رسالة مانديلا لرئيس مصر الجديد / أحمد فال ولد الدين

altأخي الكريم الدكتور محمد مرسي عيسى العياط.. أولا أهنئكم بتجاوز الشعب المصري هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، وبانتخابكم رئيسا لبلدكم العريق. أكتب لكم هذه الأحرف بعد أن رجعت إلى مسقط رئسي في قرية كونو وابتعدت عن تفاصيل السياسة. فصحتي لا تسمح لي بتتبعها، غير أني حرصت على متابعة القصة المصرية نظرا لمحورية بلدكم في القارة الإفريقية وحرصي على نجاح تجارب التحول الكبرى في تاريخ الأمم.

أنا لست في موقع من يستطيع تقديم الدروس لكم، لكن لا مانع من الحديث عن التجارب لأخذ العبر من نجاحات الماضي وإخفاقاته.

من سخرية الأيام أنني دخلت القصر الرئاسي ( The Union Building) بمدينة برتوريا عام 1994 بعد تأسيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي كان محظورا بـ 83 عاما. وأنتم اليوم تدخلون قصر بالرئاسة بعد تأسيس جماعة الإخوان بـ 84 عاما. لا أريد هنا تأسيس نظرية في العلوم السياسية لكن المصادفة لافتة. وعليه فأنتم تمسكون السلطة بعد كفاح مرير من جماعة عميقة في المجتمع المصري نابعة من تلك التربة التي سقاها النيل بالنبل والكرم والتحضر منذ آلاف السنين. الفرق بين جماعة الإخوان وحزب المؤتمر الوطني أنكم تعرضتم لأصناف من التعذيب والتنكيل داخل السجون لم نتعرض لها. فنظام الفصل العنصري كان ظالما لكن كانت لديه قوانين، فما كان مناضلونا يجلدون داخل السجون. وبما أن وصولكم للسلطة جاء من رحم تلك المعاناة، أتمنى أن لا تعود تلك الصور فتنعكس سلبا على تعاطيكم مع الآخر.

وحتى لا تستغرقنا تفاصيل التاريخ وأحابيله هذه ملاحظات أتمنى التفكير فيها من طرفكم.

- ضرورة الإجماع. إن الإجماع صعب وعزيز في لحظات التحول الكبرى لكنه يعصم من الزلل وذهاب الريح ويقي من ضياع الفورة الثورية في المعارك الجانبية التي لا تقدم البلاد، وإنما تنصب على تصدّر أفراد أو أطراف منه. وأنا لمست من خلال متابعتي لما يجري هناك، أن بعض الوجوه السياسية (السيد حمدين صباحي أفضل مثال) تكره حزبكم أكثر مما تحب الثورة، وتتعجل السلطة أكثر مما تتعجل ميلاد الديمقراطية. لذلك أرى أن عليكم تجنب ذلك وما ذاك بالأمر الهين. إذ أذكر جيدا أن أكبر صعوبة واجهتني يوم بدأنا مسارنا الديمقراطي هو احتواء حزب زولو إنكاثا بزعامة الأخ بوتيليزي.

- الاعتماد على قوى الثورة الحقيقية. لقد علمنا كرّ الأيام وتواتر السنون أن الشباب الذي قدم لحمَه الطاهرَ لكلاب الشرطة في حارات سيوتو هو المدد الحقيقي للتغيير. كما أن الشباب الذي داسته عجلات سيارات الشرطة في حنبات القاهرة هو المدد العاصم لأي تغيير ستنشدونه. لذلك أقترح أن تبرز وجوه شبابية من أهل ميدان التحرير في حكومتكم الجديدة بأي ثمن.

- احتواء النظام القديم. إن أي ثورة أو تغيير جذري يتركان عادة ملايين الأيتام من النفعيين والمطبلين والخائفين ولحيارى. هذه الكتلة هي التي كان النظام السابق يعتمد عليها وقد أكسبتها الأيام خبرة ومالا وعلاقات تمثل عادة أكبر خطر على النظام الديمقراطي البديل. وقد تجلت قوتها في تصويتها لخصمكم السيد أحمد شفيق. لذلك يصعب تجاهلها، لكن يمكن تحييدها بهدوء. يمكن ذلك بواسطة رسائل الطمأنينة المتكررة ثم بتوظيف بعضها ممن لم يرتكب جرائم ويمتلك خبرات يحتاج إليها البلد، مثل رجال الأمن وبعض الإداريين المميزين.

- تصحيح البدايات. فما اقترفته أيدي العسكر خلال الساعات الأخيرة من الانتخابات هو آخر طلقة في جعبتهم. لكنكم الآن تملكون الشرعية الحقيقية لذلك لا بد من التشبث بوقف “الإعلان الدستوري المكمل” وإلغاء كل القوانين التي وضعها العسكر ساعات قبل فوزكم بالرئاسة. سيحاول العسكر الوقوف في وجهكم، لكن الخلط بين شرعيتكم وشرعية الميدان سيعدل الكفة لصالحكم في النهاية. إن الانطلاق بدستور ديمقراطي حقيقي يجد فيه كل مصري ذاته هو الكفيل بصون ديمقراطيتكم الوليدة.

السيد الرئيس،

لقد دحضت شعوب منطقتكم كل النظريات التي راهنت على نهاية عصر الثورات – مثل نظريتي فرانسيس فوكوياما وجوف جودين- وأثبتت أن الثورة ظاهرة لازمة أنى وجد ظلم أو استبداد. لذلك لا أشك لحظة أنكم ستعبرون إلى عالم الحرية والسلام مهما كانت المصاعب.

أتمنى أن يكون في الأسطر أعلاه ما يستأنس به، كما أتمنى لكم نجاحا باهرا وتقدما زاهرا.

أخوكم: نلسون روليهلاها مانديلا
كونو/ أمتاتا، جنوب إفريقيا.

5. يوليو 2012 - 13:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا