منذ أكثر من شهر أرعدت المعارضة الموريتانية وأبرقت، وتوعدت سكان نواكشوط بغيث جماهيري عميم يخلصهم من نظام ولد عبد العزيز، وواعدتهم بمهرجان الخلاص الذي أطلقت عليه صفة "الحشد الكبير"، وحددت له يوم الـ23 من يونيو 2012 موعدا لن تخلفه أبدا..
ومع ساعات الصباح بدأ النفير، وأعيدت منصة الخطابة في ساحة بن عباس أمتارا إلى الوراء ترقبا لسيل الجماهير العرم، الذي سيقتلع النظام من جذوره..
وأمام دار الشباب حيث مكان التجمع الرئيسي، فعلت الحماسة فعلها، في نفوس الثوريين الجدد الذين سيملأون الأرض "عدلا" بعد أن ملأها النظام "جورا"، وتواعد المنظمون وقادتهم قرب مباني الإذاعة ليلتحقوا بالمسيرة، بعد أن تكون قطعت نصف المسافة، لطفا بالزعماء الذين بدأ "الروماتيزم" يأكل من مفاصلهم، وأخذ منهم الوهن كل مأخذ، نتيجة لعوامل متعددة لا مجال لذكرها هنا..
بتثاقل سار المتظاهرون على شارع جمال عبد الناصر، كانوا خليطا من أنصار الليبراليين والإسلاميين واليساريين، بعضهم جاء لقناعة، وبعضهم جيء به لأمر لا يفقه عنه الكثير..
هذه المرة غابت اللافتات تقريبا، وغاب معها الزنوج والعرب السمر والاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، وطلاب الثانوية الوطنية، الذين يحدوهم الفضول عادة للالتحاق بالمسيرات التي تمر أمام ثانويتهم...
كان المشهد صاعقا للقادة الذين يراهنون على "جماهيرهم" فقد بدا الحضور متواضعا جدا، لدرجة لم يتوقعها أحد، وهو ما انعكس سلبا على خطابات الزعماء وأصاب الجميع بخيبة أمل، على الرغم من محاولات كبيرهم رفع الروح المعنوية للحضور بصياحه المتعالي في مكبرات الصوت.. "الرحيل... الرحيل.. الرحيل".. لكن لا حياة لمن ينادي، فقد كان أشبه بمن ينفخ في قربة مثقوبة..
مع الأسف – يقول أحدهم- يبدو أننا دخلنا مرحلة العد التنازلي لعمل المنسقية، وحين استوضحته- دون أن يتعرف علي- أطلق زفرة عميقة، وقال : "لا أدري السبب في هذا الاستنزاف المتواصل لشعبية المعارضة، ففي كل مرة يتناقص العدد.."
تلك حقيقة باتت تقلق القادة الذين رفعوا سقف مطالبهم إلى أعلى حد، ولم يتركوا لأنفسهم من خيار سوى المضي قدما في مطلب الرحيل، أو التراجع عنه، وفي كلتا الحالتين يحفرون قبورهم بأيديهم، ويضعون نقطة نهاية أمام مساراتهم السياسية.
ففي الحالة الأولى بات معلوما لدى الجميع أن عدة وعتاد الرحيل لم تعد مغرية بما فيه الكفاية، خاصة بعد مهرجان الحشد الذي لم يكتمل، وفي الحالة الثانية فإن التراجع عن سقف المطالب هذا يضع آخر مسمار في نعش المنسقية التي بدأت تتآكل من الداخل..
وبالمحصلة فإننا لن نجانب الصواب إذا قلنا إن الحشد الذي لم يكتمل، ربما كان آخر "حشود" المعارضة، فكما وجدت الاعتصامات طريقها إلى النسيان، فإن سلسلة المهرجانات ستسلك نفس الطريق، خاصة وأن كل المؤشرات باتت تشير إلى ذلك..
ولعل العطلة الدراسية، وحلول شهر رمضان، وموسم الخريف، إضافة إلى الهوة العميقة بين قادة المنسقية أنفسهم، وإفلاس الخطاب السياسي لهؤلاء، كلها عوامل موضوعية تؤكد نهاية مرحلة لم تدم طويلا، من الكرنفالات والتمظهرات الشعبية التي كانت زائفة...