نكث العهد من حاميه والضامن له كبيرة لايضاهي وزرها إلا الدعوة للمأمورية الثالثة ، دعوة استفزازية لا دستورية مشينة، لاسيما من جهة صدورها، ممن انتخبوا ليكونوا مشرعين مدبرين للأمر العام نيابة عن الشعب. ولايوازيها في القبح والوقاحة إلا سرعة تبديل هؤلاء الحربائييون لجلودهم بعدما نضجت خزيا ، وتبين لهم أن الرياح لاتجري بما اشتهته أنفسهم المريضة.
ولئن نأى فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بنفسه عن الدرك الذي حاول هؤلاء العبثيون جره إليه، فلقد وفق توفيقا في تلك الخطوة كتوفيقه في ترشيح رفيق دربه الوفي السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد.
اليوم وقد تبين من بكى ممن تباكى ومن ركب الموج ومن صارع التيار، سيحاولون الإحاطة بالمرشح الأوفر حظا للوصول للكرسي وهو في هذه الحالة مرشح النظام اللواء محمد ولد الشيخ محمد أحمد.
سيحاولون إعادة صياغة تحالفاتهم كي ينبعثوا من رمادهم بعدما احترقوا، كالطائر الفينيقي الأسطوري، كأنهم بسبع أرواح كما القط.
وقد رأينا كيف نجحوا في صرف السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن تدبير الأمر العام ومحاولة تحسين ظروف المواطن ، إلى صراعات شخصية وتغيير بوصلته من مصلح محارب للفساد - أو هكذا على الأقل خيل إلينا حين قدومه إلى السلطة - إلى رئيس لايحسن إلا الجمع والمنع – أو هكذا يخيل إلينا-.
إن ظروف مجيء الرئيس محمد عبد العزيز تميزت بأمرين جد مهمين ، كان يمكن أن يكونا نقطتي ارتكاز للرئيس وعاملي دفع إلى الأمام، لولا سرقة لصوص الليل ، بطانة السوء لإرادة السيد الرئيس وإعادة تحيين جدول مهامه وترتيب أولوياته.
أولا تميز الرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه أول رئيس يصل للسلطة بانقلاب شخصي أبيض لايد لأحد فيه سواه – تقريبا دعك من كتيبة المرتزقة البرلمانية التي تأخذ أرزاقها مقدما قبل انصرافها لمهامها- مما حرره من الارتهان لأية جهة داخلية أو خارجية بالتالي امتلك هامش مناورة فسيحا كان هو خير عامل معين على استقلالية قرار الرئيس.
والعامل الثاني وهو عامل شخصي مكن السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز من إطلاق مشاريع جريئة حقا كان لها الأثر الكبير على حياة الناس، ويعود ذلك أساسا- حسب رأيي- لشجاعة وجرأة متجذرة في تكوين شخصية الرئيس، شجاعته الشخصية مكنته من الاعتراف بوجود الفساد في جسم الدولة وهيئاتها مما مكنه من سحب خطاب المعارضة الراديكالية منها والفوز بتعاطف شعبي صادق، صاحب تلك الشجاعة جرأة على إنفاذ القانون في رجال الأعمال بل والوزراء أحيانا.
لكن الأمر لم يستمر طويلا فلقد نخرت سوسة الفساد جسم النظام حتى حاولت أكل أفضل حسناته التي كانت تحصين مادة المأموريات دستوريا.
سوسة الفساد هذه تبدأ - كالدود المتولد في الجيف- أفرادا كثيرة وتأكل كل نية أو فكرة صالحة لدى أي حاكم ثم تبدأ بالتهام نفسها وهكذا لاتجد آخر دودة ما تأكله فتموت جوعا.
لقد تحركت جسم النظام المهترئ وتناثرت ديدان الفساد لا تلوي على شيء، وتحاول الآن أن تغرس نفسها في جسم النظام الجديد، عبر تحولها إلى داعم لمرشح النظام السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد.
وهنا أشير إلى تشابه غريب في الظروف المحيطة بترشح الجنرالين رفيقي الدرب.
وهي كون تحركات لوبيات الفساد للمأمورية الثالثة فضحت طبقة سياسية بمجملها وبالتالي أعفت المرشح من أية منة قد تدعيها تلك اللوبيات دينا في عنقه، فتلك الطبقة هي التي حفزت رفيق دربه على نقض عهده ونكث وعده – الديمقراطي- الذي قطعه على نفسه، على حساب هذا المرشح بذاته، بعدما بات واضحا أنه المرشح المحتمل الأكثر قربا من السيد الرئيس بلامنازع. مما يجعله إن وصل للكرسي يصل له ولامنة لأحد تقريبا في عنقه –ماعدى النظام العميق ممثلا في المؤسسة العسكرية الأكثر التزاما في البلد-. ما يشبه تماما ظرفية وصول الرئيس الحالي للحكم.
ثانيا لاشك أن الصفات الشخصية للمرشح اللواء محمد ولد الشيخ محمد أحمد وما اشتهر به حكمة وسعة بال سيكون عاملا مساعدا لتحييد طبقة الفساد المحكوم بها في البلاد منذ أجيال وأن يسلخ جلودهم بحكمته كما فعل في إصراره على كتم ترشحه حتى آخر لحظة. حتى انفضحوا وتبين خبثهم وعدم أهليتهم إلا قليلا للممارسة السياسة، فقد كانوا سريعين نشيطين نحو ما ظنوه مرضاة للرئيس بطيئين كسولين عن مصلحة البلاد ، وهذا موقف تاريخي يسمح للمرشح إن وصل للحكم بتغييرهم وتحييدهم وإرساء قواعد حكم جديدة مبنية على الكفاءة والنزاهة وليس على المكر والنميمة والتجسس. والتي هي الأساليب التي يبرعون فيها حقا وتسمح لهم بالتكاثر.
أول اختبار لجدية مرشح النظام
فكما نجى السيد الرئيس من آخر محاولة ماكرة من بطانة السوء -تغيير الدستور- أرجو أن ينجح المرشح السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد في وأد خطط المنافقين في مهدها، وأن يلقح نفسه وحكومته من هذه الفطريات الخبيثة، تبدأ أول هزيمة لمريدي الإصلاح بالتقليل من خطورة المنافقين وعدن تسميتهم بأسمائهم بل ومحاولة التعامل معهم عبر إجراء صفقات مع مرتزقتهم، وحين يلعب أي أحد معهم لعبتهم سيهزمونه في النهاية.
إن طوق النجاة من هذه الشرذمة المتملقة المنافقة لايكون في مهادنتها فهي تكون في أوج نشاطها الهدام كالسوسة في صمت، ولايكون في محاولة تطويعها فهي العصية على التطويع إنها طبقة مائعة شديدة الهلامية وسريعة التغير والتحول ، تأتيك في شيخ ملتح له لحية كثة وذو وجه خاشع يكاد يبكي إذا سلمت عليه، وتأتيك في مناضل حقوقي أفنى ربيع عمره وخريفه في النضال وانحنى ظهره لحمل هموم فئة معينة ، وتأتيك في مثقف صام عن المال العام ستين عاما راهبا بين قاعات الدروس ومراكز البحث، فكثرة تقلبها تترك الحليم حيرانا.
خطة النجاة من هؤلاء هي كما قال الشاعر
إن السلامة من سلمى وجارتها * ألا تمر على سلمى وواديها
إن سبيل النجاة يتمثل في أمر بسيط هو تسمية الأشياء بمسمياتها ومعاقبة الجناة سياسيا وتجريم ممارساتهم الشائنة حتى تسود روح المسئولية ، وأن ينزلوا حيث أنزلوا أنفسهم. حين رضوا بأخذ رواتب من ميزانية الشعب ثم خانوه بالدعوة لخرق الدستور الذي انتخبوا في ظله. وهكذا فإنهم مستعدون للالتفاف على أي نظام حكم يتم إرساؤه في هذه البلاد. ونقض أي عهد وثقوه. من يبيعون أنفسهم يبيعون وطنهم ويبيعون نظامهم.
لاشك أن أي مدرك لبديهيات اللعبة السياسية يدرك أن الجنرال محمد ولد الشيخ محمد هو رجل المرحلة وهو المنطقة المشتركة بين طرفي الصراع على الكرسي الرئاسي في فترة حرجة لاتتحمل كثيرا من الشد والجذب، بفضل اتزان مواقفه حافظ على مسافة مقبولة مع جميع الفرقاء، وسيحاول عباد الكرسي التملقيون الإحاطة به كإحاطة السوار بالمعصم ليس حبا فيه ولاحبا في مصلحة الوطن ، بل محاولة منهم لجره لمستنقع الحيل والنمائم والخدع والسرقة والنهب التي دربوا عليها ومردوا على ممارستها.
وينبغي لمخلصي المعارضة أن لايمنعهم كونه تم ترشيحه من طرف النظام من دعمه ومساندته، فالصادقون منهم ينبغي أن يسارعوا للالتفاف حوله وتأييده وحثه ليكون بطانة من أهل الحق تكون عونا له.
أما أن تشترط المعارضة أن يكون مرشحها الموحد من صفوفها فهو نوع من الإتسار لقوالب التفكير الجاهزة ، والتزام بروتين غير لازم ، يعزل المعارضة عن جماهيرها ويسحب من رصيد مصداقيتها. وأوجه هنا دعوة لأهل الحق ومن يعلمون من أنفسهم نصحا لله وللمسلمين في هذه الرقعة أن يسارعوا ويزاحموا على مرشح النظام التوافقي قبل أن يُختطف كما اختُطف أخوه من قبل.
لقد عايشنا في فترة الرئيس صراعا مريرا بين الخير والشر وكنا شهودا أن الباطل صرع الحق مرارا ولقنه دروسا ، وكاد الشر ينتصر لولا عناية الله وأن ساق السيد الرئيس لترشيح رجل المرحلة وصمام أمان النظام الرجل الرشيد الوحيد الذي مازال في يد النظام من الأوراق لقد لعب الرئيس محمد ولد عبد العزيز اللعبة الأخيرة بحنكة وذكاء وسيكتب له التاريخ تخليه عن السلطة طواعية وتسجيله لوفائه بالعهد الذي قطع على نفسه/ وفتحه لباب الديمقراطية في هذا المنكب البرزخي.
ولئن كان أهل الفساد أعادوا إنتاج أنفسهم وأعادوا صياغة برنامج الرئيس فلقد مسخهم وفضحهم لرفيقه المرشح وأرجع العداد للصفر فنرجوا أن يكون الدرس واضحا أن حسن النية وحده لن يكفي والشجاعة والإرادة كلها أشياء تقتات عليها سوسة الفساد.
وحين يكرر المتملقون أن ترشيح اللواء ماهو إلا استمرار لنهجهم فهم حالمون واهمون يكررون آخر كلمة في أغنية رقصتهم الأخيرة كالديك المذبوح.
والله على مانقول وكيل.