ظهر الشيخ محمد الحسن ولد الددو في فترة من البلاء والمحن والتنكر للدين من قبل بقايا فُلول الماركسيين و البعثيين و التقدميين والآريين الجُدد وغيرهم ممن لا يألون على الإسلام إلا ولا ذمة .
حيث تعرف في وجوه البعض من كتابنا وأقلامهم المنكر، تهجُما ونهشا من قامة من قامات الأمة والدين وأسطوانة لا مثيل لها في الشرق والغرب الإسلامي خُلُقا وأخلاقا وسَمة وأدبا .
إنّ الوقيعة في أعراض العلماء تعني باختصار الوقيعة في الدين وتقليما لعراه الوثقى وأظافره الباسقة .
قزم من الأقزام ووليدة يطعنان في الشيخ الددو ، وعَسيفٌ من العُسفاء يطعن في الشيخ أحمدُّ ولد لمرابط ، ووصِيف من الوُصفاء يطعن في حمدا ولد التاه وسخيفٌ من السخفاء يلمزُ الأستاذ أحمد ولد النيني وهلمّ جرا وكأنّ الفقر السياسي وصل بنا إلى لحوم العلماء .
لا يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم *** ولا سُراة إذا جهالهم سادوا
أقول : نفسي الفداء لعلمائنا وصدري دون صدورهم ونحري دون نحورهم وأعد أي كاتب يطعن في علمائنا بأن قلمي له بالمرصاد وكنانة مقالاتي ستكون له منجنيق أرمي بها عناكيب فكره وقلمه المأجور .
إنّ الشيخ محمد الحسن رجل عُرف على مُستوى العالم الإسلامي بموسوعية عالية في شتى فنون الشريعة وسِعة اطلاع بأسرارها دون تكلف أو تصنع .
والناظر في شخصيته الحديثية يقول هذا يحي بن معين زمانه فقها ودراية بمصطلح الحديث وعلومه ، وفي نقد الرجال وتعديلهم يقول هذا شمس الدين الذهبي ، وفي الفلسفة الفقهية وتصويب آراء العلماء يقول هذا ابن تيمية زمانه ، أمّا علم مقاصد الشريعة ـ رغم حداثة هذا الفنّ على مستوى الجامعات الإسلامية ـ يقول هذا أبو موسى الشاطبي في ثوب الطاهر ابن عاشور ، أمّا علم النحو والصرف فهو ابن مالك زمانه ، وفي التفسير لا أقول آب ولد أخطور وإنما أقول محمد سالم ولد عدود .
إنّ هذا الرجل بعد تخرجه من جامعة الإمام محمد بن سُعود بالرياض شُغل من قبل البعض إبّان أوج الطفرة السياسية والحرب على مُعاوية ولد سيد أحمد الطايع وهاهم اليوم يعيدون نفس الكرة مع محمد ولد عبد العزيز ليزجوا بهذا الرجل في حرب لا دخل له فيها وإنما المنتصر فيها حقيقة هم أصحاب الأطماع المادية والمناصب الدنيوية .
ثم إنّ البعض من الخصوم السياسيين يقعون في الشيخ ويقللون من أهميته بل يلمزونه بألسنة حدادا أشحة على الخير لا لعلمه ولا لمكانته وإنما كونه أخذ مسارا فقهيا لم ينهجه أشياخه من قبل وخاصة الشيخ عدود رحمه الله وهو ظهوره الإعلامي بقوة في حزب ذو رؤية إسلامية ينافس الأحزاب السياسية في الشوارع والطرقات .
وهذا موقف عالم أدرى بمصلحته ومصلحة أمته ووطنه ولا تثريب عليه حقيقة في هذا ، وإنما عليهم مواجهة خصمهم الحقيقي في صناديق الاقتراع لا مواجهة عالم أفنى شبابه في تحصيل العلوم الشرعية ودرايتها من أفواه الرجال لا من بطون مذكرات المعهد العالي والدراسات والبحوث الإسلامية .
أمّا المقارنات التي كثيرا مّا يرددها بعض الحداثيين بين الددو وبين الشيخ حمدا ولد التاه ومن يُسمّون فقهاء السلطان حقيقتها هي اللعب بالنار وضرب رقاب العلماء بعضهم ببعض ، باسم الصحافة وحرية التعبير والحداثة الغربية التي تساوى بين كهنوت الكنيسة وشياطين الشوارع الماردين .
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وفتاوى المساجلات ليست غريبة علينا فهذا الليث بن سعد والإمام مالك كثرت بينهما وكذالك كثرت بين مالك وبين محمد بن إسحاق ، وهذا الباجي وابن حزم كثرت المناظرات بينهما وحتى محمد سالم ولد عدود والشيخ حمدا ولد التاه المساجلات الشعرية بينهما معروفة ومع هذا كله بقي كل منهم يجل الآخر ويقدره تقديرا بالغا و حقيقة هذه المساجلات تُطوى ولا تُروى فضلا عن نشرها في الصحف الكاسدة والمواقع الهابطة .
إنّنا في الإسلام ننزل العلماء منزلة خاصة فهم ورثة الأنبياء وحفظة الشريعة والمدافعون عنها في المنشط والمكره وفي اليسر والعسر ، وهم الواقفون عند حدود الله ، أمّا الممسوخين عقليا المغرورين بالحضارة الغربية وزيفها فهم عندنا لا يساوون ثمن نعال العلماء .
أمّا الواصمون علمائنا بأنهم مُسجّلات وغيرها من العبارات اللا أخلاقية التي تُنبئ عن خُبث قائليها أقول لهم كما قال حسّان بن ثابت :
أتهجوه ولستَ له بكفؤ *** فشر كما لخيركما الفداء
وكون الشيخ كان يدخل في القصر الرمادي ويخرج منه ثم أصبح يدرّس الناس في محفل آخر كالفضاء الثقافي لا يدل على شيء ولا يدل على تغير في الخارطة العلمية والثقافية وحتى السياسة إنما هي مواقف اجتهادية وصل إليها بعد تحر وتأمل .
ثُم إنّ لحوم العلماء والطعن فيهم بقصد أو غير قصد على الدولة أن تضع حدا لهؤلاء اليائسين المتزلفين الذين يريدون تخطى الرقاب في ساعة العسرة فقد آذوا علمائنا وسبوهم بما هم منه براء .
أمّا الضباع الآريين اللاحقوقيين الذين يتصيدون بقايا الفريسة بعد اصطياد السباع والنمور لها ، عليهم أن يواجهوا ـ فخامة الرئيس ولد عبد العزيزـ إن كانوا يصلحون للمواجهة ، أما التسكُع خلف المواقع المشبوهة والطعن في العلماء والمذهب المالكي ووصفه بأنه شرّع العَبودية وأنّ الفقهاء هم من استغلوا الإيماء أقول لهم اخسؤا و موتوا بغيظكم وامصُصُوا بظر أمهاتكم فقد بانت سوءاتكم قبل سوءتكم .
إنّ الذين عَوَوا عّواك قد لقوا *** مني صواعق تخضع الأعناقا
فإذا لقيت مُجيْلسا من بارق *** لا قيْت أطبعَ مجلس أخلاقا
الناقصين إذا يعدُّ حصاهم *** و الجامعين مذلة و نفاقا
فلولا المذهب المالكي وعلماء المالكية لكنتم شرا من بهائم أوربا وآمريكا فمن أنتم حتى تطعنوا في علماء المالكية وفقهاء الإسلام ؟
إنّ المذهب المالكي وفقهاء المالكية لولاهم لما وجد " نابليون " شيئا يدونه في القانون الفرنسي ، وحماية الإسلام للعبيد والإيماء لم يستوحيها علماء المالكية من منظمات حقوق الإنسان وأوسمة الألمان لا ! وإنما استوحوها ممن تلقى الوحي من فوق سبع سماوات من لدن حكيم خبير .
والعتب لا يرجع إليكم بقدر ما يرجع إلى صانعيكم أصحاب المواقع ذات الخلفية الإسلامية الذين يقسّمون الألقاب يمنة ويسرى بأنكم حقوقيين ومناضلين إلى غير ذالك من الشعارات التي يُراد منها كسب الأصوات في زمن الكساد السياسي .
فمرة ذهب المناضل ومرة أقام المناضل وثالثة سخر المناضل والحق الذي لا غبار عليه هو أن المناضل سبّ الإمام مالك بأنه أكثر المذاهب استخداما لمصطلح العبيد وأنّ مختصر خليل لا يخلوا في حكم من أحكامه من ذكر الإيماء والعبيد وكأننا أصبحنا نتقلب في وديان الذآب والحيات والعقارب .
ثُم إن المفكرين الإسلاميين الجُدد أصحاب البضاعة المزجاة في فقه الخلاف عليهم أن لا يشهروا أسلحة أقلامهم في وجه علماء يخالفونهم في فهم التصور الإسلامي ، فما كل عالم أخطأ في فهم مسألة اجتهادية يشهر به في الجرائد والصحف ، فلو كان الأمر كذالك لما بقي عالم من علماء الإسلام فما من أحد إلا ويأخذ من قوله ويرد كما قال مالك ابن أنس رحمه الله .
والسبيل الأمثل ليس هو الانتصار لفلان وعَلان وإنما هو كما قال محمد بن إدريس الشافعي " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " .
فأنتم أيها المفكَرون أدرى الناس بفقه المرحلية والمصالح المرسلة وتمطيط الشريعة فلمَ لا تطبقون هذا مع مُخالفيكم وخصومكم ؟
إنّنا نعيش وقتا حرجا كأن أمتنا العربية والإسلامية تتصعّد فيه إلى السماء بفعل ثورات لا يمكن لأحد أن يتنبأ ولا يتكهن بنهايتها .
نحن الآن أحوج ما نكون إلى توحيد الكلمة ورصِّ للصفوف لا إلى الكيل بمكيالين لمخالفينا في الفكر ، رغم أن نقاط الإختلاف الواقعة بين علمائنا يسعها الدليل ويحتملها النص احتمالا غير راجح وخاصة في مسائل الحاكم أو الخليفة بالمفهوم القديم .
فتحقيق مناط ذالك هو أن الشريعة دعت إلى نصب الخليفة العادل في نفسه ورعيته ، لكن التطبيق العملي لذالك اجتهادي ، فهي لم تنُص على فلان بعينه وإنما نصّت على قرائن وأحوال يعرفها أهل الحل والعقد باجتهاداتهم لا بوحي سماوي .
نحن نعلم يقينا أنّ علمائنا ليسوا معصومين من الخطأ بمفردهم لكننا نعلم يقينا أنهم بمجموعهم من الخطإ معصومون في أي عصر من العصور.
إنّ لعبة الشطرنج والورق وشرب كؤوس الشاي لن نقبل أن يكون فريستها وضحيتها العلماء والفقهاء سواء كانوا مع الدولة أو يختلفوا معها فالكل مجتهد والمجتهد البالغ درجة الاجتهاد مصيب .
حفظ الله علمائنا من كل مكروه وبيض وجوههم يوم تسود الوجوه وجعل أعدائهم فداء لهم من كل سوء ومكروه .
وأخيرا هل سيصل هذه الكلام إلا آذان صاغيةٍ وعُيون مُبصرةٍ وقُلوب واعيةٍ أم أنه سيصل إلى آذان صُمّا وعُيونٍ عُميا وقُلوبٍ غُلفا ؟