المعارضة والبحث ....عن خيار المرحلة !! / محمد المصطفى الولي

  لقد بات من الراجح حسم المرشح التوافقي لقوى المعارضة الموريتانية في سباق الإنتخابات الرئاسية المقبلة ، إذ أن قيادات حزبية فاعلة في الطيف المعارض بلورت خلال الأيام الأخيرة عزم المعارضة الكشف عن اسم هذا المرشح ومن يكون ؟ وذلك من أجل اقتناص اللحظة المناسبة لتقوم المعارضة بالتمهيد لخوض استحقاقات بدأت معالم خريطة انطلاقتها الفعلية تتشكل وسط ترحيب شعبي وطني يسعى إلى تجاوز مرحلة الإنسداد السياسي الناجم عن عدم توصل الأطراف السياسية في البلد لاتفاق يقضي بتنظيم حوار وطني شامل ، حيث لم تعد فرصته متاحة الآن في هذه الظرفية التي بدأ فيها النظام حملته السابقة لأوانها ، بينما تحاول المعارضة الاحتفاظ بجماهيرها في فسطاط الرؤية التي تطمح من خلالها إلى خلق أمل بإمكانية التغيير، بعد فشل الأطراف في الوصول إلى حل توافقي مع النظام في  منعطف تقف فيه البلاد على أعتاب مرحلة تناوب سلمي على الحكم ، وفقا للنصوص القانونية والوثائق الدستورية التي أفرضت المؤسسة العسكرية احترامها على أن يقتل حلم المواطنين بتقديم خليفة للرئيس يقوم على توفيرخروجه آمنا مقابل تأمينه وممتلكاته من الملاحقة القانونية ، في مسارفارق في التغيير الجيوسياسي يقف فيه البلد على مفترق طرق حساس تحاصره فيه الأزمات الأمنية والإقتصادية والتعليمية والصحية والإجتماعية... حيث بلغت صيحات مواطنيه عنان السماء كنوع من التوديع لعشرية حالكة السواد ومتناقضة التركيبات ! .

لكن من يستشرف معطيات الواقع والإرهاصات الراهنة  يدرك بعمق أن الانتخابات المقبلة قد لاتختلف كثيراعن استحقاقات 2009 ، كما أن بوادرها لاتنم بشكل موضوعي عن جدية النظام في تقبل حجم التغيير الذي قد يقع في ضوء الإستحقاقات الرئاسية منتصف يونيو2019 ، والتي تعد ثاني تجربة  في تاريخ موريتانيا المعاصرة ، فهل سيحترم النظام ومؤسساته تعددية الممارسة الديمقراطية بالتزامه الحياد وعدم استخدام وسائل الدولة ومالها العام ؟؟ ، وهل سيقبل بأن تكون الكلمة الفصل فيها لصناديق الإقتراع وبالتالي عليه أن يحترم نتائجها ويتقبلها بصدرأرحب ؟؟ أسئلة قد نجيب عنها بفرضية النفي المحتمل حسب السياق العام الذي يتخذ فيه النظام خطوة تبدو " معادية " في ظل تقديمه مرشحا يتقاسم وسلفه الكعكة طوال ثلاثين سنة مضت ، لايمكن مع استمرارها فك طوق حصار عدم التناوب السلمي نظرا لتشابك عوامل كثيرة معظمها داخلي ، وإن كانت السياقات الدولية والإقليمية قد تأخذ نصيب الأسد منها نتيجة مساحتها المؤثرة ، فمرشحا النظام الثانويان يشكلان وجهان لعملة واحدة . لذلك بات لزاما على المعارضة الالتفاف خلف مرشح توافقي واحد ، يخضع لمواصفات الوثيقة الصادرة عنها ، والتي تضمنت عدة بنود أهمها أن يكون المرشح " جامعا لأكبرعدد من الموريتانيين الراغبين في التغيير، ومستوعبا لطموحات ومطالب كل فئات وأعراق المجتمع ، قادرا على المنافسة ، ومقتنعا ببناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة " .

وبالنظرإلى هذه المواصفات وانطلاقا من الأنباء المتداولة لحد الساعة ، والتي هي مستقاة من تحريات اللجنة العليا المكلفة باختيارمرشح المعارضة الموحد ، يكون مرشح المعارضة بجميع أطيافها ، وجزء كبير من الموالاة ورجل المرحلة القادرعلى العبوربالبلد إلى برالأمان هوصاحب السيرة التالية كمانشرتها وسائل اعلام وطنية : " سيدي محمد ولد بوبكر، اقتصادي مالي/ خريج جامعة أورليان الفرنسية ولد في 31 مايو 1957 بمدينة أطار، لأبٍ من أوائل ضباط الصف في جيش الدولة الموريتانية الوليدة، سيقوده مساره الوظيفي إلى الانتقال من الشمال الموريتاني إلى مدينة ألاك، بالوسط، ثم إلى العاصمة انواكشوط، قبل أن يحط الرحال في مدينة النعمة عاصمة الحوض الشرقي.

وهكذا، تعرَّف سيدي محمد في صِباه على مناطق مختلفة من بلاده، وتشكَّلت لديه خلال مساره المهني اللاحق صورة متكاملة عن تقاليد وعادات المجتمع الموريتاني، سوف تعضد تكوينه الأكاديمي، وتؤهله لتحمُّلِ مسؤوليات وطنية سامية في مختلف مفاصل الدولة الموريتانية. ولما أكمل دراسته الثانوية سنة 1976 بالحصول على شهادة الباكلوريا من الثانوية الوطنية بانواكشوط، التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة ليتخرج منها سنة 1980 على رأس دفعته من إداريي السلك المالي. ثم سافر الطالب العشريني إلى فرنسا التي عاد منها سنة 1982 بديبلوم الدراسات العليا في القانون الاقتصادي من جامعة أورليان. وفور عودته إلى الوطن، استهل سيدي محمد ولد بوبكر مسارا مهنيا متميزا في مجال اختصاصه، حيث شغل تباعا، وفي الفترة ما بين فبراير 1983 وإبريل 1992 منصب رئيس للخزانة الجهوية بولاية داخلة انواذيبو، ثم اختير مستشارا فنيا لوزير الاقتصاد والمالية، فمديرا للخزانة والمحاسبة العمومية، ومديرا للوصاية على الشركات العمومية، ومديرا للميزانية، ومراقبا ماليا للدولة، ومديرا للتخطيط، ومديرا من جديد للخزانة والمحاسبة العمومية، قبل أن يعين وزيرا للمالية.

وتتويجا لهذا المسار الإداري المطبوع بالمهنية والصرامة والاستقامة، تم تعيين السيد سيدي محمد ولد بوبكر وزيرا أولَ في إبريل 1992، وسجلت إحدى الصحف العالمية يومها أنه أصغر رئيس حكومة في العالم حينئذ، بينما كان يتسلم مهامه في ظرفية حاسمة من تاريخ موريتانيا المعاصر، كان البلد فيها يواجه حصارا سياسيا وماليا من شركائه الغربيين، بسبب ملف حقوق الإنسان، وحصارا آخر من بعض أشقائه في المنطقة العربية، نتيجة موقف النظام الموريتاني يومها من اجتياح العراق لدولة الكويت. وبقدر كبير من التخطيط العلمي والحصافة الديبلوماسية، قاد عمل الحكومة في تلك المرحلة الحساسة، فاستعادت موريتانيا ثقة شركائها الاقتصاديين الدوليين وتوازُن علاقاتها مع الأشقاء العرب.

وعلى إثر هذا النجاح السياسي والاقتصادي المشهود، انتقل الرجل إلى العمل السياسي الحزبي الميداني قبل العودة إلى تنسيق العمل الحكومي انطلاقا من رئاسة الجمهورية، حيث عُين في البداية أمينا عاما للحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي الحاكم آنذاك، ثم وزيرا أمينا عاما لرئاسة الجمهورية، فمديرا لديوان رئيس الجمهورية.

وقد أتاحت له هذه المهام الثلاث الانخراط المباشر، من موقعه القيادي الحزبي، في الحياة السياسية والاجتماعية للبلد، وخولتْه من موقعه الإداري متابعة الإصلاحات الاقتصادية التي كان قد باشرها مع الشركاء الخارجيين لموريتانيا، وخاصة مع البنك الدولي.

ومن منصبه وزيرا أمينا عاما لرئاسة الجمهورية، وعلى مدى قرابة عقدين من الزمن، ترأس سيدي محمد ولد بوبكر وفد موريتانيا في كل المفاوضات التي جرت حول نزاع الصحراء الغربية بإشراف الأمم المتحدة في كل من لندن ومانهاست (نيويورك) وفيينا (النمسا) ومالطا وجنيف، مما أكسبه خبرة وتجربة ديبلوماسية سوف تتعزز لاحقا بقيادته للعمل الديبلوماسي الموريتاني في بعض من أهم عواصم التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف.

وحين دخلت موريتانيا منعطفا آخر بعد انقلاب 2005 تم اختيار سيدي محمد ولد بوبكر ليتولى الوزارة الأولى خلال المرحلة الانتقالية، ويشرف على تنسيق العمل الحكومي والوفاء بالالتزامات المؤسسية والاقتصادية التي تعهد بها المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية.

وخلال تلك الفترة انكبت جهوده في قيادة الحكومة الانتقالية على تنظيم استفتاء يونيو 2006 الذي أدخل التعديلات الدستورية الضامنة لمبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة، والمكرسة للحياد التام للسلطات العمومية في المسار الانتخابي، عبر إجراءات عملية كان في مقدمتها إنشاء لجنة مستقلة للانتخابات.

كما استحدثت الحكومة في تلك الفترة لجنة وطنية لحقوق الانسان وسلطة عليا للصحافة والسمعيات البصرية، ووضعت الإطار القانوني لمؤسسة زعيم المعارضة، وأرست دعائم الشفافية في تسيير المال العام بإنشاء المتفشية العامة للدولة المكلفة بمحاربة الفساد المالي والاقتصادي، وبقرارها انضمام موريتانيا إلى مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية.

وفي مجال تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، زادت حكومة سيدي محمد ولد بوبكر مع مطلع العام 2007 رواتب كافة الموظفين وعمال الدولة زيادة وصلت إلى الضعف، وهي أعلى زيادة في الأجور في تاريخ البلاد.

كما تمكنت من إلغاء 900 مليون دولار من الديون الخارجية لموريتانيا أي ما يقارب نصف مديونية البلاد يومها، موازاة مع إعداد وتنفيذ برنامج اقتصادي استعادت موريتانيا بفضله ثقة الممولين وحققت أعلى نسبة نمو في إفريقيا سنة 2006.

وبعد المرحلة الانتقالية 2007-2005 بدأ سيدي محمد ولد بوبكر مسيرة ديبلوماسية خارجية قاد خلالها سفارات موريتانيا في كل من مدريد (سفيرا فوق العادة وكامل السلطة لدى المملكة الإسبانية)، والقاهرة (سفيرا فوق العادة وكامل السلطة لدى جمهورية مصر العربية ومندوبا دائما لدى جامعة الدول العربية)، وباريس (سفيرا فوق العادة وكامل السلطة لدى الجمهورية الفرنسية) ونيويورك (مندوبا دائما لدى الأمم المتحدة).

وعلى الرغم من انشغالاته المهنية الجمة، فقد اقتطع سيدي محمد ولد بوبكر جزءا من وقته للفكر والثقافة، حيث كان سنة 2011 أحد مؤسسي "الصالون الثقافي العربي" بالقاهرة إلى جانب نخبة من المفكرين والديبلوماسيين العرب.

كما نُشرت له في فرنسا، بالاشتراك مع نخبة من الباحثين والخبراء الاقتصاديين في "دائرة الاقتصاديين Le Cercle des Economistes"، بحوث معمقة حول التحولات الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا، كالنمو الديمغرافي، وإشكالية التنمية والفقر، ومخاطر النمو المتفاوت. يتحدث الوزير ولد ببكر اللغة العربية والفرنسية والإسبانية .

إلى جانب هذه السيرة الحافلة بالعطاء ، فلمسار الرجل أبعاد متعددة يمكن أن يستعيد من خلالها في حالة نافس مرشح العسكر شعبيته واسعة – الإمتداد الكمي والكيفي- على عموم التراب الوطني ، تمكنه من كسب الثقة ، والحظوة ، وكسب الرهان، خاصة في ولاية لبراكنة التي تولى واجهتها السياسية حقبة من الزمن ، كما أن الفراغ السياسي الذي تعيشه الولاية منذ فترة نتيجة الصراع المحتدم بين خلايا سياسية أغلبها نائم على سرير الترجل ، أدى في اضطراباته الأخيرة إلى نوع من التنسيق المشتت بين الفاعلين المحليين يشبه حد البحث عن المصلحة الذاتية والتدافع على الإستبداد بسهم الغنيمة . وإن كان البعض من هؤلاء يحاول بطريقة أوبأخرى أن يؤثرعلى المعطى التارخي للرجل بل وحتى على مجريات الأحداث. إلا أنه من الصعب جدا أن يتجرد الرجل من قميصه السياسي تحت أي نوع من الضغوط ، والتشكيك في استقلاليته ، أوأن يتنازل عن رؤية التغييروالطموح التي حملها منذ دخوله المعترك السياسي يوم كانت " نظارات " الدولة المدنية " مجرد تكتلات مجتمعية وجهوية تقرأ تفاصيلها من بين ثنايا السطور.

فترشيح المعارضة إذا لرجل يحظى بقبول وطني فضلا عن كفاءته ، ودعمه من طرف نخب سياسية خدمت في ظله ، ولاقت التهميش في عهد النظام الحالي ، إضافة إلى رجال أعمال سيمولون حملته الانتخابية بسخاء ، لاشك بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح ستربك أكابرالنظام وتبرهن على أن المعارضة  قادرة على التنازل عن المصالح الحزبية الضيقة من أجل تحقيق مصلحة وطنية كبرى.

23. فبراير 2019 - 19:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا