من الحيل المحرمة الأخرى التي تسربت إلى معاملة التورق -وهذه غالبا ما تكون دون علم البنك بل تقع من الآمر بالشراء- أن يدفع الآمر بالشراء بعض الثمن للبائع لأنه يريد تمويل المعاملة من البنك في حدود مبلغ ما، وسعر السلعة أعلى. فيدفع هو الزائد لصاحب السلعة دون أن يخبر البنك بذلك، فيكون كأنه اشترى السلعة أو بعضها قبل شراء البنك لها وسيعيد البنك بيعها له كاملة، وهذه حيلة محرمة لا تجوز؛ إذ يجب قطع كل علاقة بين العميل والبائع الأصلي إذا كان البنك سيشتري السلعة كاملة ويبيعها على العميل، حتى لا تؤول العملية إلى قرض ربوي.
جاء في المعايير الشرعية ص109: (يجب إلغاء أي ارتباط عقدي سابق بين العميل الآمر بالشراء والبائع الأصلي إن وجد، ويشترط أن تكون هذه الإقالة من الطرفين حقيقة وليست صورية، ولا يجوز تحويل العقد المبرم بين العميل والمصدر، إلى المؤسسة ـ أي البنك).
وجاء فيها أيضا ص: 123ـ (مستند وجوب إلغاء أي ارتباط سابق بين العميل والمورد حتى لا تؤول المعاملة إلى مجرد قرض ربوي، لأن انتفاء العلاقة التعاقدية بينهما شرط لصحة تنفيذ المؤسسة عملية المرابحة للآمر بالشراء. انتهى.)
وإذا كان الآمر بالشراء يريد شراء البعض فليصرح بذلك للبنك وليشتر هو من البائع الجزء الذي يريد، لا أن يوهم البنك ألا علاقة له بالسلعة وأنها مملوكة بالكامل للبائع؛ إذ لا يجوز أن يشتري البنك السلعة أو بعضها من الآمر بالشراء ثم يعيد بيعها إليه لأن ذلك عينة محرمة.
وأسوأ من هذا حيلة أخرى وهي أن يتفق الآمر بالشراء مع البائع على أن يزيد في ثمن السلعة على البنك زيادة يسلمها للآمر بالشراء فيكون ثمن السيارة عشرين ألفا، فيتفق هو مع البائع عل أن يخبر البنك بأن ثمنها ثلاثون ألفا فإذا سلم البنك للبائع المبلغ دفع البائع عشرة آلاف للآمر بالشراء، فهذه حيلة محرمة وتوقع في الربا لأن المبلغ الزائد سيضيف البنك عليه أرباحا ويستوفيها من الآمر بالشراء فيكون كأنما دفع إليه العشرة بزيادة وهذا ربا، وإثم ذلك على الآمر بالشراء وصاحبه الذي أعانه، أما البنك فغير مؤاخذ لجهله بحقيقة الأمر، وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في قواعده:
لكن من يجهل قصد صاحبه **** فالعقد غير فاسد من جانبه
لأنه لا يعلم الذي أسر **** فأجري العقد على ما قد ظهر
والبنك لا يعلم ذلك القصد وتلك الخديعة.
ومن الحيل الشائعة أيضا في معاملة التورق: أن يسجل المرء سيارته باسم أخيه أو صاحبه أو زوجته، ثم يتقدم للبنك بطلب شرائها له، فيشتريها البنك ثم يبيعها له ويسلم البنك الثمن إلى من باسمه السيارة -وهو لا يدري عن الحيلة-، فيقبض الآمر بالشراء الثمن ممن سلم إليه، فيقع في الربا؛ حيث إن حقيقة الأمر كونه أخذ نقودا من البنك وسيردها إليه بزيادة، وهذا ربا، فيأثم هو ومن أعانه على ذلك، وأما البنك فهو لا يدري عن تلك الحيلة شيئا، وإن درى موظف البنك بذلك فتكون المعاملة قرضا ربويا صريحا ويأثم الجميع.
التورق العكسي أو المقلوب
التورق العكسي أو المقلوب أو المرابحة العكسية أو المراجحة …إلخ هي معاملة جديدة، تعتبر بديلا عن الوديعة لأجل.
وحقيقة هذه المعاملة أن يتفق البنك الإسلامي مع أحد عملائه أو مع مصرف إسلامي آخر على أن يشتري العميل السلعة ويبيعها للبنك بربح، غير أن العميل هنا إنما يسلم ثمن السلعة نقدا للبنك ويوكله في كل الإجراءات بما في ذلك شراء السلعة للعميل وقبضها له، ثم يبيعها البنك لنفسه بمقتضى ذلك التوكيل ومن ثم يبيعها البنك ليحصل على النقد.
ففيها تحايلٌ على تحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة، فهي كالتورق المنظم الذي سبق تناوله في المقال الأول، ولا تختلف عنه، إلا في تبدل الأدوار بين العميل والبنك ، فالأصل أن العميل هو المشتري ، والبنك هو البائع ، والأمر هنا بالعكس ، ولذلك تسمى ب”التورق العكسي”
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه المعاملة في دورته التاسعة عشرة ومما جاء في القرار أنه:” نظر في موضوع : ( المنتج البديل عن الوديعة لأجل) ، والذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر تحت أسماء عديدة ، منها : المرابحة العكسية ، والتورق العكسي أو مقلوب التورق ، والاستثمار المباشر ، والاستثمار بالمرابحة ، ونحوها من الأسماء المحدثة أو التي يمكن إحداثها.
والصورة الشائعة لهذا المنتج تقوم على ما يلي :
1 – توكيل العميل ( المودِع ) المصرف في شراء سلعة محددة ، وتسليم العميل للمصرف الثمن حاضراً .
2 – ثم شراء المصرف للسلعة من العميل بثمن مؤجل ، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه .
وبعد الاستماع إلى البحوث والمناقشات المستفيضة حول هذا الموضوع ، قرر المجلس عدم جواز هذه المعاملة ؛ لما يلي:
1 – أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً ، من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها ، فتأخذ حكمها ، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.
2 – أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم (التورق المنظم) وقد سبق للمجمع أن قرر تحريم التورق المنظم بقراره الثاني في دورته السابعة عشرة ، وما علل به منع التورق المصرفي من علل يوجد في هذه المعاملة .
3 – أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي ، القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي ، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي.”
وقررت ندوةُ البركة رقم (28) عدم جواز هذا النوع من التورق للحيلة المحرمة فيه، فقالت:”الأصلُ في البنوك الإسلامية تطبيقُ المضاربة والمشاركة ونحوهما من العقود المؤصَّلة في الفقه الإسلامي، وأن الصورة المثلى أن تكون العلاقةُ بين البنك وعملائه هي المضاربة. وأن المتبعَ في المرابحة أن يكون البنكُ هو البائع، ولا يجوز قلبُ هذه العلاقة، بحيث يكون المشتري هو البائعُ في المرابحة، (المرابحة العكسية)،مع تضمين هذه العملية التزام البنك بأداء النسبة التي قُيدت بها المرابحة، والالتزام بالتوكيل في التَّورُّق وحق البيع للنفس.”