معارضة كذا / الماه ولد العويسي

عندما أراد عظيم فرنسا الجنرال شارل ديجول ، التهكم على منظمة الأمم المتحدة ، وهو المعروف بحدة عدائه لذلك التجمع العالمي العديم الفائدة ، وصفها  في إحدى خطبه  " بمنظمة  كذا " .، وفى سبيل بحثي عن كلمة أصف بها خواء، وبوار،  معارضتنا المسكينة، لم أجد تعبيرا أدق، ولا أصدق،  من ذلك الوصف.، فالجنرال علاوة على كونه محرر فرنسا، فهو خطيب لا يبارى...

لقد كان بوسع معارضتنا أن تكون أداة تغيير في حياتنا السياسية المعاصرة ، وأن تساعد من موقعها الذي يستمد قوته من دستور البلاد ، في تأطير المجتمع سياسيا ، وأن تبث في صفوف قواعدها ثقافة الديمقراطية ، وما تدره من حقوق وحريات عامة وخاصة... لكن وعوضا عن ذلك ، سعت تلك المعارضة وبشكل يبعث على الشفقة إلى هدر جهدها ، وتبديد قواها ،  حول أمور لا تؤدى إلى غايات ، بل هي أقرب إلى الهرطقة ، منها إلى مسلكيات ، وأساليب  العمل السياسي الجاد ، كما عرفته المجتمعات ، والنخب السياسية .،ولعل هذا ما أدى من بين أمور كثيرة ، إلى حالة الإحباط ، واليأس ، التي تنهش معارضتنا ... 

لم تكن المعارضة في يوم من أيام " نضالها " أقرب إلى تحقيق أهدافها، ومشاريعها من أيامنا هذه. والتي تشهد فيها البلاد تحولا سياسيا، سيكون له ما بعده، . وذلك إثر الإعلان التاريخي الذي فتح بابا واسعا للتناوب السلمي على السلطة،  والاحتكام لما تفرزه صناديق الاقتراع. ، تحدث كل تلك التطورات، وتنفرج تلك الآفاق، ومعارضتنا المسكينة ما تزال أسيرة أوهامها، وتصوراتها القديمة دون أن تدرك مدى  الخطأ والخطر الذي أقحمت نفسها فيه ، لقد كان من اوجب واجبات المعارضة أن تعد العدة استعدادا ليوم الحسم لكنها وعوضا عن ذلك أضاعت عشر سنوات من عمر نضالها ،وهى تبحث عن وجهة  " 50 مليون دولار"  و " صناديق كمب با "

و" الرصاصة الصديقة " و " الباء الطائرة " ، وأخيرا وليس آخرا سعى الرئيس إلى " خلافة نفسه " و " الحنث بالقسم. ".. وهلم جرا...

لم يكن يدر في خلد " أبطال معارضتنا " وهم يتبادلون التهاني ، إبان الإفراغ  من صياغة المواد المحددة لعدد المأموريات ، وسن  الترشح  لمقعد الرئاسة ، عقب انتهاء المرحلة الانتقالية الأولى ، أن الأمر لم يكن سوى حيلة ذكية لجأ إليها بعض خصومهم لإخراجهم من المشهد السياسي ، وإلى الأبد ، وهكذا راح خلق كثير من فعالياتنا السياسية ، ومرجعياتنا النضالية ، ضحية سهلة لإنعدام  فطنتهم السياسية ، وتلك لعمري من أعظم المحن التي تصيب مقاتل السياسيين : وإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة ، وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم !. وهكذا، وبجرة قلم، وبيدي لا بيد عمرو،  كما يقول العرب، وجد الكثير من ساستنا، وأرباب أحزابنا،    أنفسهم خارج المشهد.

ولو أن الأمر وقف عند ذلك الحد لقلنا مرحى ، بل الأدهى والأمر أن معارضتنا ظلت تقدم خدماتها لكل الأنظمة التي سعت دوما إلى تقويضها ، فلقد أستطاع ولد الطائع  أن يؤثث بها أروقة بنيانه السياسي،  فيوهم الدول الغربية ، والأطراف النافذة أن نظامه يسمح بالتعددية ،  والانفتاح السياسي ، بينما واقع الحال يكرس الأحادية والشمولية السياسية، وظل دوما يعلن أمام الرأى العام المحلى والدولي ، أن الأغلبية والمعارضة تتعايشان بكل حرية وانسجام... وهكذا ظلت معارضتنا " المغرر بها " تسند ذلك النظام  ،

وتبقيه ، حيا معافى، رقم كبواته، وعثراته، والتي بمقدور كل واحدة منها أن تنهض لوحدها سببا كافيا لإنهائه والقضاء عليه. ويمكن تشبيه دور معارضتنا في خدمة تلك المرحلة ، بدور الأجهزة الطبية التي تبقى المريض الميئوس من شفائه على قيد الحياة ، رغم وفاته سريريا ، وبالمناسبة فمازالت تلك التجهيزات غير متوفرة لدى مستشفياتنا...

لقد أخفقت معارضتنا – حتى كتابة هذه السطور- في إيجاد منقذ من خارج صفوفها، فتدفع  به  إلى الجلاد الانتخابي ، فيلملم شتاتها  ويخلصها من نفسها ، وتتخذه كورقة توت ، لإخفاء تشرذمها ، وكونها ، لم ، ولن ، توجد على قلب رجل واحد ، وتلك قصة أخرى...

 

25. مارس 2019 - 16:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا