الغني والفقير والسعيد: لنجعل من السعادة هدفا يتحقق / د.محمد الأمين حمادي

لعل بعضا منا يتذكر قصة الرجل الثري وجاره الفقير التي قرأناها في الكتب المدرسية. باختصار، تقول هذه القصة إن رجلا ثريا كان له جار فقير بيته ملتصق بداره. فإذا أوى الثري إلى فراشه في المساء وهو منهك وعيناه مثقلتان بالنعاس لم يكد يستلقي على فراش النوم إلا أطار جاره الفقير النعاس من عينيه بغنائه الذي لا ينقطع في الليل. فكر الثري في حيلة تجعل جاره الفقير يتوقف عن إزعاجه ووجد حلا جذريا لهذه المعضلة حيث خطر على باله أن يهدي إلى الفقير شيئا من المال ليرى ما ستسفر عنه هذه الفكرة. وفي صباح اليوم الموالي طرق الثري باب الفقير وسلمه صرة من الدنانير وفرح بها الفقير أيما فرح. في مساء ذلك اليوم استطاع الثري أخيرا أن يخلد إلى نوم عميق من دون منغصات والسبب أن الفقير بات ليله يفكر في الأوجه التي سيصرف فيها هذا المال ولم يجد فرصة للغناء والطرب كما تعود. بعد أيام بلياليها قضاها الثري في سعادة وسكينة ونوم هادئ، سمع طرق الباب في صباح يوم فلما فتح الباب إذا بالفقير وفي يده صرة الدنانير وقد جاء ليردها إلى الثري قائلا: هذه دنانيرك أردها إليك لأنها نغصت علي حياتي وأفقدتني سعادتي.

العبرة في هذه القصة أن المال الذي يرى أكثر الناس أنه هو سر السعادة هو سبب شقاء كثير من الناس. فالثري هنا إنما كان سبب تعاسته العمل الدائم في النهار لتحصيل مزيد من المال، فلما تخلص من جزء من المال استرجع جزءا من السعادة والسكينة وراحة البال. والفقير بدوره كان يبيت جذلان سعيدا رغم فاقته، فلما اكتسب مالا كان ذلك سببا في تعاسته.

ما الذي يجعل الإنسان أكثر سعادة؟

يقول المثل الفرنسي ما معناه أن المال لا يجلب السعادة ونحن نعلم ذلك جيدًا. وتؤيد الدراسات العلمية فكرة أن المال يجعل السعادة تصل إلى حد معين فقط، ألا وهو الراحة الأساسية، ولكن الراحة المادية لا تجعلك أكثر سعادة. بل تشير الحجج الموضوعية بقوة إلى أن الروابط الاجتماعية هي التي تلعب دورا مهما في تحقيق السعادة. ذلك ما تؤكده دراسات علم النفس الإيجابي في فهم العلاقات بين السعادة والعلاقات الإنسانية والخصال المحفزة للتواصل الاجتماعي مثل التعاطف والإيثار والامتنان. وتشير الدراسات بما فيها تلك التي صدرت في المجتمعات غير الإسلامية إلى أن فعل الخير يجعلنا نحس أكثر بالسعادة. وهو أمر لا شك معروف بالتجربة الحية التي نعيشها يوميا.

 يوم عالمي للسعادة ؟!

لا يعلم الكثيرون أن السعادة هدف تسعى الأمم المتحدة إلى تحقيقه حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 مارس يوماً دولياً للسعادة (قرار رقم A / RES / 66/281) بتاريخ 12 يوليو 2012. تدرك المنظمة أن السعادة والرفاهية ليسا مجرد تطلعات عالمية ولكن يجب أخذها في الاعتبار في الأهداف السياسية. وهي بذلك تقر بالحاجة إلى اعتماد النمو الاقتصادي بطريقة أوسع وأكثر إنصافا وتوازنا تعزز التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر، وسعادة ورفاهية جميع الشعوب.

قد لا يولي البعض كبير أهمية لهذا الهدف على اعتباره مستحيل التحقق رغم أن الواقع اليوم يوحي بعكس ذلك وعديد من الدول جعلت من السعادة هدفا تعمل على تحقيقه لمواطنيها بل إن بعض الدول أنشأت وزارة خاصة بالسعادة وبعض الدول تسعى جاهدة إلى إدخال مفهوم السعادة في التنمية البشرية وتقوم من أجل ذلك بعقد مؤتمرات دولية لدراسة سبل تحقيق السعادة. ويرتكز هذا المسعى على أهمية الربط بين سعادة الفرد وتنمية إمكانياته ومهاراته وتعزيز قدراته على العمل والابتكار والإبداع، ومن ثم الوصول إلى مجتمع منتج وسعيد.

والمفارقة الكبيرة هنا أنني فكرت في نمط الخطاب السياسي في بلدنا فلم أجد فيه ذكرا للسعادة كهدف سياسي. بل إن كلمة السعادة ومشتقاتها قد لا ترد أصلا في الاستراتيجيات والأهداف السياسية للأحزاب ولا حتى في خطب رجال السياسة في موريتانيا.

وكم كانت مفاجئتي كبيرة حين استمعت لخطاب السيد محمد ولد الغزواني الذي تحدث ا فيه عن السعادة كهدف سيسعى لتحقيق أكبر قدر منه لمواطني بلده. لقد تكرر ذكر السعادة مرتين في ذلك الخطاب مما يعطي انطباعا بأن الأمر تم عن وعي وإصرار وليس مجرد عبارة وردت في درج الكلام. ولا شك أننا بحاجة إلى الاطلاع على البرنامج الانتخابي لهذا المرشح لنرى كيف سيترجم تحقيق السعادة في برنامجه السياسي.

ومهما يكن فإن خطاب السيد محمد ولد الغزواني انفرد بهذه الجزئية التي توحي بإرادة سياسية بالعمل على التحول من المسار التقليدي الذي دأبت الدول السائرة في طريق النمو على سلوكه إلى طريق جديد أي الانتقال من تحقيق التنمية وتجاوزه إلى تحقيق السعادة التي هي في المحصلة النهائية تشمل التنمية وتزيد عليها.

لكن السعادة شعور فردي وحالة نفسية يعيشها كل إنسان بمفرده، وعليه فإنني أدعو كل المواطنين الموريتانيين إلى العمل من أجل أن تكون السعادة هدفا لكل فرد منا يسعى الى تحقيقه في حياته اليومية وألا نفوت مناسبة اليوم العالي للسعادة وهو يوم 20 مارس المقبل، بتخليده بأنشطة جالبة للسعادة مهما كان قدرها. وأن نتذكر جيدا أن السعادة لا تكمن في أن نمتلك كل ما نريد بل أن نرضى ونقنع بما نمتلك.

أسعد الله موريتانيا،،،

13. مارس 2019 - 14:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا