تعيش بلادنا منعطفا سياسيا هاما، فبعد الخروج من انتخابات طويلة وشاقة، خاضت فيها الأحزاب السياسية تنافسا محموما على المناصب البلدية والمقاعد النيابية والمجالس الجهوية، وأفضت نتائجها إلى رسم خارطة سياسية جديدة؛
ظهرت أحزاب في المعارضة بعد انقشاع غبار المعركة السياسية في قوة جيدة وتموقع مؤثر؛ فكان لها نصيب الأسد من الحصاد السياسي، ومقعد كبير المفاوضين بفعل احتواء خزان الناخبين، ولم يكن فوز الحزب الحاكم بأغلب المقاعد والمناصب والمجالس بالغريب أو المستبعد قبل خوض غمار الانتخابات؛ تلك الانتخابات التي شهدت عديد المفاجآت، فبعد فوز شخصيات معارضة في قلاع كانت في السابق تشكل مكمن عز وفرس رهان لدى الحزب الحاكم وداعميه، وبعد اللجوء في أماكن أخرى إلى أشواط بعد الأشواط العادية، والتعاطي مع النصرة بالنشوة البكر، تلك النشوة التي لم تسبق بنظيرتها وقد لا تتكرر أو تنعدم في المستقبل دواعيها.
بعد الابتعاد عن الانتخابات الماضية واختفاء صدى الاحتفاء بمفاجآتها، ونسيان طعم الفوز أو تقادمه رغم سابق توقعه، بدأنا نقترب شيئا فشيئا من انتخابات أخرى، بنسق آخر، وبمنحى تنافس مخالف، وبسقف طموح متباين.
كثير من الأحزاب السياسية في بلادنا؛ يتقدمها صاحب الخزان الانتخابي الأكبر في صف المعارضة-تواصل- يدرك جيدا حدود جهده في المنافسة السياسية الرئاسية، ومدى اختلافها عن سابقتها التي تبوأت فيها أحزاب المعارضة مقاعد ومناصب ومواقع داخل المجالس.
إن الوعي بالواقع السياسي في بلادنا يترتب عنه إدراك الجهد والمستوى، وينتج عنه التخطيط والتحالف أو إعادة التموقع والانتماء، وتحديد الوجهة والمسار؛
لاشك أن ضرورة دخول أحزاب المعارضة في المنافسة على الرئاسيات بمرشح موحد يعد أولى الأولويات وأظهر الضروريات، وتفككها أو تعدد رؤوسها في وجه المنافسة السياسية القادمة؛ يعد نوعا من الإلهاء العبثي الذي لايضمن بالضرورة حصول التسلية، ومن أدرك ذلك ووعاه، أعاد النظر وفكر ثم اختار بعد أن قيم وقدر، ومن خالفه أدركه العجز وزاده بقاء في وحله وانعدام حيله.
إن من يقف بتأمل مع الرسالة التي بعث بها القيادي في حزب تواصل في هذا الظرف وبهذه الطريقة، وفي جو الحزب الهادئ والمريح مقارنة بأحزاب المعارضة الأخرى؛ يفهم بعمق تلك الرسائل التي قدمنا قراءتها في هذه السطور.
لقد بات من المؤكد تباين النتائج المترتبة عن الانتخابات القادمة؛ بشكل جلي لصالح مرشح النظام الذي أصبح يستقطب رموز المعارضة إلى جانبه، وخير دليل وأحدثه استقالة القيادي المؤسس في حزب تواصل وطبعا الوجهة معروفة والإعلان عنها سبق إعداده، وقادم الأيام فيه تكرار السيناريو مع شخصيات أخرى بنفس الطريقة ومن ذات الطريق.