مع انبلاج كل صباح تبرهن موريتانيا على أنها شبت عن الطوق ، ولم تعد ذلك البلد البرزخى ، و القصى ، الذى (أنتبذ أهله العمران واستوطنوا الصحراء...) وعوضاَ عن تلك النظرة النمطية ، والتى بفعل التكرار وتواردها على الأفواه .أصبحت لازمة موريتانيا وقدرها ،. ها هي بلادنا تبرهن بلسان الحال والذي لاسبيل إلى إخفائه، أو الإنتقاص من قدره.، أن عهداَ جديدا وعصرا "ذهبيا" قد أزف ، وطفقنا نتفيأ ظلاله الوارفة. و لكي ندرى ذلك أكثر علينا أن نلقى نظرة لنكتشف مدى البون الشاسع، بين مآلاتنا الحالية النابضة بالحياة والحيوية، وماضينا القريب الذى لايسر صديقا ، ولايغيظ عدوا.
لم تعد موريتانيا منقوصة السيادة ،أوضحيه بين مخالب القوى الدولية أو الإقليمية ،وما من أحد ومهما بلغ من مكابرة بمقدوره أن يغض الطرف عن ديناميكية الدور المتصاعد لموريتانيا ، كقوة عسكرية وسياسية ،ُتشكل مع مثيلات لها فى شبه المنطقة معطىَ جديدا ودورا يتأكد بروزه كلما دعت الضرورة ،كما أنه لا يخفى على أى ملاحظ أن السياسة التى تنظم العلاقات البينية مع الدول، والمنظمات، والتكتلات ،أضحت نابعة ومنسجمة مع النظرة والدور الذى رسمته موريتانيا لنفسها.
لقد أقامت بلادنا قطيعة مع ماض كان التجاهل واللامبالاة عنوانه البارز ،وحسبنا من دليل على أن تلك النظرة الدونية أصبحت وراء ظهورنا.، فما على المرء إلا أن يتطوع ويتطلع من حوله ليرى العلم الوطنى يرفرف فوق ساريته عاليا، ليعلم أن هناك كتيبة من قوات جيشنا الباسل، تعمل عل حفظ الأمن، وإعادة السكينة فى كثير من بقاع العالم الملتهبة ،ولن تعدم موازاة مع ذلك وجود ُرسل سلام تم إختيارهم كوسطاء أمميين و إقليميين، يذرعون أصقاع المعمورة لوقف حرب هناك ،أوصد هجوم هنالك،أوتثبيت لهدنة ،أوإستتباب لأمن...أما "غزو " أطرنا وطاقاتنا البشرية، والذين دفعت بهم ديبلوماسيتنا النشطة لإحتلال المواقع المتقدمة فى الهيئات الدولية ،وبيوت المال العربية ،والمنظمات الإقليمية ،الأمر الذى ظل حتى الأمس القريب حكرا وحديقة خلفية لبلدان بعينها ،فحدث ولاحرج...ومن منا ُيدمن عادة متابعة المرئيات ،والبث الرقمى، سيصاب بالذهول من كثرة وتنوع الكادر الموريتانى،الذى يؤثث مختلف هذه الفضاءات ،وسيصب جام حنقه، وغضبه ، على تلك الأيام الخوالى، والتى كان فيها المواطن الشنقيطى المتميز إذا تم إكتتابه كحارس ،أوشرطى أسواق،أوراع للعيس ، فى قطرعربى ما "فكأنما حاز ما عند قيصر" !.
لم يكن أشدنا تطرفا فى التفاؤل يسعى إلا إلى أن تظل بلاده محافظة قدر المتاح ،على إحتضان أعمال وورشات منظمة إستثمار النهر السينغالى، أ و خبراء مكافحة الجراد ، أما أن ينصرف الذهن إلى إمكانية إستضافة القمم ، فلا أخال أى واحد منا قد جنح به الخيال إلى هذا الحد !.. لكن الذى كنا نراه بعيدا نراه الآن قريبا،بل واقعا معاشا.، ولم يعد "حلما فى الكرى ولا خلسة المختلس"، وهكذا ،وبكلمات ستبقى عالقة فى ذاكرة التاريخ ، عقدت موريتانيا عزما أكيدا،على أن لاتترك حقها القومى ،والسيادى،والتاريخى يتبخر ويتسرب من بين أصابعها : "سننظم القمة العربية ولو تحت الخيام" وصدق من قال: كل شىء على الإنسان يهون /هكذا همة الرجال تكون.
لقد أقحمت هذه الكلمات المأثورة عن رئيس الجمهورية ، بلادنا فى صلب العمل العربى المشترك ،بعد أن حملنا طويلا لقب "بلاد الأطراف" والتى كثيرا ما لمزنا بها البعض ، ففى هذه السانحة الزمنية أشرأبت إلى بلد المنارة والرباط ، أعناق أكثر من أربعمائة مليون عربى ،وشد ملوك،وأمراء،ورؤساء ،الأمة العربية الرحال إليها . ولو لم تكن الحوزة الترابية مصانة الحمى ،عزيزة الجانب لما تحقق هذا الموعد. وما كاد الحدث العربى الأهم ينتهى إلا وتبدأ البلاد فى التحضير لحدث إفريقى من العيار الثقيل ، ألا وهو إحتضان وتنظيم القمة الإفريقية .، وبذلك تكون بلادنا وبسواعد أبنائها ، ومبادرة قادتها ، قد كسرت طوق العزلة ، وحجزت لنفسها حيزا تحت سماء هذه المعمورة.
وبما أن النجاحات تتوالى ، فقد شرعت بلادنا ، وبعزم أكيد وإرادة صلبة ، من ربان سفينتها فى تكريس الخيار الديمقراطى ، وإحداث قطيعة مع السياسات الشمولية الأمر الذى سيدخل البلاد فى تجربة التناوب السلمى على سدة الحكم ، وفق مقتضيات الدستور، والأعراف الديمقراطية .. وبذلك تكون بلادنا قد إختارت نموذجها الديمقراطىى الأصيل، والذى جاء نابعا ومنسجما مع واقعها الإجتماعى والسياسي ،. تحدث كل تلك الاستحقاقات والمكاسب فى وقت تتعرض فيه الكثير من الدول والأنظمة للخراب والدمار ، ولا يتورع خصومها السياسيون من اللجوء إلى لعلعة الرصاص ، وهدير الدبابة ، لفض النزاعات ، وفرض الآراء...
لن تسلم موريتانيا ،ولا قائدها من متحامل ، أو ناقم ، أومضلل – سواء تعلق الأمر بخصوم الداخل ، أو أعداء الخارج – فما من زعيم أراد فك أسار وطنه ، وإقالة عثاره ، إلا وأصبح نهبا لألسنة حِدادٍ...