مصنع "الأزمات"..!! / حبيب الله ولد أحمد

 

altيحز في نفسي -كمواطن موريتاني- أن يكون بلدي عاجزا عن صناعة أي شيء، رغم المحاولات العديدة لإنشاء مصانع، ومعامل، ووحدات تركيبية عديدة، على امتداد نصف قرن من عمر الدولة الموريتانية.

لقد ماتت صناعات وطنية عديدة في المهد و"الرحم"، وتم "وأد" مشاريع صناعية كثيرة، نتيجة "قراقوشية" السياسات الاقتصادية للحكومات، و الأنظمة المتعاقبة، مع أنه علينا القول-احتراما للتاريخ- إن الرئيس الرمز المؤسس المختار ولد داداه رحمه الله امتلك- مع رفاق دربه- أبرز واقوى وأهم إرادة صناعية في البلاد على الإطلاق، ولا أعني تأميم "ميفارما" وتسميتها وطنيا "الشركة الوطنية للصناعة والمعادن"، ولا اعني المشاريع الأولى لإقامة صناعات وطنية بمجهود ذاتي أحيانا، وبشراكة فاعلة مع أشقاء وأصدقاء عبر العالم، لكنني أتحدث عن صناعة كيان موريتاني قوي وموحد، سيجت حدوده دائما بحديد الموريتانيين ونارهم ورجالهم، في فترات النشأة الصعبة والاستثنائية .

عجزنا فعلا بعد الرئيس الراحل المختار عن صناعة أي شيء، مع تكرارنا لمحاولات "سيزيفية" فارغة الشكل والمضمون- مرة بمجهود محلي ومرات بشراكة مع أجانب- من قبيل مصنع السكر، ومصانع تعليب السمك، وتكرير البترول، والحديد والصلب، والشموع، ومعامل اللبن، والمواد الغذائية، وغيرها..حتى الصناعة التقليدية قضينا عليها بتهميش القائمين عليهم والتنكر لهم وعزلهم بالإقصاء عن لعب دورهم الذي ظل حضوره أكثر وأعمق وأجدى للمجتمع اقتصاديا وتنمويا - وفى كل مراحل التاريخ الوطني - من حضور أي كيان وطني أو برنامج سياسي..!!

خمسون عاما من الاستقلال ولسان حالنا يصرخ : "مع الاعتذار لنزار قباني"

(أنا عاجز عن "صنع" أية "إبرة"

أو"هيشة"عن "صنع" أي"دواة"..!!)

لا أظن بأن عجزنا عن الصناعة سيطول ويستمر، بل أجزم أحيانا بأنه سيأتي اليوم الذي نكون فيه ("أصنع" من اليابان وتايوان وكوريا وتايلاندا)...

لدي مؤشرات تدفعني إلى التفاؤل بأننا في النهاية سنصنع شيئا ما، ولا أعتمد هنا على المعطيات الاقتصادية المحلية، ولا على بيانات وزارة الصناعة، أو خبراء المجال، بل إن الأفق واعد ومبشر، فالرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز وإن اختلف مع خصومه في منسقية المعارضة- ظاهريا وفى كل شيء- إلا أنه يتفق معهم - كما هو واضح الآن بجلاء- على تحويل البلاد إلى مصنع ضخم، وورشة عمل متحركة ونشطة لإقامة مصنع عملاق ل"الأزمات" الخام ومشتقاتها، مع ورشة كبرى لصيانتها، وتخزين قطع غيارها..!!

ليست هذه نكتة، ولا أريد التحامل على الرئيس، أو المعارضة (حاشا لله)..

أعرف أن الآراء التي أكتبها عادة تثير جدلا كبيرا حول موقفي وموقعي بين المعارضة والموالاة، وما أقوله- بثقة تامة- من أن بوصلتي هي المصلحة العليا لموريتانيا أرضا وشعبا وسيادة، يفهمه البعض على أنه مجرد (كلمة معارضة أريدت بها أغلبية) أو العكس.!!...ومع ذلك فأنا مقتنع بموريتانيا، وبأنها أسمى وأنبل وأبقى من كل هؤلاء المتجمعين لإشعالها، أغلبية ومعارضة وما بينهما.

أتمنى أن يكون مفهوما أنني لا أتحامل هنا، ولم أتحامل أبدا على أي كان، ولكن من الواضح لي - وأعذر الذين لم يتضح لهم ذلك- أن ثمة اتفاقا سريا أو علنيا، صامتا أو صارخا، بين الرئيس وخصومه على الدخول في شراكة قوية لصناعة وتركيب "أزمات محلية"، ربما بخبرات أجنبية..!!

وأعتقد أن الدولة الموريتانية تنازلت عن ساحتها ومشهدها الداخلي كله للشركة العملاقة، ذات رأس المال المختلط، والتي قد تباع(أو بيعت سلفا) بعض أسهمها لمستثمرين أجانب من قطر، والإمارات، والسعودية، وفرنسا، والولايات المتحدة،(وربما إسرائيل) قصد الاستفادة من خبرات عالمية، حققت أرقام أعمال، ونجاحات مذهلة، وأثبتت كفاءتها في هذا المجال ميدانيا في ليبيا، والعراق، وسوريا، وتونس، ومصر، والسودان، والصومال، ورواندا، ومالي، وبوروندي، وأفغانستان، وغيرها من دول العالم..

ليس من المهم التطرق لتسمية المؤسسة الجديدة، فبعض التسريبات تقول إن الاتفاق النهائي على التسمية مسألة وقت، وتأخر الإعلان عنها هو فقط لاعتبارات تتعلق بمقترحات قدمها كل حزب من أحزاب المنسقية على حدة، وقدمها الرئيس وأغلبيته ومحاوروه، (لا يمكن للأغلبية أن تعطي اسما من عندها ف"البركة" في اقتراح وحيد وأوحد من الرئيس فهو يأمر وهم يطيعون) وطبيعي أن تحاول كل جهة إيجاد تسمية متفق عليها، تخدم توجهها ورؤيتها السياسية دون أن "تخدش" حياء بقية الجهات"المساهمة"، ومن التسميات التي رشحت حتى الآن "الوطنية للأزمات"، و"الإسلامية الدولية للقلاقل" و"اعل ولد محمد فال وشركاؤه للاضطرابات المحلية"، و"مجموعة احمد ولد داداه وبدر الدين المحدودة للتوترات"، و"عزيز و إخوانه للاحتقان" و"جنرال – كو- ليمتد للأزمات السائلة"، و"الموريتانية المختلطة للبلبلة"، و"متحدون من أجل الفوضى" و"أزمات كوربورايشن ليمتد أوف موريتانى" و"مجموعة بربص وبا الحسن وبتاح القابضة للتأزم"..و"الخليجية الموريتانية للزيت والنار- ش- م – م"..!!

لا أستطيع الجزم حتى الآن باعتماد أي من هذه التسميات، فهي مازالت محل أخذ ورد، وشد وجذب، بين كبار المساهمين في(رأس مال) صناعة الأزمات المحلية، ولحد الساعة أيضا لم يتم الإعلان عن اسم رئيس مجلس الإدارة ولا حتى الإداري المنتدب لإدارتها(من المستبعد أن يتم اعتماد طريقة التناوب السلمي على إدارة المنشأة الجديدة للأزمات لأن الخبراء يرون أن مجرد الاتفاق على تناوب سلمي من أي نوع يعنى تحييد الكثير من المواد الخام والأولية الضرورية لصناعة الأزمات والتي من أهمها الصراع على السلطة والنفوذ) ويبدو أن حسم مسألة التسمية، وحتى الإعلان عن "رأس المال"، وطرق الاكتتاب وحاجة المؤسسة من العمال والفنيين، وتوسيع نشاطاتها وفتح ممثليات لها في الداخل، وقيمة الأسهم (باستثناء سهم المنية) أمور متجاوزة بالنسبة للشركاء، فالعمل بدأ منذ بعض الوقت بإمكانات وخبرات ومواد محلية، وإن تحدث البعض عن وجود مهندسين أجانب، تتم الاستعانة بهم بواسطة مكتب خبرة عالمي متعدد الجنسيات، يوجد في البلاد منذ عدة سنوات متواريا عن الأنظار، تحت اسم مؤسسة خصوصية للدباغة ونشر الغسيل..!!

أقيمت الورشات، وبدأ العمل يعطى بعض النتائج، فحرق الكتب المالكية، وإنشاء منظمات عنصرية على أسس عرقية، والاعتصامات المتواصلة، والقمع المضاد، وتسييس وتفخيخ القضاء، واختلاق "أزيمة" ولد الغيلانى، والاحتفاظ بالسجناء دون محاكمة، واتفاقية الصيد مع الصين، وتزكية علماء محليين للثورة والعنف،وانتهاء صلاحيات البرلمان دون تجديد هيئاته، ودخول ضباط متقاعدين معترك الصراع على السلطة علنا تحت يافطة المعارضة، وتفاقم أزمات العطش، والجفاف، والجوع، والمرض، ومحاربة الفقر بالشعارات، ومحاربة الفساد بالمفسدين، والحديث المتزايد عن فضائح مالية في البرامج والدوائر الحكومية،والنهب المنظم من طرف النافذين المدنيين والعسكريين لمحتويات برنامج التدخل الحكومي لصالح المنمين في الداخل، وكذا ما يعرف ب"دكاكين الأمل" والتعيينات الجزافية(تسير على عجلتي القرابة وإغراق القطاعات الحكومية برجال الأمن "الشعبة المدنية" ، وارتباك السياسات الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، و"تفخيخ" الدبلوماسية عن طريق تعيينات "عائلية" عصفت بوزارة الخارجية، وامتناع الدولة عن تسوية أزمة السماد التي قضت على آمال مزارعي الضفة، واستمرار طرد الطلاب من الجامعات، وعسكرة بعض المؤسسات التعليمية، واستيراد الكلاب والعصي ومسيلات الدموع وقنابل الصوت، واستنساخ المعارضة لشعارات وتحركات ويافطات وآليات عمل من خارج الحدود خصوصا من دول ما يسمى (زورا) ب"الربيع العربي"، كلها مواد بدأت المؤسسة الجديدة تغرق بها "السوق" المحلي،حيث يقدر خبراء عرب إنتاج المؤسسة المستقبلي من "الأزمات" المحلية الصافية بمليوني "بيدون" يوميا في أفق العامين القادمين(يتوقع أن يبلغ متوسط دخل المواطن الموريتاني خمسة وخمسون فاصل ستة وأربعين أزمة يوميا متفوقا على نظيره الأفغاني والعراقي والليبي والصومالي والسوري والمصري والتونسي) ، بينما يرى خبراء فرنسيون بأن المؤسسة الموريتانية الجديدة رائدة في المجال - على حداثة نشأتها - آملين في الاستفادة قريبا من تجربتها، كما يتوقعون قدرة البلاد على تأمين ناتج وطني دائم لتغطية الاحتياجات المحلية من الأزمات بكافة أنواعها، بل و تصدير "أزمات" فائضة إلى الخارج في القريب العاجل، بداية بالسنغال ومالي، وانتهاء بدول أخرى في نفس المنطقة،خلال أقل من عشر سنوات قادمة..!!

وكتبت صحف أمريكية متخصصة عن صناعة الأزمات الموريتانية باعتبارها الجهد الأول من نوعه الذي تلتقي فيه الحكومة مع المعارضة، بانسجام تام، ودون أية احتكاكات، مشيرة إلى أن موريتانيا تمتلك احتياطي أزمات اقتصادية، واجتماعية، وأمنية، يكفى لإشعال الهندوراس، وجمايكا، واللوزوتو، وهايتى، مجتمعة وفى أقل من خمس ساعات..!!

ونصح خبير دولي حكومة كوريا الجنوبية بالعمل على الدخول في شراكة فورية مع الموريتانيين، لنقل خبراتهم في صناعة الأزمات، إلى جارتها المثيرة للجدل كوريا الشمالية، لتحقيق شكل من أشكال توازن الرعب في تلك المنطقة الملتهبة من العالم.

لا تهمنى في الواقع كل تلك المعطيات والبيانات والاحتمالات، فالمهم بالنسبة لي أن يسجل التاريخ لبلادي أنها صنعت شيئا أي شيء، وبخبرات محلية لا ينقص من شأنها أنها تستفيد من تجارب دول شقيقة وصديقة عبر العالم..!!

وستبقى صناعة الأزمات المحلية سنة حميدة لعزيز ومنسقية معارضته (وما بينهما) أجرها وأجر من عمال بها إلى يوم الدين ولا ينقص ذلك من (أجورهم) شيئا، وعلينا كموريتانيين وزر العمل بها إلى يوم الدين..!!

متى سيتم تدشين مؤسسة "الأزمات" الجديدة..؟!

ومتى سنصدر أول شحنة من الأزمات المحلية إلى الخارج..؟!!

وهل بمقدور صناعة الأزمات المحلية الموريتانية أن تنافس صناعات الأزمات العربية والعالمية..؟!!

لا أملك جوابا على هذه الأسئلة، وأنتم لستم متلهفين على معرفة تلك الأجوبة، وإن كان من حقكم التساؤل- معي- وبحيرة لماذا لا يسمونها بالإجماع ا(موريتانيا للأزمات- ملتزمون بالتوتر)..؟!!

31. مايو 2012 - 15:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا