هي موريتانيا فريدة في كل شيء كلما حدثك عنها أحد أبناءها يقول لك بثقة و سطحية نحن استثناء سواء تعلق الأمر بالجغرافيا و التاريخ و الدين و المجتمع كما هو الحال مع السياسة كل ذلك من فرط حبهم و فخرهم ببلدهم أو لربما لزهوهم المبالغ فيه الذي لم تتكشف لحد الساعة بواعثه و هي على الأرجح جينية فأحدهم بل كل واحد منهم كاد ينطقها يوما نحن شعب الله المختار تلك هي الصورة المثالية اليوم لجمهورية العسكر الفاضلة التي دشنت عهدها ذات انقلاب في شهر يوليو 1978 عندما استولى على السلطة قادة جيشها المشتت الانتباه بفعل وقع حرب عصابات على جبهتين داخلية و خارجية ففي غضون عقد و نصف من الاستقلال كان أبناء (الشيوخ) الذين تلاقى جمعهم في العاصمة الفتية يتقاسمون دون غيرهم كعكة الوظائف السامية لأن المستعمر عرف كيف يحول الاستقلال إلى استغلال , وعلى جبهة خارجية كان جيش قليل التعداد و العتاد يواجه غارات جبهة البوليساريو التي لم يسلم منها ركن من الوطن في هجمات كانت أكثرها وقعا و دقا لأجراس الخطر تسلل القيادي في الجبهة (الولي مصطفى السيد ) على رأس سرية من مقاتليه متوغلا في حوزتنا الترابية متجها نحو العاصمة انواكشوط 9 يونيو 1976 و الهجوم الثاني الذي وصلت طلائعه لمشارف العاصمة في 3 يوليو 1977
عمليتين جريئتين تم التصدي لهما بشجاعة و تضحية لكنه مع انقشاع غبار معركتيهما كان صبر الضباط الممتعضين أصلا قد نفذ من ما وصفه أول بيان رقم (1) جشع حكومتهم المدنية و لا مبالاتها و عدم تقديرها للموقف سياسيا و عسكريا و هي استنتاجات خلصت إليه نقاشات الضباط على جبهات القتال و عبر اللاسلكي ما ساهم لحد بعيد في بلورة فكرة الانقلاب و الاستيلاء على السلطة لدى الضباط الميدانيين الذين حز في أنفسهم أن النظام القائم حينها قد تركوهم عرضة للموت بدون أدنى مستوي تسلح و كأن من بالسلطة أرادوا التضحية بهم مقابل تمتعهم بتلك الامتيازات .
منذ أول انقلاب و السلطة في موريتانيا تنتقل بين يدي العسكر بهذه الحجة أو بتلك و إن كان انتخاب الرئيس ولد الشيخ عبد لله استثناء بطعم العسكر إلا أن تلك التجربة لم تعمر فعادت حليمة لعادتها القديمة فمن جاءوا أو تحديدا من جاء بالرئيس سيدي أزحه في حركة تصحيحية , و لم نفهم لأننا لسنا بمستوى دهاء العسكر معنى ذلك المصطلح الخبيث الذي قصد منه بكل بساطة تصحيح خطأ منح السلطة للمدنيين و قد احتجنا عقدا من الزمن لنفهم مجرد مصطلح في قاموس هؤولاء فهل نحن مؤهلون اليوم لفهم ما يخططون له للعشرية القادمة .
رغم الهرج و الصخب و الغضب الذي صاحب الإطاحة بالرئيس سيدي هدأت العواصف بعد برهة و كأننا كنا أمام سحابة صيف عابرة و استأنف الحفل الماجن الذي يعقب كل انقلاب عسكري و رقص الكل السياسي بلا استثناء على نغمته المفضلة التي عزفتها على شرفه الجوقة العسكرية .
واثق الخطوة مشى ولد عبد العزيز مستبدلا زيه العسكري بأخر مدني و رسخ لحكمه على أساس ثنائية الترغيب و الترهيب حيث دأب على دغدغة عواطف الفقراء بين المحنة و الأخرى و مضاعفة ميزانية الجيش و الأمن عام بعد عام ما اكسبه قلوب المدنين و عقول العسكر كذلك نجح في بث الرعب في صفوف كبار الموظفين الذين تعودوا إشباع نهمهم المادي من ميزانيات الإدارات و المشاريع الحكومية نفس الشيء فعله مع رجال الأعمال الذين كدس اغلبهم أموالا طائلة عائدات لبضاعة مزجاة أصحابها إحتكروا الإيراد و استحوذوا على قيمة الصادرات فيما كان آخرون من نفس الفئة قد سلكوا طريقا اقصر للحاق بسابقيهم محولين الحدود المفتوحة و المساحات الشاسعة الفارغة أمنيا إلى معابر و محطات لتفريغ و شحن المخدرات العالية الجودة و التهريب بشتى صنوفه , الفئتين جرعهم ولد عبد العزيز المر على سوء أفعالهم فهو المتجذر في هذه الأوساط سياسيا و اجتماعيا و أمنيا على عكس بقية ضباط المؤسسة العسكرية لم يرف له جفن حين واجههم جميعا و في الآن نفسه فهو استثناء في بلد الاستثناءات ضابط صلبته المقومات الشخصية الوراثية و المكتسبة فقد أمضى سنين خدمته العسكرية بين مركزي صنع القرار العسكري و السياسي أي في مربع السلطة , متنقلا بحكم الوظائف المسندة إليه بين كتيبة القيادة و الخدمات و مقرها قيادة الأركان و القصر الرئاسي كمرافق عسكري للرئيس و ضابط بكتيبة الأمن الرئاسي
مرت سنوات عشر اختلفت التأويلات بشأنها هل أمضيناه في رغد أم كانت عجاف و هنا نحن لله الحمد و المنة على وشك أن نضعها خلف ظهورنا مولاة و معارضة و ندشن عهدا جديدا سنقطف فيه أول ثمرة يانعة للديمقراطية العسكرية , انجاز لم يسبقنا إليه بلد في العالم فقد كنا سباقين للحمد لله إلى التناوب العسكري السلمي على السلطة بالانقلابات و ها نحن على وشك أن ننجح في تحقيق التناوب العسكري السلمي (الديمقراطي) على السلطة بالانتخابات إنها ماركة موريتانية مسجلة تستحق التثمين كمنتج محلي سيسجل التاريخ أنه (صنع في موريتانيا) .