نحو الرئاسيات / عثمان جدو

في الوقت الذي تعاني فيه دول عربية وإفريقية عديدة من صعوبة أو استحالة التحول السياسي الآمن، وفي الوقت الذي تجتهد فيه بعض الأنظمة للعبث بدساتيرها الجامعة لتحويلها إلى نظم مسخرة لخدمة الفرد، مكرسة لبقائه في السلطة، تلبية لنداء عشقه للكرسي الذي ولدته سنون الحكم،  والحكم بالقوة والقهر والاستبداد .. في ظل ذلك كله تدشن بلادنا المرحلة الأولى من انطلاق السباق السياسي نحو الرئاسيات، تلك الاستحقاقات التي صُمم مضمارها ليكون حلبة انتقال سياسي سلس للسلطة، سباق يكون فيه الرئيس القوي المتمكن يقف على خط التماس، متفرجا، مشجعا، لا حكما، ولا مفوض مباراة، ولا حتى حكم تماس.

إن الديمقراطية في إفريقيا شبه معدومة -مع استثناءات قليلة منها الجارة الجنوبية- وفي الدول العربية، طارت بها عنقاء مُغرب، وتلاشت في السراب قبل النزول والثبات والاستتباب..

إن المطلب الاهم في الديمقراطية هو انتقال السلطة بأسلوب سلس يعزز التناوب السلمي، ويجسد حرية اختيار الفرد في من يدبر شؤون بلاده، يرتاح لكل خطوة في هذا الاتجاه ويمتعض لخلاف ذلك.

بعد هدوء شمس الأصيل من غرة مارس 2019 في مكان مشهود ألقى مرشح النظام، وزير الدفاع خطابه السياسي الأول، تحدث الرجل فعرفه من جهلوه من ذي قبل، كانت لغته قوية، واضحة، رصينة، دالة، متماسكة؛

أظهر الرجل في بداية خطابه إيمانه القوي بمبدإ الاختلاف، الذي هو سنة كونية لاتفسد للود قضية، أتبعها بإنصافه للحكام السابقين لهذه البلاد، في سابقة سياسية كانت *بكرا* في دلالة واضحة على النضج السياسي الذي يتمتع به الرجل وعلى إحكام التوظيف الخطابي، الذي يَحسن ويؤثر إيجابا بألفاظه وعباراته، ويَخشن ويؤثر سلبا بها أيضا.

دعا المرشح كل المواطنين إلى الإسهام في بناء الوطن، كل من موقعه، حسب جهده ومستواه، من أجل بناء دولة قوية، متماسكة، توفر الأمن لمواطنيها، وتتيح لهم السعادة، وتحتل مكانتها اللائقة بين الأمم.

وقف الرجل وقفة خاصة عند العشرية الأخيرة التي كان يشترك فيها إدارة دفة الحكم في البلاد مع رفيق دربه، من خلال إمساكه بالملف الأمني كاملا، والذي حقق فيه طفرة كبيرة خاصة في مايتعلق بالأمن الخارجي بإبعاد خطر الإرهاب وتأثير الجماعات المسلحة عن الحوزة التربية للبلاد، وهي الجماعات التي ألفت التجوال والخطف والأقتتال داخل العاصمة وخارجها، وقف الرجل مشيدا بالروح الوطنية التي تحلى بها رفيقه ورؤيته الاستراتيجية التي وطدت أركان الدولة، ورسخت الديمقراطية -يقول الرجل- ويضيف: ٱن هذا التوجه أسس لنهضة اقتصادية شاملة وتبوأت البلاد موازاة مع ذلك مكانتها الدبلوماسية اللائقة، هذه الانجازات ليست نهاية المطاف -كما يؤكد- بل هناك تحديات كبيرة، فالمسيرة طويلة والمؤمل كبير.

اللحظة الحاسمة في الخطاب كانت تلك التي أعلن فيها ترشحه للرئاسيات المقبلة، وكيف قرر ذلك مستعينا بالله، متكلا عليه، معددا الدوافع والأسباب التي منها في بيان الرجل جسامة التحديات الماثلة، وضرورة التصدي لها، ومواجهة المخاطر المحدقة، استجاش عاطفة الناخبين بتواضعه الجم وعقيدته الصافية، بلغة رصينة متزنة، تجعل مفرداتها كل المواطنين على نفس الدرجة من الندية وعلى نفس المسافة من موجات الخطاب؛

تعهد الرجل وأكد وعيه التام بمسؤوليته عن ذلك على أن يعمل على إصلاح مكامن الخلل وسد النواقص أيا تكن، مستحضرا المحاور الكبرى دون نسيان تفرعات الأمور، فذكر تركيزه على ضرورة الحفاظ على أمن الحوزة الترابية، وترسيخ نهج الديمقراطية، وتقوية روافد اللحمة الوطنية، وإقامة دولة المواطنة التي يسود فيها القانون، مع رعاية تامة للتنوع والتصالح مع الذات، وإرساء دبلوماسية نشطة مع احترام الثوابت، مؤكدا في ذات الوقت على اهتمامه العالي بتكثيف الحظوظ لأي مكون اجتماعي عانى الغبن أو تضرر إثر إقصاء، مشيرا في ذات الوقت إلى العمل على تبوإ المرأة مكانتها المناسبة بفعالية وإيجابية، وتوقف عند أهمية توفير جو السعادة للمواطنين، مؤكدا أن الجميع سيجد منه آذان صاغية، وعقلا منفتحا، وصدرا رحبا في التعاطي مع كل فكرة بناءة ورأي رصين..

تعهد برعاية الشباب وتوفير الظروف الملائمة لإبراز مواهبه، وعيا منه أن الشباب هو المعول عليه في حمل مشعل النتمية، وتنشيط جسم الدولة؛

تحدث عن *التعليم* وعن ضرورة إصلاحه، وهنا لابد من وقفة تأمل من أجل الإسهام بالراي والمشورة، إذ لايمكن لأي أمة ان تلج باب التنمية بفاعلية دون امتطاء التعليم بحسن اعتلاء وجودة عبور، فالتعليم هو رافعة التنمية، وهو الجسر الآمن للمضي قدما، وهو صمام أمان الأمن، وضابط الحياة بحكمة وفعالية.. ولكي يؤدي التعليم رسالته النبيلة لابد من الاستثمار فيه، فالاستثمار في التعليم هو عين الاستثمار، ولن يكون ذلك دون زيادة الانفاق على التعليم كما هو الحال في بلدان العالم بأسره، ويكفي هنا الوقوف على حجم الإنفاق على التعليم في بعض دول الجوار، فمثلا الجارتين الجنوبية والشمالية، يتراوح الإنفاق فيهما على التعليم أضعاف حجم الإنفاق في بلادنا، ولكم أن تتخيلوا مستوى التباين في التنائج تبعا لذلك، وهنا يجب تحسين واقع المدرس، وتكييف المحيط التربوي لكي يكون عاملا مساعدا على نجاح التعليم لا أداة إعاقة، ويلزم بعد ذلك تنظيم الإدارة وتجديد دمائها وتحريك مياهها، وإعادة توزيع الكادر البشري بعدالة وشفافية، سبيلا إلى جودة وتناغم العطاء..

حضور والدة الرجل يمثل صورة هامة وإن كان البعض قلل من أهميتها وتندر البعض بسبب ذلك ايضا، إلا أنها تشي بمحمدة وشنشة خير، وطبعا الحسنة تدل على أخواتها كما السيئة كذلك تدل على اخواتها، نرجو ان يكون بر الرجل بالسلف مدعاة لعطفه واهتمامه بالخلف.

4. مارس 2019 - 8:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا