في كل يوم تطلعنا المستجدات الحياتية على حقيقة الدنيا وزوالها ، وأن الموت يعتام الكرام ويصطفي صفوة العلماء والعباد والصالحين ...ومن برحيلهم يموت خلق كثير... وتكون الثلمة في الدين عنوانا عريضا لبريد الراحلين ..دون نجوى تلويح ولاسابق وداع ، تماما مثل التمالئ مع الدموع الطافحة على شطئان وجع رحليك المتظاهر بالعودة تضميدا لجروح لاترى إلا وأنك في زاوية من شعاب " الحضرة " متصوفا رافلا في سندس الجمال الخلقي يبتسم محياك الوضاء مع كل إشراقة سمش وهدأة أصيل تنساب فوق جبينك الوهاج ... في صورة مشرقة تبض بالسكينة والإمامة في العبادة والتأله لراهب انقطع في ريعان شبابه عن الدنيا وتصاوريها الأهوائية محولا رداء النفس صوب بوابات التبتل المشرعة على أودية وهضاب النور بالمحروسة " أكرج " ، حيث لامكان في فناء ومساحات " الحضرة المعالية " إلا للارتقاء في مدراج السالكين في واحدة من تجليات الحياة الروحية في الإسلام .
في يوم الثلاثاء صبيحة الثاني عشر فبراير / شباط من العام 2019م الموافق جمادى الثاني 1440 هجرية ، تخطفت يد المنون كعادتها أحد أبرز علماء البلد الشباب الذين ابتعدوا عن الأضواء وأفنو شبابهم في العلم والتعلم والدعوة والتربية والإقبال على الله، إنه العلامة الشيخ : محمد يعقوب ولدأحمدفال ابراهيم أمين رحمه الله تعالى ، بعد عمر حافل بالعطاء المعرفي والثقافي والحضاري والتربوي ، لايتسع الرق ولايفي المداد بسرد مناقبه وتسليط الأضواء الكاشفة على علمه وورعه ، فرب مجهول في الأرض معروف في السماء ، يقول الوالد حفظه الله تعالى فضلية الإمام : عبد الله ولد الولي " الديداه " ؛ مختصرا الإدلاء بشهادة وقفت على أطلال فاجعة من جمعته ووالده وإياه روابط الأخوة والمحبة في رباط أسرة التصوف والصلاح " أهل الشيخ أبي المعالي " يوم كانوا طلابا ومريدين : " ( لقد قضى عمره العريض – القصير- في طلب العلم منذ رافق والده وهو يافع ، إنه شاب نشأ في طاعة الله ، لم تستهوه الدنيا وملذاتها ، موطأ الأكناف كريم السجايا غزير المعرفة وارف الظلال ، عرف بالدفاع عن السنة ، كنت أبحث عن آخر إصداراته المعرفية لكن الله لم يقدر لي ذلك ... ) . كلمات من عارف يضن بالحديث في هكذا مناسبات ، تترجم عمق الألم وحرارة الدمع المرافق لساعة الوداع المؤثر ..
أضحت بخدّي للدّموع رسوم ... أسفاً عليك وفي الفؤاد كلوم
والصّبر يحمد في المصائب كلّها ... إلاّ عليك فإنّه مذموم
تلك صفحة طويت من على هذه البسيطة من سير أعلام النبلاء الذين ارتبطت مظاهر وجودهم بإعمار الأرض ونشررسالة الإستخلاف والميراث النبوي بالتعليم في محظرة " أهل أحمدفال " ليشرب من نهر معينهم الزلال الذي كان جاريا عذب المورد لما ترده طلاب العلم تجد عليه أمة من الناس يسقون ، فهي بحق مظاهر عتيدة التحمل يشعر بها الإنسان في هذا الوجود، وإن لم يستطع التعبيرعنها اكتنافا لهول مشهد لن يودع بسوح حضرته " المعالية " سوى التسليم .
{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} . المصيبة: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه، يقال: أصابه إصابة ومصابة ومصابا. والمصيبة واحدة المصائب. والمصوبة (بضم الصاد) مثل المصيبة. ومن أعظم المصائب المصيبة في الدين، ذكر أبو عمر عن الفريابي قال حدثنا فطر بن خليفة حدثنا عطاء بن أبي رباح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب). قال أبو عمر: وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي وماتت النبوة. وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه. قال أبو سعيد: ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا. ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول:
اصبر لكل مصيبة وتجلد *** واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى أن المصائب جمة *** وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟؟؟ هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمدا ومصابه *** فاذكر مصابك بالنبي محمد
"قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" فقد جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين: لما جمعت من المعاني المباركة، فإن قوله: "إنا لله" توحيد وإقرار بالعبودية والملك. وقوله: "وإنا إليه راجعون" إقرار بالهلك على أنفسنا والبعث من قبورنا، واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له. قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب لما قال: يا أسفي على يوسف. وروى مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها). فهذا تنبيه على قوله تعالى: "وبشر الصابرين" [البقرة: 155] إما بالخلف كما أخلف الله لأم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه تزوجها لما مات أبو سلمة زوجها. وإما بالثواب الجزيل، كما في حديث أبي موسى، وقد يكون بهما.
ثم يقول الباري جل جلاله مبينا نعمه للصابرين المسترجعين : "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" وصلاة الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج: الصلاة من الله عز وجل الغفران والثناء الحسن. وفي البخاري وقال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعم العلاوة: "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون". أراد بالعدلين الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الاهتداء. قيل: إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر، وقيل: إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.