إنّ الحديث عن موريتانيا حديثٌ ذو شجون ، فهي الدولة العربية ذات الجُذور الضاربة ُ في أعماق التاريخ ، إذْ أنّ بداية الحديث عنها تبدأ منذ 2000 سنة ق . م
وفي هذه الفترة التاريخية كان ساكنة الأرض هم اللوبيون أصحاب خُيول العَربات ، فهي الشجرة ذات الأغصان الباسِقات .
تكلم الطبري في تاريخه عن البربر الموجودين منذ عهد العرب الكنعانيين في هذه المنطقة ، كما تكلم عبد الرحمن بن خلدون في تاريخه عن أصحاب الأوجه المحروقة القاطنين حول نهر صنهاجة ، كما أنّ الباحثين البرتغاليين والهولنديين قد تكلموا عن تاريخ هذه الأرض بكل تجردٍ وإنصاف .
إنّ موريتانيا تُشكل همزةَ وصل بين المغرب الكبير وبلاد السودان بالمفهوم التاريخي ، أما من حيثُ الجيوغرافيا فلها حِصةُ الأسد من الصحراء الكبرى ، فهي تمتدُ شرقا إلى مدينة ـ تُنبكتوـ وغربا إلى المحيط الأطلسي ، وشمالا إلى ـ الساقية الحمراء ـ وجنوبا إلى ـ أندرـ قبل تقسيم المستعمر للحدود وإبقائها على ما هي عليه اليوم .
وبعد دخول الإسلام على يد أحفاد عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه كان للمرابطين الدور البارز في السيطرة على هذه الأرض والمحافظة على بيضة الإسلام في المغرب الأقصى .
سُميت الأرض بالمرابطين ، وشنقيط ، وبلاد التكرور، وبلاد السّيبه ، وأرض البيظان ، ثم موريتانيا .
وبعد سقوط الدول الإسلامية في المغرب ، جاء البرتغاليون على شكل مستكشفين وبعد رحيلهم جاء المستعمر الفرنسي إلى هذه الأرض علما بأنه لم يلقى تَجاوُبا من زعماء القبائل أنَ ذاك المتناحرين على دعاوى جاهلية .
وفي سنة 1903م دبّ الحماس في أذهان الأبطال : سيدي ولد مولاي الزين ، وبكار ولد أسويد احمد ، واحمد ولد الديد ، وأولاد عبدوك شرقا ، وفودي جاكلي وغيرهم مِن مَن قام بمعركة التحرير .
وبعد عجز فرنسا عسكريا وثقافيا في إخضاع هذا المجتمع قررت خيار الاستقلال بعد استفتاء " الديكولي " سنة 1958م ، وقال الشعب كلمته بصوت واحد ـ نُريد الاستقلال لا للاستعمارـ عُين حينها الأستاذ الأديب المختار ولد داداه كرئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية ، ودقت ساعة العمل وبدأ العدُّ التنازلي لهذه الدولة الجديدة التي بُنيت من العدم .
وقد حكم هذه البلاد جمع من الرؤساء كانوا عُظماء في أعين أناس برهةَ من الزمن ، كان أولهم الأًستاذ الأديب المختار ولد داداه وآخرهم الجنرال المُحنّك محمد ولد عبد العزيز .
ولسائل أن يسأل كيف تأخرت موريتانيا عن ركب التنمية الذي تركبه الدول المجاورة ؟
الجواب ببساطة هو أنّ هذه الأرض تأكل أبنائها ، غالبية المجتمع جاء من البدو وقد نقل البعض منهم ثقافتها إلى الحضر ، وهذا مما لاشك فيه عند علماء النفس التربويين أنه سينعكس سلبا على الأبناء وهذا ما نلحظه اليوم :
إنقلابات قد لا يكون لها مبرر، وأحزاب سياسية زائدة على المعتاد ، ومعارضة من أجل المعارضة ، ومحاربة مفسدين بمفسدين ، ومتدينين يأكلون بالدين .......إلخ
إنّ موريتانيا اليوم إذ تستذكر ذكرى استقلالها عليها أن لا تكون ذكراها من أجل الذكرى هذه أفراح الصبيان يفرحون ثم ينسون أنّهم كانوا يفرحون ، فعلى من بيده زمام المبادرة أن ينظر إلى الأمام ، وأن يترك السفينة تسير وأن لا يلتفت إلى الوراء في الكلاب التي تنبح .
إنّ في عالمنا اليوم أمثلة شاهدة على قوة عزيمة بعض الرؤساء بفضل ما عندهم من حنكة سياسية ، فتركيا خير مثال على نهضة البلد بعد الكبوة التي منيت بها ، وماليزيا ليست عن تركيا ببعيد وجنوب إفريقيا تخطت أزمة البيض مع السود ، ودول الخليج في تنقيب دائم عن النفط ، وموريتانيا في تنقيب عن أموات كيف ماتوا وأين دُفنوا ؟
أحزابنا السياسية فيهم من لا مبدأ له ، هم أول من يعترف بفوز الرئيس ، ثُمّ يعلنون حرب شوارع ضده ، بحجة فقه المرحلية ، هذا نفاق سياسي .
على جميع نُخب موريتانيا من أساتذة وسياسيين ورجال أعمال وصُحفيين وفقهاء ومصلحين وحتى عسكريين أنْ لا يخربوا بلدهم بأيديهم ، وأن يقدموا المصلحة العامة على المبادئ الضيقة التي يسعى البعض ورائها .
هذا يُنادي بلا تلمس جنسيتي ، وهذا بالحرية والأنعتاق ، وهذا بإسقاط الرئيس ، وذاك بإحراق نفسه ، تقليدا للآخرين وتشجيعا من بعض الساسة، أصحاب هذه الأفكار أصحاب بضاعة مُزجاة يُروجونها في سوق الكساد .
إن هذه السياسة سياسة الفاشلين الراسبين في امتحانات السياسة ، هل رأيتم في الغرب من أحرق نفسه ؟
أصحاب الدعاوى الضيقة ينظرون جانب الكأس الفارغ بعين واحدة إذا عُين أحدهم في منصب زائف ذاب كما يذوب الملح في الماء .
ثُمّ ما هي المُواطنة هل هي حرق سيارات الآخرين وتخريب الممتلكات العامة ؟ أم هي اتخاذ الجامعات صرحا لدعاوى الجاهلية ؟
طبعا لكل ساقط لاقط صفق البعض لمجيء المستعمر وهاهم اليوم يصفقون عبر مُكبرات صوتهم البشرية بأنهم أصحاب حقوق ومبادئ وللأسف البعض منهم قد اتخذ الإسلام منبرا لترويج الحملات السياسية بحجة الغاية تُبرر الوسيلة .
إنّ عالمنا اليوم عالمٌ يموج بالأحداث ، حكومات تُقلع من جذورها وشعوب تُباد عن بكرة أبيها سُلبت الأموال بحجة الشرق الأوسط الجديد ، وفي الجانب الآخر دول عدم الانحياز تُصارع الموت وموريتانيا تتخبط بين هذا وذاك كالذي يتخبطه الشيطان من المس .
ثُمّ ما يسمى بالإرهاب العابر للقارات الذي أصاب موريتانيا لا يعدوا عن كونه مافِـــيَا الجريمة المنظمة قتلٌ للأنفس البريئة ، لا أصل ولا فرع له يرجع إليه من الدين غير الحماس المُتهور الملفوف في آراء ابن حزم الشاذة وحاكمية سيد قطب الأدبية .
إنّ الإسلام الممتحن يُواجه جهلا من أهله وانحسارا من الغرب الذي يسِمه بكل شيء ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .
فموريتانيا سيدي عبد الله ولد حاج ابراهيم وآب ولد اخطور تنطلق من أصولها المالكية وقواعدها الفقهية ومقاصدها الشرعية من غير تحجر على النصوص ، ولا استهتارا بها .
وفي هذا وذاك يبقى الاستقلال فرحة تاريخية لما بذله الأجداد فيا تُرى هل يحق لك التمرد على مــــــــــــــــــــــــــاضي وقيم أجدادك ؟