قامت لجنة بازل للرقابة المصرفية بإجراء مجموعة من التعديلات والإصلاحات على إتفاقية بازل 2 وذلك من خلال إصدار وثيقتين، الأولى "الإطار الدولي للعمل الإشرافي لتعزيز مرونة البنوك والقطاعات المصرفية في مختلف دول العالم "والثانية" إطار العمل الدولي لقياس مخاطر السيولة، معاييرها وكيفية قياسها والرقابة عليها " في ديسمبر 2010 [1]، والتي اصطلح على تسميتها باتفاقية بازل 3[2]، والتي تدخل حيز التنفيذ مطلع سنة 2013م عبر مراحل تمتد إلى غاية 2019 م وذلك لتعزيز قدرة رأس المال العالمي وقواعد السيولة، وتحسين قاعدة رأس المال التنظيمي من حيث النوع والكم ، وتعزيز تغطية المخاطر، واستكمال متطلبات رأس المال المرجحة بأوزان المخاطر مع نسبة الرافعة المالية وتخفيض التعليمات الدورية والاقتصادية عن طريق طرح هوامش إضافية لمواجهة التقلبات الدورية والحفاظ على رأس المال ومعالجة المخاطر النظامية والتأثير المتبادل.
و تهدف الإصلاحات المقترحة بموجب اتفاقية بازل 3 إلى زيادة متطلبات رأس المال وإلى تعزيز جودة رأس المال للقطاع البنكي حتى يتسنى له تحمل الخسائر خلال فترات التقلبات الاقتصادية الدورية، حيث أن الانتقال إلى نظام بازل الجديد يبدو عملياً إذ أنه سوف يسمح للبنوك بزيادة رؤوس أموالها خلال فترة ثماني سنوات على مراحل، إذ أن تبني المعايير المقترحة سوف يتطلب من البنوك الاحتفاظ بنسب عالية من رأس المال وكذلك برأسمال ذي نوعية جيدة.[3]
ومنذ أن صدرت اتفاقية " بازل 3 وبعد المصادقة عليها من طرف زعماء مجموعة العشرين في اجتماعهم في سيئول العاصمة الكورية الجنوبية في 12 نوفمبر 2010 ، بدأ خبراء المصرفية الإسلامية يطرحون تساؤلات حول مدى ملائمة هذه المعايير الجديدة للبنوك الإسلامية، وكيفية تطويعها بما يتناسب طبيعة عمل هذه البنوك.
في هذه المحور، سنتكلم في البداية عن الجديد الذي جاءت به لجنة بازل 3 ثم نتناول مدى إمكانية تطبيقها على البنوك الإسلامية :
أولا: مرتكزات اتفاقية بازل3
ترتكز الاتفاقية على مجموعة من القواعد الجديدة هي كالتالي:
- إلزام البنوك بالاحتفاظ بقدر من رأس المال الممتاز يعرف باسم )رأس المال الأساسي( وهو من المستوى الأول ويتألف من رأس المال المدفوع والأرباح المحتفظ بها ويعادل %4,5 على الأقل من أصولها التي تكتنفها المخاطر بزيادة عن النسبة الحالية والمقدرة ب2% وفق اتفاقية بازل2.
- تكوين احتياطي جديد منفصل يتألف من أسهم عادية ويعادل% 2,5 من الأصول، أي أن البنوك يجب أن تزيد كمية رأس المال الممتاز الذي تحتفظ به لمواجهة الصدمات المستقبلية إلى ثلاث أضعاف ليبلغ نسبة 7% وفى حالة انخفاض نسبة الأموال الاحتياطية عن 7% يمكن للسلطات المالية أن تفرض قيوداً على توزيع البنوك للأرباح على المساهمين أو منح المكافآت المالية لموظفيهم، ورغم الصرامة في المعايير الجديدة إلا أن المدة الزمنية لتطبيق هذه المعايير والتي قد تصل إلى عام 2019 جعلت البنوك تتنفس الصعداء.
- وبموجب الاتفاقية الجديدة ستحتفظ البنوك بنوع من الاحتياطي لمواجهة الآثار السلبية المترتبة على حركة الدورة الاقتصادية بنسبة تتراوح بين صفر و 2.5% من رأس المال الأساسي )حقوق المساهمين(، مع توافر حد أدنى من مصادر التمويل المستقرة لدى البنوك وذلك لضمان عدم تأثرها بأداء دورها في منح الائتمان والاستثمار جنباً إلى جنب، مع توافر نسب محددة من السيولة لضمان قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء.
- رفع معدل المستوى الأول من رأس المال الإجمالي الحالي من 4% إلى 6%وعدم احتساب الشريحة الثالثة في معدل كفاية رأس المال، ومن المفترض أن يبدأ العمل تدريجياً بهذه الإجراءات اعتباراً من يناير عام 2013 وصولا إلى بداية العمل بها في عام 2015 وتنفيذها بشكل نهائي في عام 2019 . [4]
- متطلبات أعلى من رأس المال وجودة رأس المال: إن النقطة المحورية للإصلاح المقترح هي زيادة نسبة كفاية رأس المال من% 8 حالياً إلى% 10.5 وتركز الإصلاحات المقترحة أيضاً على جودة رأس المال إذ أنها تتطلب قدراً أكبر من رأس المال المكون من حقوق المساهمين في إجمالي رأس مال البنك[5].
- زيادة الرسملة المطلوبة تجاه عمليات التوريق وغيرها من الأدوات المركبة، وهي العملية التي ورّطت الكثير من البنوك في الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
- تشمل هذه الحزمة من الإصلاحات أيضاً اعتماد مقاييس جديدة بخصوص السيولة لا زالت تستوجب الحصول على الموافقة من طرف قادة دول مجموعة العشرين، حيث سيتعين على البنوك تقديم أدوات أكبر للسيولة، مكونة بشكل أساسي من أصول عالية السيولة مثل السندات.[6]
وقد اقترحت الاتفاقية الجديدة اعتماد نسبتين في الوفاء بمتطلبات السيولة:[7]
- نسبة تغطية السيولة (Ratio de couverture de liquidité) ، وتُحسب بنسبة الأصول ذات السيولة المرتفعة التي يحتفظ بها البنك إلى حجم 30 يوماً من التدفقات النقدية لديه،ويجب أن لا تقل عن 100%، وذلك لمواجهة احتياجاته من السيولة ذاتياً.
- نسبة صافي التمويل المستقر (Taux net de financement stable) لقياس السيولة البنيوية في المدى المتوسط والطويل، والهدف منها توفير موارد سيولة مستقرة للبنك، وتحسب بنسبة مصادر التمويل لدى البنك ) المطلوبات وحقوق الملكية( إلى استخدامات هذه المصادر ) الأصول ( ، ويجب أن لا تقل عن 100%.
وقد أضافت بازل 3 معيار جديد وهو الرافعة المالية ، و تمثل الأصول داخل وخارج الميزانية بدون اخذ المخاطر بعين الاعتبار إلى رأس المال من الشريحة الأولى ، وهذه النسبة يجب أن لا تقل عن 3%.[8]
لقد قامت بازل 3 بإدخال مفاهيم جديدة على معيار بازل 2 يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
- تعديل مكونات رأس المال التنظيمي لتشمل أدوات أكثر استقراراً
- تعديل حدود نسبة كفاية رأس المال ابتداءً من عام 2013 ولغاية نهاية عام 2018
- إضافة معايير جديد لإدارة ومراقبة مخاطر السيولة في البنوك :حيث أدخلت معيار خاص بالسيولة للتأكد من أن البنوك تملك موجودات يمكن أن تسيلها لتغطية احتياجاتها وودائع أكثر استقراراً .
- أضافت معيار جديد وهو الرافعة المالية .
ثانيا:مراحل التحول إلى النظام الجديد( مراحل تنفيذ مقررات بازل 3 )
لكي تستطيع البنوك مواكبة هذه الزيادة الكبيرة، فعليها إما رفع رؤوس أموالها (عبر طرح أسهم جديدة للاكتتاب العام، أو إيجاد مصادر أخرى للتمويل)، أو التقليل من حجم قروضها، وفي الحالتين، فإن الأمر يحتاج لبعض الوقت،لذا فقد منحت اتفاقية بازل3 الجديدة المصارف حتى عام 2019 فرصة لتطبيق هذه القواعد كاملتا، على أن يبدأ التطبيق تدريجيا مع بداية عام 2013، وبحلول عام 2015 يجب على البنوك أن تكون قد رفعت أموال الاحتياط إلى نسبة 4.5 %، ثم ترفعها بنسبة إضافية تبلغ 2.5 % بحلول عام 2019، كما أن بعض الدول مارست ضغوطا من أجل إقرار نسبة حماية إضافية بمعدل 2.5 %، ليصل الإجمالي إلى 9.5 %، بحيث يفرض هذا المطلب في أوقات الرخاء، غير أن مجموعة بازل أخفقت في الاتفاق على هذا الإجراء وتركت أمره للدول بشكل فردي.
ثالثا:انعكاسات بازل 3 على النظام المصرفي الإسلامي
إن مشكلة المصارف الإسلامية مع معايير بازل 3 لا تتعلق بالأخطار لأن هذه المصارف لا تغامر كالمصارف التقليدية ولا تبيع ما لا تملك لأن الشريعة لا تسمح لها بذلك، قد تمكن المشكلة في إدارة السيولة التي توصي بها معايير بازل الجديدة التي قد تتلاءم مع المصارف التقليدية أكثر، فالمصارف الإسلامية تملك أصولاً سائلة يمكن أن تغطي بها النسبة المطلوبة كالصكوك الإسلامية مثلاً، لكن بشرط أن تلقى الاعتراف من لجنة بازل لطبيعة هذه الأصول المختلفة، وسنتناول في هذا الفقرة أهم انعكاسات مقررات بازل 3 على النظام المصرفي الإسلامي والتي نوجزها في النقاط التالية:
- إن متطلبات مقررات بازل 3 ستدفع البنوك الإسلامية إلى بذل جهود إضافية للالتزام بها، ومنه تحسين الجوانب الفنية وتعزيز ثقافة إدارة المخاطر بها؛
- تؤمن لها حماية أفضل من الخسائر أو أية تأثيرات سلبية لنقص السيولة؛
- تمكنها من تعزيز قدراتها التنافسية؛
- تعطيها حرية أكبر في تحديد المخاطر المتنوعة التي تواجهها؛
- إن مقترحات بازل 3 حول الإشراف على البنوك يمكن أن تقوي من وضع الميزانيات العمومية للبنوك الإسلامية، وأن تشعل أيضاً فتيل تغيرات أساسية في نماذج أعمالها وتسعير منتجاتها-وهذا حسب وكالة ستاندارد آند بورز -.[9]
- إن بعض الافتراضات في بازل 3 يمكن أن تعوق بصورة حادة من سوق القروض بين البنوك الإسلامية حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التحديات فيما يتعلق بإدارة السيولة في البنوك الإسلامية، في وقت يتسم بالافتقار إلى فئات الموجودات السائلة وذات المخاطر المتدنية التي يمكن استخدامها من قبل هذه البنوك بهدف إدارة السيولة فيها- وهذا حسب وكالة ستاندارد آند بورز-.
- انخفاض ربحية البنوك الإسلامية لاحتجاز نسب متزايدة منها للاحتياطات لاستخدامها في مواجهة الأزمات
- ستزيد مقررات بازل 3 من السيولة غير الموظفة لدي البنوك الإسلامية ، مما يؤثر سلبا على نشاطها وربحيتها؛
- يمكن لإطار بازل 3 أن يكون له أثر كبير في المتطلبات الرأسمالية للبنوك الاستثمارية الإسلامية، والتي بالنسبة إليها أصلاً تشكل مخاطر الأطراف التعاقدية المقابلة أكثر من 20 % من إجمالي الموجودات النظامية الموزونة بحسب المخاطر.
- ستساهم مقررات لجنة بازل 3 في تحسين الشفافية وكفاية رأس المال في البنوك الإسلامية.
- إن البنوك الإسلامية ستستفيد كثيرا من هذه الإجراءات الاحترازية الجديدة لأنها أثبتت أنها يمكن أن تطبقها بكل سهولة، و أن هذه الإجراءات لا تعيق تماما أي وجه من أوجه التعامل البنكي الإسلامي نظرا لأنها تمتلك فائض سيولة مرتفعة ، فبالنسبة لمتطلبات السيولة فقد قال محافظ البنك الوطني لماليزيا في مقابلة له مع مجلة Global Islamic Finance الصادرة في نوفمبر 2011 ، أن أغلبية المصارف الإسلامية في ماليزيا تحتفظ بمستويات رأس مال أعلى بكثير من الحد الأدنى للتنظيمات الجديدة لبازل 3 وبالنسبة لنسبة تغطية السيولة (LCR) فمفهومها مشابه لإطار السيولة المعتمدة من قبل البنوك الإسلامية الماليزية ،[10] أضف إلى ذلك أن النمو السريع لسوق الصكوك و توفر أدوات أخرى لتوفير السيولة ،يمكن البنوك الإسلامية من الوفاء بهذه النسبة،[11] وبالتالي فتأثير مقررات لجنة بازل 3 سيكون أقل بالنسبة للبنوك الإسلامية مقارنة بالبنوك التقليدية ،كما أن البنوك الإسلامية تصبح أكثر تنافسية في محيط يفرض التعامل بكل شفافية و لكن بحذر أكبر.
وفي المقابل يرى بعض المحللين عدم تلاؤم إدارة السيولة للبنوك الإسلامية مع المعايير التي توصي بها لجنة بازل 3، والتي قد تتلاءم مع العمل المصرفي التقليدي أكثر، فبالنسبة للوفاء بمتطلبات السيولة –النسب الجديدة -LCR ،فإن المؤسسات المالية الإسلامية ونظرا لمحدودة استثماراتها قصيرة الأجل ، اضف إلى ذلك عدم وجود سوق مالية إسلامية متقدمة سيؤثر على قدرتها بالوفاء بهذه المتطلبات،
[1] . www.BIS.org : Basel III :
- A global Regulatory frame work for more resilience banks and banking systems (rev. June 2011).
- international frame work for liquidity risk measurement , standards and monitoring
[2] . بازل 3 مجموعة متكاملة من التدابير الاصطلاحية التي تهدف إلى تعزيز التنظيم والإشراف وإدارة المخاطر للقطاع المالي والمصرفي ، إضافة إلى تحسين قدرته على استيعاب الصدمات الناجمة مهما كان مصدرها (إتحاد المصارف العربية ، بازل 3 ، 2010 ، ص9) .
[3] - الراجحي المالية، اتفاقية بازل نهج علمي، أبحاث اقتصادية ، السعودية ،أكتوبر2010،ص1.
[4] - معهد الدراسات المصرفية ، نشرة توعوية ،اضاءات ، السلسلة الخامسة، العدد 5، دولة الكويت، ديسمبر 2012،ص 3.
[5] - الراجحي المالية، مرجع سابق،ص1.
[6] - معهد الدراسات المصرفية ، مرجع سابق،ص 3.
[7] محمد بن بوزيان، بن حدو فؤاد، عبد الحق بن عمر،البنوك الإسلامية و النظم و المعايير الاحترازية الجديدة: واقع و آفاق تطبيق لمقررات بازل3، المؤتمر العالمي الثامن للاقتصاد و التمويل الإسلامي-النمو المستدام و التنمية الإسلامية الشاملة من منظور إسلامي، الدوحة، قطر، ديسمبر 2011.
[8] - فلاح كوكش،أثر إتفاقية بازل 3 على البنوك الأردنية،معهد الدراسات المصرفية، جانفي 2012،ص2.
[9] - محمد الخنيفر، المصرفية الإسلامية ترقب النسخة المحسنة التي ستطبق العام المقبل .. ستاندارد آند بورز: بازل 2 فشل في حماية المصارف من الائتمان .. وبازل 3 سيدعم ميزانيات البنوك الإسلامية ،الالكترونية الاقتصادية، العدد 6075، الرياض،30ماي 2010.
[10] Adel HARZI ,The impact of Basel III on Islamic banks:A theoretical study and comparison with conventional banks, Paper presented first time at the research chair ”ethics and financial norms” of University Paris 1 La Sorbonne and the King Abdul University (Jeddah), p14.
[11] GLOBAL ISLAMIC FINANCE INDUSTRY, Islamic Financial System and Financial Stability, GIFF 2012, p37