اللا شعور هو مفهوم استخدمه عالم النفس النمساوي سجموند فرويد، حين وجد العلماء قبله كانوا يعتبرون الجانب الواعي للإنسان ممثلا في الأفعال الحرة والإرادية هو الذي يمثل حقيقة الإنسان الخفية، فقام فرويد بقلب القضية، فرأى أن " اللاشعور" أو اللاوعي الذي هو"الجانب المكبوت من الحياة الإنسانية" هو الذي يمثل ويعبر عن حقيقة الإنسان أما الوعي أو الشعور فقد أضحى مع فرويد هامشيا إذ لا يمثل إلا ١٠٪ من حقيقة الإنسان، لكن يبقى السؤال الذي بطرح نفسه هو : إذا كان اللاشعور هو الذي يمثل حقيقة الإنسان في نظر فريد فكيف يتسنى لنا أن نطلع عليه ما دام دفينا؟ يجيب فريد أنه يمكن اكتشافه من خلال: فلتات اللسان وزلات القلم والأحلام والتداعي الحر للأفكار، لكن إذا كان ذلك هو اللاشعور عند فرويد ، فإننا نرى أن هذا اللاشعور ينقسم إلى قسمين: لاشعور فردي ولاشعور جماعي أو على الأصح لا شعور ثقافي اجتماعي، واللاسعور الثقافي هو مانبتغي هنا الحديث عنه وعن تجلياته في الخطاب السياسي الموريتاني وفي الممارسة السياسية، إذ لا يخفى علينا أن المجتمع الموريتاني قد عاش في غياهب ثقافية حالكة اكتنفها وابل من التناقضات لا تزال تلقي بظلالها على حاضر المجتمع وتأثر فيه، وهي ماندعوه هنا اللاشعور الثقافي، وهذه الفترة التي عاشها المجتمع أفضت إلى الكثير من الفوضى وخلفت الكثير من المسلكيات الثقافية الضارة التي لاتزال تستعبد الإنسان الموريتاني، فمن تلك التناقضات النزوع إلى تكرييس الطبقية الأستاتيكية التي لاتزال مخلفاتها جاثمة على صدر المجتمع الموريتاني، من قبيل تقسيم المجتمع إلى: العرب حملة السيف والبندقية والزوايا أرباب السيف والقلم و الطبقات المسحوقة الخارجة نطاق التصنيف واللافت في هذا التقسيم ليس وجوده وإنما المنظومة الأيديولوجية التي نصبت نفسها خصيصا للدفاع عنه بوصفه تقسيما استاتيكيا ، ولكي لا يخرج المجتمع على النظام يلزم كل طبقة أن تستقر في مكانها وأن تقنع بمحدودية تصرفها وقدراتها المعرفية والمهنية ، فهذا التقسيم بهذه الصفة لا يزال البعض يتوق إلى العودة إليه، ولهذا نعُده من اللاشعور الثقافي، يضاف إلى ذلك عنصر آخر فحواه تقسيم آخر يتم على أساس النبل والشرف والحرية والعبودية والقيادة والتبعية، فبعض مكونات المجتمع ترى أن لها الأحقية دوما في التفوق والسيطرة على الآخرين وتدعي السيادة لنفسها.
كل هذا مظهر من مظاهر اللاشعور الثقافي الموروث، إلا أن عناصر اللاشعور الثقافي في موريتانيا كثيرة فمنها النزوع إلى العرقية والقبلية والجهوية وتمجيدها فاللاشعور الثقافي الموريتاني هو "الأيديولوجية الناظمة لمختلف العلاقات والتفاعلات داخل المجتمع والمستندة إلى القبلية والعرقية والجهوية والاحتماء بالماضي هروبا من الحاضر وتقديس مكانات الأشخاص على حساب المبادئ" لكن إذا إذا كان فرويد يرى أن مظاهر اللاشعور تتجلى من خلال الأحلام وزلات اللسان والتداعي الحر ، ففيما تتجلى مظاهر اللاشعور الثقافي الموريتاني ومدى تأثيراته في الخطاب السياسي؟ لعل من أهم مظاهر اللاشعور الثقافي وتأثيراته في الخطاب السياسي ما يلي:
أولا:مانشاهده من تطاحن سياسي واجتماعي على صفخات مواقع التواصل الاجتماعي، فلما كانت هذه المسلكيات الرجعية التي تدور رحاها على مواقع التواصل الاجتماعي ممنوعة في الواقع إما عن طريق القانون أو العرف أو غيرها من مصادر الكبت، فإن أصحابها قد وجدوا ضالتهم على منصات التواصل الاجتماعي ليعبروا عن مكبوتاتهم العتيقة المتأتية من لاشعورهم الثقافي، ولذا من يتابع منصات التواصل الاجتماعي في موريتانيا يخيل إليه أننا على شفا حرب أهلية ستأتي على الأخضر واليابس ولاسيما حين يرى ما يتم عليها من السب والشتم للأشخاص والجماعات والتعريض بهم وما يذكى من نعرات عرقية ودعوات جهوية وانتماءات قبلية ، لكن كل ذلك لا يعدو كونه شطحات من شطحات اللاشعور الثقافي المتجذر لأؤلئك الأشخاص والذي لا ينفك يعبر عن نفسه دون رقيب.
ثانيا: ما يتم في غرفة البرلمان من مشادات كلامية ذات طابع سياسي في الظاهر لكنها في أغلبها ذات دوافع اجتماعية وثقافية صرفة ، فتارة نحسب الفرد في البرلمان يتحدث انطلاقا من إملاءات المصالح الوطنية ، لكننا نتفاجأ أنه لا يعبر إلا انطلاقا من لاشوره الثقافي والسياسي، وربما أعجبت مداخلاته أشخاصا كثرين، لكنها في الحقيقة لم تعجبهم إلا لكونها تتطابق ولاشعورهم الثقافي الذي عبر عنه بوعي أو بلا وعي، والدليل على ذلك أن أغلب المداخلات في البرلمان لاصوت للمواطن فيها إذ لا صوت إلا لللاشعور الثقافي، فأن تكون نائبا في البرلمان معناه أن تكسب وظيفة جديدة فقط، قد لايكون هذا عاما لكنه مايحدث في الغالب.
ثالثا: وسائل الإعلام مكتوبة كانت أو مقروءة او مسنوعة، فكم شاهدنا مرة عناوينا خلت من كل احتمالات الموضوعية وكم شاهدنا مرة ضيوفا تركز اهتمامهم وانحصر في قضايا شكلية، وما ذالك إلا لكونها تطغى على لاشعورهم إذ هي من جنس مكبوتاتهم لا من جنس ماتقتضيه السياسة وإكراهات المصلحةهذا فضلا عن وجود مجالات أخرى عديدة يظهر من خلالها اللاشعور الثقافي مكشرا عن أنيابه من قبيل النزاعات العقارية والمناسبات الثقافية والحملات الانتخابية إلا أن الدولة والمجتمع بدورهما يسعيان جاهدين لتهذيب هذا اللاشعور الثقافي لكنهما عاجزان، إذ لا ينفك يعبر عن نفسه.