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك انها اي المعارضة المحاورة لم تكن يوما الا حديقة خلفية للنظام وحكوماته المختلفة.
وتلك المعارضة التي تصفها بعض الاوساط الموالية للنظام بالرادكالية. لا تزال غارقة في مستنقعات اخطائها. حيث لا تكاد تخرج من تبعات خطأ حتي تشرع في اقتراف خطإ آخر افدح وارعن.
كل ذلك جعلني شخصيا، وبعد ما لمسته علي منصات التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والصالونات والاسواق وفي اوساط نخبوية مختلفة من مشاعر احباط وخيبة امل لدي الشعب من اداء هذه المعارضة، اجزم ان هذه القوي مع احترامي الشديد لها ولتاريخ بعضها ونضاله وصموده، لم تخسر معركة الراي العام فقط وانما ايضا معركة الانتخابات نفسها حتي قبل اجرائها.
في الحقيقة لا يسع امرء يفهم في السياسة ويتابع مجرياتها في هذا البلد وهو يلاحظ كيف اخفقت هذه "المعارضات" كلها في التوافق علي مرشح موحد لها في انتخابات تجري في ظروف وطنية فائقة الحساسية، الا ان يرثي لواقعها المزري وان يحملها المسؤولية كاملة عن المازق الذي وضعت فيه نفسها ومعها الشعب المورتاني ومشروع دمقراطيته الفتي.
يذكر ان اخفاق قوي المعارضة الذي وضعها علي حافة النهاية حصل هذه المرة في وقت تقدمت فيه الموالاة بمرشحها القوي الجنرال غزواني الذي اعلن كل الطيف الموالي دعمه له باجماع منقطع النظير.
الامر الذي ان دل علي شيء فانما يدل علي ان القوي الموالية للنظام رغم خلافي مع اغلبية مكوناتها خاصة ما يسمي بحزب الاتحاد من اجل الجمهورية قد ربحت وبجدارة معركة الراي العام. بل انني لن ابالغ اذا قلت ان طريق مرشح الموالاة الذي يدعمه الرئيس المنتهية ولايته ايضا، الجنرال غزواني الي مقعد الرئاسة بات سالكا.
من جهة اخري، لا يمكنني ان اختم هذه السطور قبل ان اسجل دهشتي واستغرابي من نخبنا السياسية الغريبة الاطوار بكل المقاييس حيث انه لا احد في هذا البلد الذي يستعد للدخول في انتخابات رئاسية تاريخية في غضون اسابيع قليلة يتحدث الا عن مرشحي الموالاة المحتملين (الجنرال غزواني وربما لمحض الشكل الوزير الاول الاسبق ملاي محمد لغظف)او مرشحي قوي المعارضة المحتملين(الذين لم يعد احد يتحدث عنهم الا علي سبيل التنكيت والسخزية. باستثناء الاستاذ بيرام الداه اعبيدي الذي اعلن ترشحه قبل سنوات)
الامر الذي يجعل السؤال الذي يطرحة كثيرون هذه الايام وبإلحاح من الوجاهة بمكان:
لماذا لا يتقدم مرشح رئاسي يكون وجها جديدا بمعايير محددة ويقلب الطاولة علي الجميع، كما طالبت بذلك بعض القوي الشبابية كتيار الامة الواحدة المستقل مثلا؟
لماذا لا يحصل ذاك؟
خاصة ان الشعب المورتاني برمته يتطلع كما هو معلوم لتغيير شامل وحقيقي.و المعارضة التقليدية المترنحة تتجه في احسن الاحوال إلي الاستقالة الحتمية. كما ان الرئيس المنتهية ولايته قطع الشك باليقين واكد انه سيحترم الدستور رافضا بذاك الرضوخ لدعاة المامورية الثالثة من قوي الرجعية والتخلف الهدامة.
واضح تماما ان عجز قوي التغيير عن فرز وجه جديد وتقديمه كمرشح رئاسي توافقي مدعوم من كل هذه القوي وبعيدا كل البعد من الطبقة السياسية العتيدة المستنزفة، سيصب علي نحو مباشر في صالح مرشح النظام البارز الجنرال غزواني.
ذلك ان المرحلة تتطلب مرشحا يكون قويا ونظيفا و مؤمنا بالدمقراطية وبتداول الحكم ومؤهل بكل المقاييس باستثناء مقياس الخدمة في عهود الاستبداد والفساد والمحسوبية والغبن.ذلك ان الخبرة المستقاة من هكذا عهود تضر الوطن اكثر من ما تنفعه. وتجربتنا مع استنساخ حكومات الانظمة السابقة تؤكد ما نود الوصول اليه بهذا الكلام.
بإختصار نحن نحتاج مرشح يتقدم الي الشعب باسم الجيل الجديد من الساسة الوطنين الاحرار وباسم الاغلبية المغبونة وباسم المثقفين والاكادميين والمدونين وباسم الشباب المستنير الرافض للتملق وعبادة الحكام والفساد والتطرف والفقر وباسم العاطلين عن العمل والمهمشين وباسم الموالاة المسؤولة وباسم المعارضة الوطنية الناصحة وبكلمة واحدة باسم الامة المورتانية المؤمنة الواحدة الموحدة المتطلعة الي الصعود والي الدمقراطية الحقيقية. والي العدالة الاقتصادية والاجتماعية والمناطقية والي دولة القانون والحريات.
لان اي مرشح مدعوم من قوي خسرت ثقة رايها العام لن تكون له اية فرصة في الفوز.
هذا مفروغ منه.من خسر الراي العام خسر الانتخابات مهما كانت قوة مرشحه ومهما بلغ مستوي الاجماع والتوافق علي ترشيحه. لان السياسة ترتبط الي حد بعيد بالمصداقية وبهضم النفس وتجاوز الذات والتضحية من اجل الوطن والشعب.
وعلي كل من عجز عن ذاك لسبب او لآخر ان يدرك انه لا يستحق قيادة مخيم ريفي في الادغال واحري زعامة جمهورية غارقة في المشاكل والازمات.