لا خلاف حول أهمية المدرس، فهو الشمعة المضيئة والمصباح الذي ينير الطريق لغيرة، وهو جسر العبور الآمن، وهو مطية الشعوب؛ بوابتها الكبرى نحو الرقي والتقدم، ومفتاحها الفعال في وجه كل المشاكل والعراقيل والأزمات. توارثت أغلب المجتمعات الاهتمام بالمدرس ولازمها الاعتناء به. اختلفت عقائد الأمم وتباينت مشاربها الفكرية، وتعددت أولوياتها؛ تنافرت اهتماماتها واتفقت على أهمية المدرس، اتفاقها على أهمية السلامة للعقل والصحة في الحياة، وضرورة الأكل والشرب والتنفس لذلك. لم يكن المدرس -في أي مجتمع- غير ذاك الذي يزكي الأنفس لتكون سليمة مستقيمة وينشئ العقول لتكون راجحة، يتعلم على يده الصغير والكبير، به تنتشر الفضيلة وتحاصر وتقل الرذيلة، بنوره يتآلف الجميع في ضياء، ويعم السلام في هدوء وسكينة، يحدث ذلك كلما كان للمدرس في مجتمعه قيمة ولجهده عندهم صدى وتأثير، فيزرع القيم ويحتضنوها في بستان حياتهم الندي بها؛ لهفة وشغفا، فتنمو وتثمر وتغذي وتؤثر.. وبعكس ذلك إهمالا للمدرس؛ ينتشر الطغيان، وتضيع العقول، ويتجاوز الصغير الكبير في معانقة الرذيلة، تسود الحرابة والسرقة، ويكون محيط المدرسة أرضية خصبة لنمو وتطور الجريمة، وتكون الطرق والمنازل من حولها بؤر لتكاثر ذلك واستنساخه وانفجاره في لحظة تعز فيها السيطرة وتنتشر الشظايا ويعم الضرر البادي على جسم المجتمع الذي كان حاضنة لنواة الانفجار، أصيب العقل الأمين بعد الإهمال بتغافل المؤتمن؛ فاستفحل الخطر وعم الضرر وعجز الجميع عن المواجهة بعد أن كانوا هم أداة التمكين وقناة التغذية!. ليس من النباهة في التوجيه ولا الأمانة في الطرح ربط كل مشاكل المدرس بالجانب المادي واعتبار مستقبل المنظومة التربوية متوقف عليه، وليس من الواقعية حصر الاهتمام بتوفير المتطلبات المادية أو اعتبار العكس حاصل لا محالة.. لكن الجانب المادي للمدرس جزء من المشكلة القائمة حالا، وهو الذي ينبغي أن يكون جزءا من الحل، بل مفتاحا من مفاتيحه، ومحفزا أساسيا على حصول الجودة وإحداث الفارق وتحسين المخرجات. كلنا يعي أن الاهتمام والرعاية مفاهيم تتجسد بالتركيز على الجوانب المادية والمعنوية مجتمعة، يحاط المدرس من خلالها بكامل العناية؛ توفر له الوسائل التي تمكنه من أداء مهامه على الوجه المطلوب موازاة مع جعله في ظروف مادية تشعره هو قبل غيره بالرضا التام وراحة البال التي تبعث على التفرغ للقيام بالواجب دون اللجوء إلى مكملات تخلف تبعات على الجهد والأداء وجودة العطاء.في هذه الأيام يتطلع كثير من الموظفين إلى الاستفادة من علاوات أوصى رئيس الجمهورية بتوزيعها على الموظفين، تباينت مبالغ هذا التوزيع من فئة لأخرى وأبانت عن إقصاء الفئة الأهم والشريحة الوظيفية الأعرض، فئة (المدرس) -معلما كان أو أستاذا- وهي الفئة التي تحمل العبء الثقيل وتناط بها المسؤليات الجسام وينتظر منها تحديد مستقبل أجيال الغد وبناة الوطن، وتحديد مسار التنمية. من الجيد معالجة وضع الموظفين ومن المهم تحسين وضع عمال بعض القطاعات التي تحتاج ذلك، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك الإجراء الذي يراد منه التحسين والإرضاء مبعثا على التشويش ومهيجا للانزعاج، فما حدث -مثلا- على مستوى قطاع الصحة كان حريا أن يواكبه إجراء آخر لقطاع التعليم؛ إن لم يكن هو شاملا لذلك، فالتعليم هو الرافد الأساسي لكل القطاعات..فلا وجود لطبيب يزاول مهنته إلا بالتعليم ولا وجود لرجال أمن مخلصين دونه، ولا وجود لأي مواطن إيجابي في أي مرفق حكومي أو في غيره دون جهود التعليم وتضحيات المدرسين، وبالتالي ليس من اللباقة الإجرائية حرمان *المدرس* من العلاوات التي أمر رئيس الجمهورية بتوزيعها، وهو الذي يخوله القانون ذلك، وكان بالإمكان حرمان مديري المدارس والثانويات منها لولا التدخل المباشر من *الوزيرة* -حسب ما أذيع- ومطالبتها بإشراكهم وهو ماحصل *بأمر من الرئيس نفسه* لكن كان عليها وعلى غيرها التنبيه على أن المدرس المرابط في الفصل هو أهم عنصر في المنظومة التربوية وهو فرس الرهان، وكل تحسين يشرك فيه هو ربع عزة وغيره لا تحصل معه رفعة ولا تنمية ولا معزة.