أخذت المعارضة بعد مسار طويل من المفاوضات وبعد توقيع مذكرة شرف بالمضي قدما في توحيد صفوفها خلف مرشح مشترك لخوض غمار انتخابات اتفقت على تصنيفها وتسميتها بالتاريخية ،أخذت قرارا بالإختلاف لكي يتسنى لكل طرف تقديم مرشحه الخاص به والتحلل من صيغة الإتفاق دون النظر إلى الإلتزامات الأخلاقية والوفاء بالمواثيق والعهود خاصة إن كانت أخذت على الملأ . فمالذي سيبقى من نقدها لولدعبد العزيز ولمتملقي الأحزاب الحاكمة ، ومع أن الأمر لا يخدم رهان التغيير ولا رهان التناوب ولا يخدم صورة المعارضة وسمعتها في الشارع ولا تشبثها بأسس نضالها ،بل هو أعتى تجليات صور النكوص والإنهزامية ،فإنه قرار محبط وله دلالاته السطحية المرتبطة بعدم القراءة السياسية والعقلانية للتاريخ والتجارب والنجاحات القريبة منا في التاريخ والجغرافيا بل والمحيطة بِنا، وباللحظة والمنعرج الخطيرين اللذين يمر بهما البلد وكأنه ختم علينا بأن لا نكون مثل أي شعب على وجه هذه الأرض ! لقد أكد هذا القرار أن المعارضة لما تصل بعد لمستوى الاضطلاع بالمسؤوليات التاريخية التي تموت فيها الذات والأنانيات والنوازع ويعيش بدلها الوطن وحب التغيير وتحمِّل الدور والمسؤولية . لقد أكدت مرة أخرى للأسف أنها تتقاسم قراراها مع جيهات في النظام -الذي ظل يبطش بها - وهو يحبس أنفاسه ويؤخر النظر في مشاكله الداخلية ليشارك في إشعال نار الخلاف داخلها بدعم فكرة وجيهة وسليمة تخدمه ولا تخدمها كحق أريد به باطل "مرشح معارض من داخل المعارضة ويملك مصداقية ولا ينافس "وما كانت حصافة ورجاحة عقل أشخاص عُرفت بمصداقيتها وجديتها أن تقبل أن تترشح لكي تترشح فقط ولكي تتفاوض أو يتم التفاوض بإسمها مع مرشح المؤسسة العسكرية بعد فوزه!!! وقد قيل في ذلك في اجتماعات داخلية للمعارضة على هذا النحو .من يرضى بهذا الفخ! ليس من ارتضيناه محنكا وحكيما ونموذجا "، وهكذا يكون النظام حصل على مبتغاه من المعارضة بفعل جناح كبير منها دون أن يلجأ لأي تنازل ولا ليكشف أوراقه داخلها ودون أن يقبل بدعم أي حزب ولا مجموعة من المعارضة بصفة رسمية حتى الذين ظلوا مرغمين على المعارضة في هذه العشرية الأخيرة وتقتلهم الحسرة على انتماءهم لها ، لقد كانوا من فرط تلوٍّنهم يأخذون على المعارضة عدم تشددها مع النظام وها هم اليوم يغتنمون فرصة التحرر من ذلك القيد الذي فرضه عليهم ولد عبد العزيز بطردهم من موالاته. فهل يمكن لغزواني أن يقبلهم وهو الذي يستقبل مواعيده من ولد عبد العزيز ؟!. لقد تأكد من خلال هذا القرار أن ساحة معارضتنا ليست سوى مشتلة تُنمِي فيها كل مجموعة مواهبها وتُأخذ فيها القرارات بالعواطف والمشاعر لا بالتفكير العميق ولا بالمنطق الإستراتيجي ولا بالمصلحة العليا للبد وفق رهان التغيير وخلق التناوب ، وهي بذلك لم تصل لمرحلة التضج الذي وصلت له المعارضة في إفريقيا من القدرة على اختطاف الفرص وخلق التغيير خاصة أن شعبنا يدعم ويتطلع لذلك . لقد فوتت المعارضة فرصة كبيرة على البلد بخلق التناوب ، ففي حين كان سيشكل إجتماعها وتوحدها فرصة تاريخية لإنتزاع التناوب خلف مرشح واحد هي من تحَمّله برنامجها ورؤيتها يحملها في كل مكان يفتح لها أبواب ظلت موصدة في وجهها يخلق لها القبول في ساحات ظلت ترفضها، يحشد لها الدعم لتوجه بذلك أكبر ضربة موجعة لمرشح النظام أو "مرشح نفسه " - كما قال ولد عبد العزيز - بأن تدخل عليه عقر داره تخصف من شعبيته محافظة على شعبيتها ، مما يزيد من تعقيد وضعيته وهوالذي يواجه مشاكل كبيرة داخلية أهمها عدم وحدة الصف وخروج مجموعة كبيرة من الأحزاب من الأغلبية ووجود خلاف عميق داخل النظام والدولة العميقة أي عدم وضوح الصورة تماما على خريطته ومع تأكد ترشح مولاي ولد محمد لقطف الذي سيأخذ من شعبية الأغلبية ومن رجالات النظام نفسه تكون حالته أسوأ . إنها بذلك خذلتنا وماطلتنا أي نحن جمهور قوى التغيير في البلد الساعين لتوحيد المعارضة ولخلق التغيير تحت ألوانها وشعاراتها وخذلت نفسها ، والحقيقة أننا نسينا أن من المعارضة مَن تعود على عبادة نفسه وتعظيم دوره وبيع مواقفه في لحظات حرجة تكون المعارضة في أمس الحاجة لها . لكن ستكون هذه نهايتهم كنهاية أي عمل غير شريف خاصةعندما تتضح الصورة للجميع ويظهر أن المعارضة السياسية قليلة و المبدئية أقل من القليل لكن سيكتب لها الفوز أو شرف المحاولة . وهكذا تكون "المعارضة الغزوانية "دعمت النظام بأن عطلت له فاعلية المعارضة وشتت جهودها وقوتها ومنحته الفرصة للعودة بارتياح وبضغوط أقل لتنظيم صفوفه والدخول في الحملة وهو مطمئن على فوزه في عملية أشبه بتنزيل العمل بين شخصين لاتعهد فيها بالبناء ولا بالتغيير ولا بالإصلاح ولا باسترداد أموال الشعب .وبذلك تذهب موريتانيا في مهب الريح ويتجرع أمثالنا مٍنْ من ناضل ودافع عن البلد حاضره ومستقبله كأس الكمد والحسرة على شعب بلا نخبة و ديمقراطية بلا معارضة ! وا أسفاه . عاش النظام العسكري ماتت المعارضة ومات الأمل والتناوب .