طوفان الغضب / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altامتعاض شديد يصل أحايين عديدة إلى حد الغضب في أوساط متنوعة من هذا الشعب الكريم، فما الذي يدفع الناس في ظل حكم ـ ولد عبد العزيز - إلى الغضب، الذي تحول إلى الاحتجاج والخروج إلى الشارع، ضمن تحركات ومسيرات مأذونة وغير مأذونة؟!!.

إن الاقتصاد يلعب دورا حساسا في حياة الناس، فسورة قريش (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) إشارت إلى دور (الإطعام من جوع) في خلق الاستقرار المصحوب بالأمن من الخوف. قال تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف). في ظل هذا الحكم العسكري الأحادي الاستنزاف يزداد قلق السواد الأعظم من الناس على فرص التكسب الكافي، لأنهم يرون - بصورة متزايدة – هيمنة أقارب الرئيس –على وجه الخصوص - على جل الكعكة المتاحة دون إشراك شريف للآخرين، وإن وقع منح فيكون من مالك (شرعي) لمتسول ينبغي أن يرضى بما أعطى، فدرهم العطية لا يقلب، وهذا الأسلوب لن يصبر عليه من تسيل الدماء الحرة الشريفة في عروقه، ولو تطلب الأمر قطعها والخروج من هذه الدنيا إلى سعة الأخرى وعدلها، وليس طبعا على وجه الانتحار، وإنما على سبيل الاحتجاج الثوري الهادف إلى اجتثاث مصدر الألم الكبير الجماعي، عزيز وثلته النافذة الظالمة، سواء من المدنيين أو العسكريين. ويلاحظ حرص كثير من العسكر على بقاء واستمرار هذه الدوامة، لأنهم شباع من الحرام والمشبوه!، وهذا بعيد من الرحمة والوطنية الحقة. فمتى يتبرأ بعض الآكلين من المائدة العمومية ـ من كلا الجهتين المدنية والعسكرية ـ من هذا الظلم الاجتماعي الفاضح، فنحن معشر الجائعين المطرودين من أجواء نعيمكم الحرام الهابط، لن نسكت على الدوام، ولن نكتفي على الدوام بالرفض بالكلمة، فيوما ما ستفرض الأوضاع أسلوبا آخر، إن لم تبادروا إلى الابتعاد عما لا يحق لكم الاستئثار به، على حساب الأغلبية المسحوقة المحرومة المقهورة؟!. من أنتم ومن نحن؟، حتى يستمر هذا الهوان القاتل، و من الأحق بتراب وخيرات هذا الوطن؟، ومن ضحى في سبيل هذا الوطن؟، ومن أثبت وجوده على أديم هذه الأرض بدمه وبذله وتاريخ آبائه وأجداده، قبل قرون من قيام هذه الدولة الوطنية الوليدة؟!. إن هذا المواطن السنغالي، المتجنس حديثا، والذي يحمل باكلوريا سنغالية مزورة، وقد ولد على أرض (اللوك) وبوجه خاصة "دار مستي" وعاش فيها إلى سن الستة عشر ربيعا، آن له أن يعرف قدره في هذا الوطن، فللبيت رب سيحميه، وللعرين حمي ورجال أقوياء أشاوس، سينهون هذه المهزلة، دون ظلم او إقصاء أو شطط، ولكن مع وقف حازم لهذا الترهل والضياع نحو المجهول المعلوم. ومهما سالت الدماء أو لم تسل ـ لا قدر الله ـ فإن هذه الإشكالية ستحل قريبا ـ بإذن الله ـ حسب كل المؤشرات، لأن استئثار بعض العسكريين والمدنيين ـ المقربين من النظام البائس القائم ـ بأغلب المتاح، من الثروة والنفوذ على حساب الأكثرية، أمر لا يستقيم، ولا قابلية ـ منطقا ـ لتواصل هذا الظلم. فأن يشبع أفراد من شعب برمته، لصالح جوع ومرض وحرمان وورطة جل المواطنين الشرفاء، أكرر، لا صبر على هذا الطغيان في الميزان، قال تعالى: (ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) سورة الرحمن. ربما كان مرد بعض غضب الناس، والمحتجين بصورة خاصة، إلى هذا التطفيف في الكيل والقسمة الضيزى، السائدة في إدارة عزيز وحكم عزيز، البين الخلاف مع حكم عزيز مصر أيام يوسف عليه السلام، ويكفي أن نتذكر من حين لآخر، أن "إفيل " ابن خالة الحاكم العسكري الانقلابي، وخازن ماله المشبوه، ورجل ثقته في الجانب الاقتصادي، يخسر آلاف اليورهات في كازيناهوت "لا س بلماس" في الوقت الذي تتسع فيه رقعة الجوع والعطش والحاجة في أوساط أغلب شعبنا المغبون المغلوب ـ مؤقتا ـ بإذن الله على أمره. ومما قد يغضب بعض الناس تغييب العدل وعدم تطبيق شرع الله، فالكثير من المواطنين يعتقد جازما أن غياب العدالة في ساحة "مقاطع الحقوق" وتسيير الشأن العمومي، وعدم الحكم بما أنزل الله وحده، هو مرد مأساتنا وورطتنا. إن الإنسان من صنع ربه، وقد أنزل له قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، وله فيه منهاجا شاملا، لكل أمر أو نازلة، وعليه التقيد بهذا الطريق وحده، دون خلط أو اجتزاء، أو تهاون في الاستمساك بهذه العروة الوثقى. إن تعطيل بعض أمر الله خوفا من الآثار الاقتصادية أو سوى ذلك، وعدم السعي العملي إلى تجسيد حدود الله وحرمات الله في أقوالنا وأفعالنا، في حياتنا الفردية والجماعية، لعل هذا التفريط الواضح الجلي هو السبب في هبوط مؤشر نهضتنا والانتكاس إلى مستوى مثير مريب من الفشل والتمزق والخوف من المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية. فهل نؤوب إلى شرع الله، ولنحذر من تقريع الله لليهود في سورة البقرة (أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). وقال جل شأنه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) سورة النحل. وقد قيل يوما "تستقيم على الكفر ولا تستقيم بالظلم"، "العدل أساس الملك". فماذا عن مئات من حالات السجن، المفعم بتصفية الحسابات الخاصة، ونفوذ القوي على حساب السجين الضعيف المظلوم، وماذا نحن قائلون لربنا يوم يسأل بعض قضاتنا، ألم أقل في الحديث القدسي على لسان نبيكم محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم (إنى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)؟!. وآخرون ربما غاضبون من حالة الاستبداد والأحادية، التي تقتل كمدا قبل أن يقتل الجوع قرصا وفاقة وانهيار بدن أنهكته الحاجة والأدواء. فواحد يحكم ملاين الناس، دون استفتاء جاد، وقد جاء إلى سلطة أمرهم، غصبا وتزويرا، هذا الحال لا صبر عليه، وقد انتهى أوانه، وتحررت منه شعوب عدة، في إقليمنا العربي المسلم، فمالنا وهذا الخور والصبر على الباطل والسكوت الفاجر عن الحق: (الساكت عن الحق شيطان أخرس). أفضل الجهاد، كلمة حق عند سلطان جائر، حسب حديثه الشريف الصحيح صلى الله عليه وسلم. هذه بعض أسباب الغضب الجماعي، وإن بقيت أسباب أخرى محورية جامعة، فالأسباب التفصيلية قد لا تحصى بسهولة، فمن غاضب من موضوع "الكزرات" والحرمان وسوء المعاملة، وحرمانه من حقه في بضع أمتار من وطن شاسع المساحة، وأكثر الدول عالميا، رقعة وسعة مجال جغرافى. وبينما يجد غيره ما حسن و ما تميز من الأراضي ذات القيمة العقارية العالية ولم يفته أي توزيع للأراضي، منذ أن قامت دولة موريتانيا، يجد آخرون أنفسهم في طلب مستمر لقطعة أرضية واحدة، دون جواب شاف لغليل الحرمان من أرض الوطن الكبير!. وتتواصل قصة التنقل من مدينة إلى أخرى، ومن "كزرة" إلى أخرى ، في مسارات لا حصر لها، من التيه المؤلم المبكي المحزن بحق!!!. يا سبحان الله، ما أطول يوم القيامة، تحولت "اتراب" عند بعض المؤسسات مقابل المطار الى تجارة، وبو عماتو باسم المستشفى يستحوذ على قلب العاصمة دون إعمار أو استغلال، وبعض ملاك الأراضي لا قدرة له على حصر أملاكه العقارية، والسواد الأعظم منا لا يملك إلا لماما ـ والملك مجازا فالمالك الحقيقي هو الله ـ، والأكثرية لا حظ لها إلا "الكزرة" أو التأجير المرهق المذل، عند نهاية كل أشهر، أصبح أسرع من لمح البصر!. يا لطيف.. يا لطيف... ألطف بسائر عبادك ، وعبادك اللذين ينتظرون حظهم من التوزيعات الفوضوية الظالمة المرهقة، وينتظرون أحيانا المجهول، لتسديد إيجار قاس ودوري متكرر، دون توقف أوحل مريح دائم مقبول. يا سبحان الله (رئيس الفقراء) يتبجح بثلاث مليارات أو أكثر، مصرح بها، عند المحكمة العليا التي أقال ظلما صاحبها وقبل على مضض، ويقتل رئيس الفقراء هذا بالحرمان أغلب شعب يئن يوميا تحت وطأة الحاجة والألم المتنوع، الذي يزداد ولا ينقص، ولا ينبض معينه من الظلم والتفاوت والغبن. وشكوى وغضب آخر من الظلم في التوظيف المباشر في القطاع العام والخاص، وطريقة الإكتتاب عبر المسابقات الرمزية: "التكتيكية "، لأن المقبولين عند جهة التوظيف معروفين "بسيماهم" لا يحتاجون إلى اختبار أو تفتيش لقدراتهم، إلا على سبيل التمرير. وشكوى في البر والبحر والجو مما كسبت أيدي الناس من ظلم وتمييز فاحش مغضب مهين!!!. فهل يحتاج طوفان الغضب إلى شرح أو تفصيل حقا ؟!. يشكو الصبيان من قلة اللعب، لأن الحياة أصبحت جحيما لا يطاق، مما يرى أو يسمع من التمييز والمحسوبية، مما يعايش من الحرمان والحاجة والفاقة، التي لا حل لها أحيانا الى بيع الكرامة عبر التسول والتزلف، أو غيرهما من دروب البيع المعنوي المتنوع المر الزعاق. لقد ضاع مجتمعنا في مسالك من الخسران القيمي، لا حد له ولا صبر عليه. والمآل إلى مصير قاتم مهلك، إن لم نبادر جماعيا إلى الثورة البيضاء المسالمة الصارمة على الباطل المتكاثر المتفاقم، في كل حدب وصوب واتجاه. يشكو الشباب من قلة النجاح في الامتحانات ومن البطالة ومن قلة فرصة الزواج اللائق والحياة الكريمة. لأن كل تلك المقاصد المشروعة، (النجاح والعمل أو الزواج) لم يعد الجو التربوي ولا الإداري ولا المالي ولا الاجتماعي مساعدا على إنجازها ـ كليا أو جزئيا ـ !!! . وتشكو النساء من العنوسة ومن عقم الرجال قبل النساء، لأنهم لم يعودوا في جو يسمح بأداء الوظائف الفسيولوجية الطبيعية للجسم، فلا قوة في ماء الحياة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والأطباء يعرفون معنى هذه الإشارة شبه الصريحة. ويشكو الشيوخ من إهمال الأبناء، لأن هؤلاء مشغولون بأنفسهم قبل الوالدين، سبحان الله، وكأنه يوم القيامة، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) الجميع تطاردهم الحوائج و الديون والأزمات ، ذات الطابع الفردي أولا، بسبب كثرة ما هو مشاع من سوء القسمة وعدم تساوي الفرص بين المواطنين، لأنهم في حساب الحاكم وأعوانه الكبار، أي هؤلاء المواطنين ليسو سواء. والتراتبيه باتت تفرض نفسها نهارا عيانا جهارا!!!. فولد التومي بعد أن خدع معاوية في مهجره القسري، آب إلى عزيز وعمل معه في القصر الرمادي ردحا من الوقت غير قليل، بعد انقلاب 2008، وأرسل بعدها مديرا للعلاقات العامة في إحدى أكبر الشركات المعدنية المحلية (تازيازت)، براتب يوحي بأن المواطنين فعلا ليسو سواء. ففي الوقت الذي يقبض فيه هذا الشخص عشرات الآلاف من الدولار، يضرب أغلب العمال في الشركة المذكورة قبل أيام فحسب، مطالبين بأبسط الحقوق المفقودة المنشودة، دون رد كامل مطمئن. مما قد يدفع إلى مطالب مشروعة على نطاق وطني واسع، بضرورة وأحقية تأميم الشركات المعدنية، وخصوصا "تازيازت" المثيرة للجدل!!!. فهل يكتفي النظام بمعاملات ورشاوى من تحت الطاولة، وتدفع الثروة الوطنية الثمن استنزافا واستغلالا، لا يسمن ولا يغني من جوع، إلا ما يصل جيوب ولد تومي وسيده وبقية الأسماء المعروفة. إن شكوى الشيوخ في الأرياف والبوادي، قد لا تهم هذه المجموعة السمينة المتنفذة، على حساب شكوى وألم الجميع، صبيانا وشبابا ونساءا وشيوخا وغيرهم. ويشكوا كثيرون ـ بشكل متزايدـ من العطش في قلب مدينة كيفة عاصمة لعصابه، الزاخرة ما شاء الله بالسكان المهددين، بالموت عطشا، في القرن الواحد والعشرين، مع توفر التقنيات والوسائل المالية، الدفينة في حسابات الجماعة باليورو والدولار، في الخارج والداخل دون حياء أو حرج، قال رسول الله صلى عليه وسلم "إذا لم تستح فافعل ما شئت". وفي "أطار" يعطش الناس ، ومقطع لحجار ومقطع آخر ورابع وخامس، أما حالة مثلث الفقر فحدث ولا حرج، رغم دعاوي وأكاذيب النظام وأبواقه المزورة للوقائع، لصالح الحكومة، على حساب شعبها العطشان، إن أصبحت، إضافة هذا الشعب الغضبان، إلى هذه الحكومة العاجزة، التي تسرق قوته وتتاجر بمعاناته، في كل يوم وليلة، وحين ووقت، يجري بقسوة ووحشة، لا يدركها إلا الغاضبون، وما أكثرهم . فهم ثلاثة ملايين مواطن، عدى مئات، هم عدد المجموعة المحدودة الكاسبة. ظلما وغصبا، على حساب الغاضبين المحرومين المغبونين!!!. إن هذا الغضب المتنوع الطبيعي المشروع، قد يشكل طوفانا "إتسوناميا " قد يجرف في أول النهار أو آخره، أو أول الليل أو آخره، أسباب هذا الغضب المتصاعد المخيف. فمن السهل أن يظلم ظالم، ولكن عاقبة هذا الظلم يصعب تحديد حجمها أو توقيت انفجار قنبلتها. اللهم أحفظ البلاد والعباد، من ظلم الظالم وغضب المظلوم، اللهم طريقا وسطا، يخلص من الظلم وينصف الظالم، دون أن نكون فاتنين أو مفتونين، اللهم آمين. والدعاء لعامة المسلمين في هذا البلد بوجه خاص وغيره من بقاع وربوع المسلمين. أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، ما من صواب فمن الله، وما من خطأ فمنى.

5. يوليو 2012 - 13:49

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا