خدجة منت سيدي محمد / خدجة منت سيدي محمد

الهدف من هذه السلسلة أن يرضى الله عنا، فنحن لا نعرف  الطريقة التي يرضى بها إلا أن نوافق شرعه ونُحَكِمه داخل عباداتنا و علاقاتنا الأسرية وداخل معاملاتنا المالية و أمورنا  القضائية وعلاقاتنا السياسة، فإذا حكمنا الشرع في هذه النقاط الخمسة فقد يرضى الله عنا.

هي صرخة نداء لكل أب و أم وفتاه وفَتَى لمن يخاف مقام ربه و لمن أصلح ظاهره وأفسد باطنه، تعالوا لنحكم شرع الله داخل علاقاتنا الأسرية، علينا أن نُيَسر  الزواج كي نعزز العفة فتختفي مناظر الرذيلة في مجتمعنا، فبتيسير الزواج نحمي أبنائنا و بناتنا من أن ينزلقوا وراء اشياءً لا تُرضِي أحد.

فأخطر اختيار في حياتِك ابنتي الغالية هو اختيار الزوج الصالح و هذه ليست مبالغة بل أَعْنيِ ما أقول.

قبل أن نتطرق إلى الأسس التي يجب أن تتوفر في الشاب الذي يستحقكِ فإياكِ والتعلق لأنه يعمي ويصم، فإذا تحركت المشاعر وبدأت الرومانسية في هذه الحالة لن تستطيعي أن تتعرفي على الشخص المطلوب، دعي العاطفة تحت الحذاء.

فأسس اختيار الزوج الصالح توجد أمامها عراقيل إمَّا من المجتمع أو من نفسِكِ، ضعيها جانبا و ركزي على هذه المواصفات فمن لا تتوفر فيه كلها أو أغلبها لا يصلح أن يكون زوجا لكِ، فإياكِ أن تقبلي به حتى ولو كان صاحب شهادة عليا فهذا زواج وليس عرضا للشهادات حتى تتوفر فيه باقي المعايير ولو كان وسيما أو صاحب مال أو صاحب جاه أو ابن عم.

فالشاب لا يكفي أن يكون مسلما، لا بد أن يكون صالحا مستقيما وليس خريج مقاهي وسهرات، قال تعالى {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ}.

لا تكوني رخيصة هينة يصطادك من أرادك عن طريق الهاتف أو صديقة أو في الشارع ،احذري فهذا الرجل حاطِبُ ليل وساعي فساد فإياك وقبول صداقة أو صديق، ولا تقل أن قصْدك  شريف فلا يوجد شرف في الطرقات بل الشرف في البيوت بين الأهل يشاركون بتجاربهم وخبراتهم دون ضغط، وهذا النوع لا يمثل المروءة ولا الدين ولا الحياء و يجب ان لا تقبلي به  ، فبناتنا لا يوجدن على الرصيف أو المقاهي أو شاطئ البحر أو عن طريق منصات التواصل الإجتماعي بل هنَّ مصونات عفيفات..

ابنتي الغالية لا تطرقي باب الخطأ أو الخطر..

تحققي من  أسرته ولا ترضيْن إلا  بالوسط الصالح، قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .

سأل أحدهم الحسن ابن علي رضي الله عنهما قائلا : يأتني خطاب لابنتي من أزوجها؟

 قال: زوجها ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.

ومن الأسس أيضا معرفة سيرته الذاتية و من يرافق ومن يصاحب.  

"المحدث خالد الحذاء" أحد التابعين، لم يكن صاحب أحذية ولكنه كان يجالس صديقا حميما له صانع أحذية فلقب به في كتب الجرح والتعديل، لا تجالس ولا تصاحب إلا الصالحين لأنك ستنسب إليهم.

ومن الأسس أيضا أن يكون صاحب  وعي ومسئولية جديرٌ بتسييرِ شؤونه، فمن عجز عن إدارة حياته لا يمكنه  إدارة بيت  كامل بما فيه.

كما يجب أن يكون صاحب خلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه» رواه الترمذي، فالرسول لم يكتفي بالدين وحده بل الخُلُقُ جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة، وكانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال اللهم  كما حسنت خَلْقي فأحسن خُلُقي، شيئان يحددان من أنت : صبرُك عندما لا تمتلك شيئا وأخلاقُك عندما تمتلك كل شيء. 

وللاحتياط ولتفادي المشاكل، إذا كان هذا الشخص يشتم ويصرخ ويعامل بقسوة لأتفه الأسباب، عنيف، سلبي ويشتكي دائما فإن هذه النسبة ولو قلت عندما تمتزج بالحياة الزوجية و مشاكلها اليومية عندئذ ستظهر لكِ شخصيته على حقيقتها متوجة بالاختلالات على جميع المستويات (فالتمثيل كالكذب حبله قصير)

أن يكون جميلاـ نعم ـ  فالجمال أمر نسبي، و المهم أن يكون مقبولا عندكِ فإن استوحشت منه فدعيه ولو توفرت فيه جميع الشروط لأن القبول لم يحصل ولن تحصل العفة.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا تُنكِحوا المرأة الرجل القبيح الذميم فإنهن يحببن لأنفسهن ما تحبون لأنفسكم).

ومن القصص قصة شاب ذا دين وخلق ومال.. تقدم لخطبة فتاة عند والدها فلم ترضى به فلما استفسر منها أهلها أجابت أن طريقة لباسه و تسريحته تدل على أنه ليس أنيقا، ودارت الأيام ليأتي خاطب آخر توفرت فيه جميع الشروط المطلوبة عند المخطوبة وهي جمال الهيئة و الأناقة  وترتيب الثياب فقبلت به، وبعد مدة قليلة من الزواج سأل عن لباسه الخاص بالعمل  فقالت هو في الدولاب قال لها هل كويته؟ فأجابت: لا أعرف كيَّ اللباس، قال عندما آخذ حماما تكونين قد كويتيه ، قامت الفتاة بما تعرف فلما رأى الثياب صرخ وشتم ما هذا؟ الم يعلمك اهلك؟ وطال صراخه بكل ما أوتي من كلام بَذِيء وبعد خروجه أخبرت الأهل وبعد نقاش معه صرَّح بالطلاق بشرط أن يردوا إليه أمواله الطائلة التي دفعا لهم في المهر وتحت ضغط هذه الظروف التي تمر بها الفتاة ذهب الأب ليقترض مالا فإذا بالشاب الأول الذي خطب ابنته يعلم بالأمر فيقرضه المبلغ كاملا ليرده إليه بعد حصوله عليه.

لا تبالغي أختي العزيزة في المسائل السطحية فهذه إحدى عواقبها.

كما أن تقارب الطباع و المستويات يعين على استمرار الزواج فجميع فئات المجتمع و أصنافه تختلف، فمنهم في بيئة ريفية أقرب إلى بعضهم ممن هم في بيئة المدينة ،و كذا الأغنياء والفقراء و المتعلمون و غيرهم والأحسن كلما تقاربنا يكون هذا معينا على نجاح الزواج و أنا لا أعنى الحلال و الحرام لأننا في الزواج نلتقي بتفاصيل كثيرة كلما زادت نقاط التقارب بشكل عام يكون أفضل و أضمن.

وقد يقول قائل حصل عكس هذا و نجح الزواج، ولكنني أتكلم بشكل عام وليس بشكل خاص. هذه الفكرة استخلصتها من بحث ماجستير في عمان للأستاذة آمال عطية.

ومن الأسس أيضا الباءة ولكن بحدود؛  عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

لا بد من الباءة المادية و الجسدية والأخلاقية والنفسية .

‏‎ولا تقل أنا ليست عندي قدرة مادية و جئت لأخطب ابنتكم على سنة الله ورسوله، هذه ليست هي السنة، فسنة الله ورسوله تأمرك بتأمين مكان للسكن ولو كان متواضعا و دخلا وإن كان ضئيلا.

فعلي رضي الله  كان يشتغل أجيرا لرفع الدِلاء عند رجل يهودي وهو صهر الرسول صلى الله عليه وسلم.

أخي الفاضل اشتغل بما تيسر ولا تتكبر واستمع لقوله تعالى :( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) صدق الله العظيم، ومن المعين على  العفة الدواء المصروف من صيدلية الرسول  ﷺ ألا وهو  (الصوم) .

ناقشت أُمٌ يوما مع إحدى بناتها عن المواصفات التي تريدها في الزوج قالت أن يكون أحسن من حالنا على جميع المستويات  منزلا و سيارة و دخلا و و.......

فأجابت الأم بكل حكمة : نحن حققنا ما ترين  في كم من سنة؟ (20) او (25) ...

فعلينا أن نعطي الفرصة لبيتٍ ناشئٍ أن يبني نفسه. 

وهذا هو الصواب و النظرة الصائبة عكس أصحاب النظرات السلبية، فالعريس يجب في نظرهم أن يكون جاهزا من جميع الجوانب، راجعوا أنفسكم في هذا الباب.

فالزواج مسؤولية لأن أعباءً جديدة ستلقى على عاتق كلا الزوجين ،فبناء بيت جديد و أسرة  يقتضيان  جهودا تأسيسة كبيرة، ولا ريب أن الجهود التأسيسية للمشاريع تفوق جهود تشغيلها.

وتحدد مسؤولية الرجل والمرأة في الحياة الزوجية بأمرين اثنين لكل منهما، وأمران ‏‎ يشتركان فيهما.

حَدَدَ هذه المسؤوليات قوله تعالى بالنسبة للرجال :(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) صدق الله العظيم ،القوامة هل هي الشدة أو العنف أو العصبية ؟ لا! بل القوامة التي تتحدث عنها الآية هي الإدارة العامة  للبيت و الرعاية و الاحتواء و تقدير المشاعر و النفقة.

أما بالنسبة للنساء قال تعالى :( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه) ،هذه مسؤولية المرأة  التي تكمن في طاعة الزوج و الاهتمام به و حفظ البيت ورعايته.

والمسؤوليات المشتركة بينهما هي رعاية  الأولاد  وتربيتهم و رعاية كل واحد منهما للآخر والعمل على إرضائه وإسعاده.

كما  سأضيف إلى الأسس أساسا آخر لا يقل عنهم أهمية وهو  "إرضاء الوالدين" فإذا كان الشاب صالحا وتوفرت فيه جميع الشروط  المطلوبة لكن الأهل لا يقبلون به، نصيحة "لا تتزوجيه أبدا" وكذلك العكس فإذا استوْفَتْ الفتاة جميع الشروط الإيجابية  ورفضها الأهل، نصيحة لا تتزوجها.

فليس الزواج ارتباط بين شخصين  وينتهي الأمر.

بل الزواج ارتباط أسر بأسر، فعندكم يا أبنائي من تستندون إليهم من كلا الطرفين، ومن يقدم لكم العون على جميع المستويات و النصح و التوجيه.

فالزواج من وراء الأهل ينتهي بالفشل و الندم و الضياع ويدل على عدم الخضوع و برور الوالدين. 

وعلى الآباء أن يساعدوا أبنائهم في هذا الجانب، اخطبوا لهم من تثقون في دينه و خلقه و كفاءته دون ضغط عليهم.

 فقد خطب الأنبياء و الأولياء و العقلاء و الصالحون لبناتهم فهذا شعيب عليه و على نبينا افضل الصلاة والسلام قال تعالى: {قَالَ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَٰتَيْنِ ...} صدق الله العظيم؛ وهذا سيدنا عمر فاروق هذه الأمة يخطب لابنته حفصة بعد وفاة زوجها..القصة في البخاري ومسلم.

ولتعلم الفتاة ان الزواج قدر كسائر الأقدار وإن كِلَ الزوجين المطلوب منهما الاقتراب من ميثاق الكتاب و السنة في المعاملات بينهما، والأهل في الزاوية الأخرى من كِلا الطرفين عليهم إكرامهم واحترامهم و توقيرهم وعليهم النصح الخالص و أن يُسددو ويُقاربوا ولا يباعدوا، أعينوا الشباب ليحصل العفاف الاجتماعي.

 

19. سبتمبر 2021 - 11:11

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا