وشهد شهود من داخلها / عثمان جدو

مما لاشك فيه أن المعارضة ظاهرة صحية ضرورية للأنظمة الديمقراطية،فبحضورها وفاعليتها يزداد النظام نضجا ويتحسن أداؤه، وتتعدد إنجازاته،وتستقيم سياساته؛وكما هو معلوم أيضا؛ أن ضعف المعارضة وانقسامها يحد من إيجابيتهاالسياسية ويقلل من تنافسيتها الميدانية، ويُعدم جدوائيتها الرقابية،وبذلك يختفي -تماما- دورها التفاعلي التشاركي -المؤمل- في سبيل النهوضبالوطن.إن المتتبع للساحة السياسية اليوم لا يجد كبير عناء في إدراك حالة الضعفوالانقسام، ومستوى النكوص والتردي الذي وصل إليه جهاز أو كيان المعارضة-إن جاز التعبير في هذا المشهد الاستثناء- لما يتطلبه معنى هذا الاصطلاحمن التلاحم والتفاهم والانسجام، ولأن التكتلات السياسية تتلاقى على جوامعوثوابت تتقاسمها، وتوفر لها الأمان ضد الأحادية والانقسام لتكون لها حصنامنيعا ضد التفكك والضعف المترتب على ذلك.إن الانقسام المؤثر والخلاف القاتل الذي نما داخل جسم المعارضة حتى تآكلواستفحل مرضه؛ ليس ادعاء أعداء، ولا دعوى منافس، بل هو إقرار من النخبالمعارضة، من أصحاب الأقلام السيالة، وهم الذين أدركوا -قبل غيرهم- هذهالحالة المرضية لجسم؛ هم لسانه الناطق، وعينه الفاحصة، لم تكن شهادةهؤلاء ولا تصريحاتهم حول وضع المعارضة -الذي يؤسفهم- بالتعبير العابر أوالشهادة المستعجلة، فلقد ظل هؤلاء ولفترة طويلة يرقبون الوضع ويقدمونالتوجيه والنصح، وبعد أن أعيتهم المتابعة ومحاولات العلاج، تأكد عندهمفوات الأوان؛ على الوقاية، وتقادم المرض على العلاج، وبالتالي استشراءالداء وحصول التشرذم، والتحزب على ضعف وخواء، وإنهاك القوى وتبديدالجهود.يقول أحد أساطين المعارضة؛ ممن عُرِفوا بحمل لواء الدفاع عنها والنصحلها، منتقدا لما آلت إليه وضعيتها، معريا روافدا العجز فيها، مستأنسابوثيقتها لإعلان المبادئ التي تقول إحدى فقراتها كما ورد في مقال الكاتبالمعنون ب: هل ستعجز المعارضة عن الوفاء بتعهداتها؟تقول الفقرة: ( "هذه الظرفية الدقيقة تتطلب من الجميع التوجه نحو هذاالاستحقاق بروح وطنية عالية ومسؤولية حقيقية، وتغليب المصلحة العلياللبلد على المصالح والطموحات الضيقة".

دعونا نسأل -يقول هو- أين هي : الروح الوطنية العالية، وأين هي المسؤوليةالحقيقية، وأين هو تغييب المصلحة العليا للبلد على المصالح الحزبيةالضيقة؟ أين كل ذلك مما يجري الآن من خلافات ضيقة بين أحزاب المعارضة حولتسمية مرشحها الرئيسي؟

إن من أخطاء المعارضة  التي تكررت في الفترة الماضية، هو أن هذه المعارضةكانت تصر دائما على تشكيل تكتلات سياسية هشة، تكتلات بإمكانها أن تظهرنوعا من الانسجام المزيف والتماسك الوهمي في الظروف السياسية العادية،ولكن هذه التكتلات سرعان ما تتفكك أمام أول اختبار جدي، وفي اللحظاتالسياسية الحرجة. تفككت الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، ثم تفكتتمنسقية المعارضة ، ثم تفكك المنتدى بشكل جزئي بعد خروج التكتل وإينادواللقاء، وكانت كل عمليات التفكك تلك قد حدثت في لحظات سياسية حرجة، وهاهو ما يسمى بتحالف المعارضة الانتخابي على وشك التفكك في لحظة سياسيةوانتخابية حرجة. (أنتهى)

نعم ستخذل المعارضة جماهيرها بفعل انقسامها وضعفها في وقت تُطلب فيهالقوة والتماسك أكثر من أي وقت مضى، فالبلاد قاب قوسين أو أدنى من حصولتبادل سلمي طوعي سلس على السلطة، وهي فرصة قد لا تتكرر في العمر لرجالاتورموز وقيادات هذه المعارضة المنقسمة على ذاتها تبعا لميول فردي، يطردالرأي الجامع، ويقزم الدور، ويُقصي من المشهد.

يأتي آخر وهو ممن حملوا لواء الدفاع عن المعارضة ليحكي ألمه وحسرته علىضعفها وانقسامها وإخلالها بميثاق شرف المرحلة الذي وقّعت عليه مجتمعة،ونقضته أحزابها متفرقة، ثم يعود ليؤكد أن نقدها للرئيس الحالي ولنظامه،ومن والاه من أحزاب حاكمة؛ بعد هذا لايجد سندا ولا مسوغا، ذكر ذلك فيمقال بعنوان: المعارضة تدعم النظام : عاش النظام العسكري يسقط التناوب.

الخلاصة الجامعة لكل هؤلاء المعارضين، المتحسرين على حال وواقع المعارضةاليوم وما تعيشه من ضعف وانقسام، وانهزامية وتفكك؛ أنهم يُحمِّلون رموزهامسؤولية كل ما وقع، ويتهمونهم بالقصور والتقصير، والأنانية والرجعية،والتبعية الفاضحة.

يحدث ذلك في ظل تنامي قوة مرشح النظام التي أصبحت تزداد يوما بعد يوم،وتتشعب وتقوى وتتماسك لتكون قبلة شبه موحدة للسياسين، في تخطيط محكموهندسة واعية وبرعاية مباشرة من المرشح نفسه؛ مستعينا بهدوء القائدالمتأمل العارف بالأرضية العازف على وتر جامع للمعارضة والأغلبية، فيدراية تامة بحلبة التنافس، وإدراك عميق لخليفية المناصرين الجادِّينوأولئك المندسين، و*المبادرين*.. ، والمتسلقين، وهو المميز لطبيعةالدوافع وجدية المواقف.

15. مارس 2019 - 10:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا