ليست الديمقراطية هدفا وإنما وسيلة حكم ، أو هي إدارة للدولة والمجتمع ولا يمكنها العيش بمعزل عن حماية الدولة لها. وإذا تخلت هذه الأخيرة عنها، ستبقى مجرد اسم تتداوله الأفواه.وإذاكانت تلكم هي الديمقراطية فإن ممارسات من قبيل المبادرات القبلية والعشائرية والطائفية تتنافى وترسيخ وتعزيز الديمقراطية ودولة القانون، ففى الأونة الأخيرة ظهرت مبادرات من هنا وهناك تدعو لفتح باب المأمورية الثالثة ومن ثم دعم توجهات النظام ومرشحهوحتى تكون المبادرة ذات أهمية يجب أن يسعى اصحابها إلى إحداث صناعة وخلْقِ عناصر غائبة عن العقل البشري، كما يجب أن تساهم في تقديم الحلول لمشاكل تواجه الإنسان والمجتمع. كمبادرات تحسين الأداء السياسى وتنقيته من الشوائب وتطوير التعليم والصحة والتنمية الثقافية الوطنية ... إلخ إن الكثير من المبادرات الموسمية التى تطفو فوق نَهرِ المشهد السياسي وخصوصا في المجتمعات العربية هي مبادرات تَنُمُ عن الخوف والطمع مِنْ وفى الأنظمة وهي مبادرات جوفاء تكرسُ هيمنة الفساد والمحسوبية وتعاظم قوة جهات معينة على حساب قوة روح الدولة . فمن أجل ان يعلو كَعْبُ الديمقراطية وتتراجع الإستبدادية ، فلابد من أن تسود المساواة وتتكافاُ الفرص أمام الكل ، ويستقل القضاء والبرلمان ولا يُسْتَغلان كأداة بيد السلطة التنفيذية فيصبحان عقبتين فى سبيل التنمية بكافة ابعادها ، إن أي مبادرة لاتطرح حلولا أو استشرافا للمستقبل هي مجرد صفقة مشبوهة وتلاعبا بمشاعر الإنسان وتَحايُلا على العقل.إن هذه المبادرات السياسية (التمصلحية إن صح هذا التعبير ) هى مبادرات لاتُخاطبُ العقل الواعي ولاتحترمه وإنما هى مبادرات تزلفية نِفاقية مٌحابية ، وتؤدى إلى إضعاف الثقافة الوطنية المدنية وتجوية وتعرية مضامين التنمية والنهضة المستديمة. إننا بِتَجاهُلِ أي نظام حاكم لهذه المبادرات وعدم الوقوف فى وجهها سنبقى نُغرد خارج سرب الطيور ونَجْدِفُ فى وَحلِ البِرَكِ بمنأى عن أساطيل الصيد فى المصائد النافعة وسنظل وكأننا فى العصور الحجرية . إن غض الطرف عن هذه المبادرات والقيام بها يوحى أن أزمة الثقة بين الأنظمة العربية وشعوبها حاضرة بقوة فالأنظمة تحتاج من يُرَوِج لها ويُظهرها بمظهر حكومات الحكامة الرشيدة التى يتشبث بها مواطنوها ولو بعد انقضاء مأمورية النطام واصحابُ الطبول وسماسرة الدعم السياسي والزغاريد والأقلام المأجورة هم الآخرون بحاجة لمن يأويهم ويضمن لهم موطأ قدم فى عالم السيبة والتسيب لِجَنْيِ ثمار تصفيقهم وتطبيلهم والحصول على إكرامية ما فى إطارٍ ضيقٍ ولو إلى حين . وهذا مايؤدى فى نهاية المطاف إلى صناعة المواطن المفعول لا الفاعل وتَرَهُل النُخبة السياسية وتمزق القاعدة وتشتت رأس المال البشري ممثلا فى الإنسان . على النظام والنخبة المستقلة لا المُستغَلة تبني استراتيجيات تخدم تنمية العقل البشري وتعمل على إحداث تغييرات اقتصادية وثقافية جوهرية تؤسِسُ لدورٍ فعَّالٍ وفاعلٍ للشباب يُمكنهم من إبتكارات فكرية وصناعية تساهم فى تغيير الثقافة المُجتمعية ودعم الإبداع وجهود الصناعة والإنتاج المثمر وليس مبادرات قبلية وجهوية و حكومية هزيلة و هشة غرضها النفعية وتعطيل قطار دولة المؤسسات وتغييب قضايا التنمية الحقيقية المنشودة عن طريق ترْكِ العنان للمهرجين والسفهاء واصحاب الدعايات المُغرضة يَقْتاتون على مصالح البلاد والعباد ، على حكومتنا الحالية والمقبلة أن تقف فى وجه هذه المبادرات الغوغائية وأن تعى أنها لاتخدم التنمية ، فالمبادرات يجب أن تكون مبادرات لتطوير القدرات الذاتية ومراجعة القرارات الأنانية والتمكين لِمحورية الإنسان فى التنمية والسعي لقطيعةٍ مع أولوهية الحاكم ودونية المواطن.