كيف ندعم مرشحا قبل معرفة باقي المرشحين وبرامجهم الانتخابية؟
في العالم الديمقراطي الذي يتطلع للبناء والتنمية الشاملة والرفاهية، بعيدا عن مناخ التخلف وأمراض عالمنا الثالث المتمثلة في "الدعم اللامشروط" للسلطة ومن تقدمه، بعيدا عن التبصر والروية في اختيار من يصلح لإرساء أسس نهضة تنموية شاملة منشودة وأولويات الوطن والمواطن، بناء على برنامج انتخابي واضح ومحدد المعالم، يصعب أن نصدق أنه في بلد ديمقراطي عريق يتم دعم مرشح، أيا كان، قبل إطلاق الحملة الانتخابية التي يتم خلالها إعلان البرامج الانتخابية للمترشحين المتنافسين على كسب رضى المواطنين وثقتهم لنيل شرف قيادة البلد بتزكية هؤلاء المواطنين.
شخصيا لست ضد دعم مرشح بعينه، لكنني في الواقع أستغرب التهافت الذي بدأ لدى بعض المجموعات التقليدية، أو متحدثين باسمها على الأقل، وبعض المثقفين والأطر لإطلاق مبادرات داعمة لمرشح "الدولة" السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد، الذي احترمه كثيرا، حيث لا يستساغ أن يتم إعلان دعم مرشح قبل الكشف عن برنامجه الانتخابي وما يقدمه من التزامات تنموية ومقارنتها بما يقدمه غيره من برامج ليتم الاختيار والدعم على أساس البرامج وليس على أي أساس آخر.
يمكننا كمواطنين، من مختلف المستويات، محاسبة المرشح الفائز حين يخل بالتزاماته الانتخابية أما حين ندعمه من دون أن يقدم لنا ادني التزام، فذلك، لعمري، تهافت أعمى ودعم غير مشروط للسلطة ولمن ترشحه بغض النظر عما يمكن أن يقوم به فور تسلمه مهامه رئيسا للجمهورية.
إنه لا يمكن بأي حال، وحتى هذه اللحظة، الجزم بمن سيفوز في انتخابات الرئاسة المقررة في يونيو المقبل، حتى ولو كان مرشح السلطة هو الأوفر حظا نظريا، إلا أن صناديق الاقتراع حين تنطق بصدق وشفافية بعيدا عن أية عوامل طارئة يمكنها أن تقول شيئا آخر، لأن المواطن بالفعل يتطلع إلى الرفاهية وإلى أن يجد لخيرات وطنه أثرا عليه، وقد وصل من النضج مرحلة متقدمة قياسا بالماضي، ما يؤهله لتحديد خياره السليم حتى ولو في اللحظات الأخيرة مهما كان حجم الضغوط والإغراءات، ولعل تجربة الانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة واستحالة انتزاع النظام بعض القلاع العصية من أصحابها خير دليل على صعوبة تحديد من سيفوز.
أتمنى أن لا تستعجل نخبنا وان يتريث مثقفونا وتتأنى "قبائلنا" في الإعلان المبكر عن دعم مرشح وحيد قبل إعلان أسماء بقية المترشحين ومعرفة برامجهم الانتخابية لنتمكن، كشعب، من محاسبة الفائز منهم على التزاماته المعلنة، في برنامجه الانتخابي، حين يصبح بالفعل رئيسا للجميع.
كما أن إطلاق حملة انتخابية "صاخبة" في الساحات العامة على امتداد التراب الوطني وفي بعض وسائل الإعلام قبل موعدها القانوني لصالح مرشح بعينه، من خلال "مبادرات قبلية وشبابية ونخبوية" وغيرها، يبقى أمرا مخالفا للقانون، وموضعا للريبة وللتساؤل عن أسباب هذا التساهل والتغاضي من طرف الجهات المختصة بما في ذلك اللجنة المستقلة للانتخابات والسلطات الإدارية المعنية؟!
من يضمن أن المرشح الذي نعلن دعمنا له قبل الأوان لن يرتهن البلد ومواقفه وسيادته لدول أخرى باسم "مصلحة موريتانيا"، ومن يضمن انه لن يعيد العلاقة مع الكيان الصهيوني تحت عنوان "مصلحة البلاد" وأنه لن يعيدنا مائة سنة إلى الوراء في مختلف المجالات إذا لم نصوت له بناء على برنامجه الانتخابي المحدد سلفا والذي نختاره من بين باقي البرامج الانتخابية لمنافسيه.
شخصيا أكن احتراما خاصا للسيد محمد ولد الغزواني، لأنه ظل بعيدا عن كل شبهة سياسية كما أنه أسهم بشكل فاعل في بناء جيش موريتاني قوي، وهو رجل يحظى باحترام الكثيرين، إلا أنني أتحدث عن حدث انتخابي تحكمه ضوابط ويفترض أنه منظم بقواعد قانونية وأعراف ديمقراطية يجب علينا التقيد بها واحترامها، لذلك أجدد طلبي لجميع مواطني بلدي من مختلف المستويات: "لا تستعجلوا في دعم مرشح قبل معرفة من سينافسه، ولا تدعموا مرشحا قبل أن يكشف عن برنامجه الانتخابي لمعرفة مدى تطابق بنوده مع تطلعاتنا كشعب ووطن".