استوقف الكثيرينَ خبرٌ ظهر على واجهات عدد من المواقع الالكترونية وقد تداولته بكثافة شبكة التواصل الاجتماعي على أن مصدره مستقى من داخل مجلس الوزراء بعيد انهائه.
ويقول الخبر إن رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز خاطب الوزراء قائلا "لا تغادروا فإن وزير الدفاع ومرشح الرئاسيات المقبلة محمد ولد الغزواني لديه كلام مهم يريد إسماعكم إياه وهو مغادر منذ هذه اللحظة في خروج نهائي من الحكومة".
ويواصل الخبر أن ولد الغزواني تناول الكلام فقال ما ملخصه أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، "صديق دربه وملهم مشوارهما بحلوه ومره، كان الضياء الذي استضاءت به الظلال من حوله، وأنه هو ذاته القائد الذي رفض جازما، وبمحض إرادته واحترامه لمتن الدستور وبرا بقسمه على المصحف الشريف، ولما ألح الجميع، الترشح لمأمورية ثالثة، وأنه كذلك هو من قرر أن أترشح بدلا عنه ولم أكن قد فكرت في الأمر لحظة مكتفيا برئاسة ولد عبد العزيز وقيادته النيرة للبلد".
وتضيف صياغة الخبر أن ولد الغزواني أختتم كلامه بأنه قبل الترشح لرئاسة الجمهورية بعد أن أصر على ذلك الرئيس ومحمد ولد عبد العزيز، على أنه "يتعهد أمامهم بأنه لن يكون سوى امتدادا له ولن يحيد مطلقا عن النهج الذي ورسمه وأنه سيتبع أسلوبه في قيادة البلاد مستلهما من صرامته ونير توجيهاته"... انتهى.
من هنا كان لا بد من الوقوف بتمهل يقتضيه مراد تمرير المحتوى الذي يسبق القراءة بين السطور واستجلاء جوانبه ومغازيه، من قبل أن يتم القطع بصحته ودقة ما جاء فيه، علما بأن نص الخبر "عزى" لـ"مصدر" من داخل مبنى المجلس دون ذكر اسم بعينه أو تقديم تسجيل مبين لتصريح يعتمد. كما كان من الأكثر انسجاما مع قواعد النشر الإعلامي الاحترافي الملتزم بشروط المصداقية وأخلاقيات المهنة مراعاة عدم الإسراع في النشر الذي ظهرت فيه سوقية السرد وبدا بعده عن محاذاة المنطق السياسي وقواعده واشتراطاته.
ومما لا شك فيه أن المترشح، وزير الدفاع الأسبق، محمد ولد الغزواني قد أبان في خرجته التمهيدية وإعلانه عن نية الترشح عن شخصية متوازنة جمعت بين:
- القدرة على الإفصاح بلغة بالغة الوضوح عن طموح الترشح الشخصي بثقة تامة،
- الاستقلالية في اتخاذ القرار حيث لم يقبل خلفية لأي حزب لحظة الإعلان،
- وربط حقب تاريخ الدولة ذات الثمانية واخمسين عاما كحلقات متصلة ببعضها مما يشير إلى أنه إن نجح لن يكون ظلا وإنما رئيس مرحلة سيكون لها ما لها وعليها ما عليها.
فكيف إذا لهذه الثقة أن تتحول إلى سراب يحسبه الظمآن ماء بعصى سحرية تخرج من مائدة مجلس الوزراء وتحول هذا اليقين في استواء الشخصية إلى شك يحيل إلى التبعية الرعناء؟
لا بد للإجابة عن هذا السؤال الذي يقوى على ضعف مسبباته من تفهم الظرف الذي اكتنف هذه المسببات والبحث عمن بنوها على أنقاض محبطات لها وجاهاتها وقد نالت من طموحاتهم التي تسببت في انهيار قصور أوراقهم الوهمية، مما يترك الباب مفتوحا أمام إمكانية أن يتأتى الأمر في سياق ما هو معروف بـ"الكيد السياسي"، الذي هو سلاح يستخدم في مرحلة اليأس من بقاء الأحوال على سابق عهدها والخشية من ظهور مد جديد يقلب الموازين و يعيد ربما الأمور إلى جادة الإصلاح و استرجاع البلد لبعض العافية يدخل معها في مرحلة النهوض من ركام الفساد ونير الجور و الغبن و الاقصاء و تبديد مقدرات البلد في صفقات خاسرة مقابلة فتات من تحت الطاولة و استحواذ أقلية و بكل جراءة على الأموال و العقارات العمومية فيما تئن الأغلبية تحت وطأة الفقر و الفاقة و الحرمان و الغبن.
فهل حقا يحيق الكيد السياسي بغير أهله؟