من كل البلدان الناطقة والعاملة باللغة الفرنسية لا شك أن موريتانيا هي الأضعف أداء بها والأقل استفادة منها. الشواهد على ذلك تفقأ العيون ولا تحتاج عناء التبيين.
فبينما يتخاطب الناطقون بها في دول المغرب العربي الثلاثة (تونس والجزائر والمغرب) بسهولة واقتدار وطلاقة وكأنها لغتهم الأم، وفي الغرب الإفريقي الذي تنتمي إليه موريتانيا بحكم الجوار واشتراك المستعمر الفرنسي وتقاسم لغته، تمتاز النخب في بلدانه كمالي، واتشاد، والنيجر، والسنغال، وبوركنا فاسو، وساحل العاج ودول أخرى، بسهولة التخاطب بالفرنسية وانسيابية صرف أعمال الحياة اليومية بها وسمو تناول الشؤون الفكرية والقضايا الاجتماعية الكبرى والسياسية والتنظيمية والقانونية والاقتصادية. كما أنها هي لغة التأليف العلمي والأدبي الأولى في كل هذه البلدان الإفريقية بمن فيها المغاربية.
حقيقة يفصح عنها سوق الكتاب ومعارضه تماما مثل ما مبين بها رفوف المكتبات في الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى والمحافل العلمية والدوائر الثقافية والفكرية الأخرى، وفي الحياة الفنية مسرحا وسينما.
وأما الناطقون بالفرنسية في موريتانيا فإنهم يعانون من انفصام لا يحمل اسما و لا يفسره مسوغ تحمل معالمه جملة من النواقص المقيدة وقد حطتهم في مأزق القابض على الجمر في اليد أو مأزق شبيه بالذي وقع فيه بائع الزيت الذي أمسك بيديه وتحت قدميه فتحات قربه لا يستطيع ربط أي منها دون أن يسيل هدرا زيت بالأخريا، وإنه علاوة على:
- صعوبة الأداء السهل بها على مستوى النخب aisance au parler sans،
- وقلة الإنتاج بها في كل حقول ودروب المعرفة العلمية والأدبي production nulle ،
- وانعدام الجودة فيما يتم من الجهود في هذا النحوqualité qui laisse à désirer ،
- وتدني مستوى التعليم بها niveau bas de l’enseignement ،
- وغياب الإبداع بها absence de la création en tous domaines،
فإن ثمة عيبا أدهى وأمر يقيد منذ كانت كل نخب البلد عن الإنتاج والنهوض، يتمثل في الادعائية المفرطة بالألمعية والتفرد والعمى عن ولقع التردي المعرفي وغياب إرادة التحسن رفع تحديات عصر ألمعيوه بنوا بلدانا نامية، عصرية ومدنية تمكنت من ناصية العلم بعدما ترفعت عن أمراض القلوب وظلامية الطرح وسلبية التنافس على واهم المكانة وفتات لا يكتسب بالجهد الخالص والاستقامة المبدئية.
وعلى عكس دول الغرب العربي حيث استقوت اللغة العربية من خلال التنافس الإيجابي مع اللغة الفرنسية وبها إلى حد أصبحت على مستوى عال من الجزالة والانسيابية وحمل الرسائل كلها بثقة وجدارة، وحيث قويت بدورها الفرنسية واستوطنت العقول التي استرجعت كل الثقة وقد غادرتها عقد النقص والدو نية، فإن الفنكوفونيين الموريتانيين لم يتجاوزوا بعد عقد لغاتهم وعلى رأسها العربية، لغة البلد الرسمية، فضيعوها بعدما لم يتمكنوا من ناصية الفرنسية ليستفيدوا بها ويفيدوا البلد وليحفزوا لغاتهم التي لا ينقصها سوى الاهتمام بها والإرادة الصارمة لإحلالها مكانتها الشرعية في الترتيب و العمل.
وبالطبع فإنه لا يمكن فصل قضية ضعف مد الفرنسية، من خلال ضعف الآخذين بها وما تسببت فيه من إضعاف اللغة العربية وتغييب اللغات الوطنية الأخرى، عن سياق ضعف مسار البلد بكل أوجهه التنموية والسياسية والثقافية منذ الاستقلال إلى اليوم على مدى كل سنوات استقلاله الثمانية والخمسين.
ويبقى الأسو من هذه الوضعية الشاذة مع الفركفونية التي يتغنى بها من حولنا آخرون قد مهدوا لأمرها بجدارة وامتلكوا وسائل وقدرات ومنهجيات تربوية لغة معبرة عن الحدث ورسالته أهدافه، هو الخواء الذي يحتفى بها فيه بلا تردد و لا إحساس بهشاشته ونواقصه و خطورته على مدرك لغات البلد الأخرى و قد باتت فريسة لهذا الضعف لا شريكا في النهوض بالبلد لغويا و علميا و تنمويا.
فهل نظل نخادع أنفسنا ولا لغة لنا ندخل بها تحت قبة العصر وننافس ونبني نهضة طال انتظار قيامها؟