سجال: "الدعوة إلى حسن التعايش" مغالطات مكشوفة / ابراهيم بلال اعبيد

قرأت ما كتبه المسمى زين العابدين ولد المنير، وترددت في الرد عليه، لكن وجدت أنه سيكون من الخطأ ترك مثل هذا الكلام يمر دون تعليق؛ لأن صاحبه يثق في ما يقول، ويعتبر أنه على حق، في حين أن كل ما ورد في هذا المقال - بالنسبة للسواد الاعظم من الموريتانيين- يدخل في حظيرة ما يسمى بالهذيان حتى لا أقول المغالطات المكشوفة.

المغالطة الأولى: قول السيد الكاتب إنه لا يؤمن بالتسميات العرقية. فهو هنا غالط نفسه لأنه يقول عكس ما يفكر فيه تماما؛ وهو يحرم أناسا من حقهم في اختيار هويتهم والتعبير عن محاسبتهم للتاريخ.. إن التاريخ الذي كتبه هذا الفتى مغلوط تماما .. والعيون التي أغمضت عن الحقيقة الجلية مثالها هو أنت سيدي لأن من تصف هنا لا يوجد في موريتانيا، فلعك آت من المريخ .. كيف ستسد الباب أمام أقلام تعبر عن معاناة شعب عانى التجهيل الممنهج والقصدي في دولة تداس كرامته فيها باسم الدين الإسلامي الحنيف؟

لماذا يحتل البيظان كل المناصب؟ السؤال وارد جدا و سنبقى نطرحه. أما تعليلك له فرب اعتذار أقبح من ذنب! عن أي مجد تتكلم، أخي؟ سرقة أبناء الجيران واستعبادهم وقطع الأرحام والزنا بعبدة لا يعرف احد مصدر استرقاقها؟

المغالطة الثانية : إقراء الضيف ومكارم الاخلاق .. كلام جاف .. من كان يقري الضيف هم لحراطين سكان شمامه وآدوابه و السكان الاوائل للمدن (جامبور) في القديمة بكيفة واخويندي في لعيون والجنكه ولبرتي... أما من تتكلم باسمهم فكانوا في البادية يقطعون الأرحام ويستحيون النساء و يستحلون أموال الايتام ..ويقرأون اخليل والدسوقي والحطاب ..و بقية مقدساتكم ...!

ثم عن أي بنادق تتكلم وأي رايات؟ ..كل ما نعرفه أن البيظان كانوا يتسابقون ويتبارون في التملق للمستعمر ليتواطأ معهم في استغلال البشر وبيعهم والتعالي عليهم. وإذا كان ثمة رجال في تلك المرحلة فهمم لحراطين .. فهم قتلة كبلاني، كما أثبت ذلك الساموري ولد بي من قبل.... اسأل عن "الخالفة الكحلة" يا سليم الصدر ..

المغالطة الثالثة : أن تسمية الأرض باسم البيظان... في حين انها تسمية سابقة للسكان وهم من استفادوا من الإسم لا العكس كما أوردت! متى اجتمع الناس لتعرف مدى رضاهم عن التسمية؟ أما المنارة والرباط فلا وجود لهما في التاريخ إنما هما مغالطات ككل ما قلت ! فالإسلام انتشر في موريتانيا و إفريقيا قبل وصول صيادي العبيد إلى هذه الارض ...فالبيظان لم ينشروا سوى الإسترقاق و الإستعلاء والجاهلية الأولى و تزوير الدين واستغلاله لجلب المال من جيوب الجيران ...

المغالطة الرابعة: قولك إن الحكومة الأولى التي تشكلت كانت تضم المتعلمين من أبناء الوطن ! فهذا غير صحيح البتة، فليس ثمة متعلمين آنذاك سوى النزر القليل من المعلمين وكــَــتبة الإدارة، ولم يعين منهم احد بل فقط تم تعيين أولاد "لخيام لكبارات" من مختلف القبائل "الكبيرة" على طريقة المحاصصة. وهي السنة التي مازالت متبعة حتى اليوم مع إعطاء حصة ضئيلة جدا للحراطين الراضين بالغبن و اللامساواة بين الفئات .. زد على ذلك أن إبعاد المشايخ كذب لأن ولد بيّـه عين وزيرا وكذلك ولد عدود والآن ولد النيني ... الذين أبعدوا هم لحراطين وحتى المتعلمين منهم أمثال محمد سعيد ولد همدي: كان متعلما ولم يعين وزيرا، وسيدي ولد جابر عبقري في الرياضيات اغتيل في تونس في ظروف غامضة، ومسعود ولد بلخير تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة محتلا الرقم الأول من أصل ستة إداريين عينوا كلهم حكاما، وعين هو كاتبا للرقم ستة: سالم ولد ببوط!

فأول منصب وزاري يحتله حرطاني كان في سنة 1985... و كان هنالك قبل ذلك متعلمين من هذه الشريحة وذلك منذ الإستقلال، لكن الغبن والعنصرية و الإقصاء في اتجاه لحراطين هي أهم الاسس التي بنيت عليها الدولة الموريتانية ... ثم، يا أخي، من الذي منع لحراطين من التعليم حتى وصل بهم الحال إلى ما وصل إليه من تهيش وغبن؟ والدولة أخي لم تتجاوز إلى بر الامان، بل هي مبنية على قنبلة موقوتة سيفجرها أمثالك من حين لآخر بمثل هذه الكتابات المهينة للحراطين والمقززة الموغلة في الكذب والتمادي في الخطأ وتبرير الغبن و الإقصاء.

المغالطة الخامسة: قولك: "ولما علم الجميع أن لا مكان إلا للمتعلم سعى العقلاء من كل أطياف مجتمعنا الغالي إلى طلب العلم"، ومن لم يتعلم إذن فهو ينتمي إلى غير العقلاء .. إذن نضع لحراطين في خانة غير العقلاء .. العقلاء هم البيظان الذين احتكروا كل شيء فأعطوا لأبنائهم المنح في فرنساء وتونس والمغرب والجزائر.. وأرسلوا النابغين من الحراطين إلى سوريا وليبيا والعراق ليرجعوا قوميين عرب !! ثم تتمادى في استحقارنا وتقول .." وان كان هناك تفاضل فبالعلم والمجهود الذي سهرت الليالي في سبيله، فالمجد لا يدرك بالخمول والتكاسل فمن "جد وجد" ومن طلب العلى سهر الليالي". من في هذه الدولة غير لحراطين سهر الليالي لينال العلى ..

هل تعلم أن كاتب هذه الحروف تخرج في المدرسة العليا لتكوين الاساتذة متفوقا منذ 1987 وهو وحده ما زال يدرس في الثانويات لأنه وحده حرطاني إلى جانب سفيركم في جنيف الذي باع ضميره بوظيفة .. أما البقية فيتسلقون السلم كما يشاؤون .. لا لأنهم الافضل بل لأنهم بيظان ! أما تعبير الشعب عن من يمثله فيرى من خلال العمد .. واعلم أن العمد لحراطين أكثر بكثير من العمد البيظان ! أما مناصب التعيين فمربط فرس الغبن والعنصرية و الانانية والزبونية وعنصرية الدولة ... فبماذا نال ولد النيني منصبه غير الخمول والتكاسل والتملق والسكوت عن قول كلمة الحق أمام سلطان/مجتمع جائر؟... أما التهجم على المنازل فحق للمسلم كي يغير المناكر وحق أمني لإقتفاء آثار اللصوص .. فلماذا يوجد في المنازل ما يتستر عليه يا أبناء المنارة والرباط ؟

ها هو صاحبي يبرهن على عكس ما أراد حيث يقول: "ﻭﻟﺤﻜﻤﺔ ﺃﺭﺍﺩﻫﺎ الله، ﺠﻌﻠﻬﻡ ﻤﺨﺘﻠﻔﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﻠﻭﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺭﺯﺕ ﺍﻟﺘﻤﺎﻴﺯ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺸﻌﻭﺏ ﺘﺒﻌﺎ ﻟﻠﻤﺅﺜﺭﺍﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ". نفس الحكمة هي التي جعلت لحراطين مجتمعا متميزا عن البيظان باللون والعادات والتقاليد. وهذا ما أفرز الخصوصيات تبعا للثقافة والبيئة .. هذا الأمر تعترف به للجميع لكنك لا تعترف به للحراطين لأنهم بالنسبة لك ليسوا بشرا؛ وهذا هو ما ورثت فعلا، وهو في أوردتك .. تذكــُـر ما فعل البيظان وما قدموا من خدمات للدين والوطن، وتذكر مشاركة الزنوج في ذلك، وتتجاهل الدور التاريخي للحراطين، فيغيب ذكرهم ويغيب الاعتراف بأنهم على الاقل شاركوا البيظان ـ ودائما في المقدمة ـ في كل ما أنجز شرا كان أم خيرا. ولم يرثوا من ذلك سوى الدونية والكره وطمس الهوية الممنهج من خلال إكراههم على البغاء جهارا نهارا ويلدون في الغالب أبناء بيضا، فمن المسؤول، يا هذا؟

ذكرت كيف كان رد الرسول عليه الصلاة والسلام على دعاة العنصرية ! فما هو رد مجتمع الفروع على أنفسهم بوصفهم من دعا بل مارس العنصرية في التعليم و التعيين و القيادة و التجارة و في تعليم فرض العين؟ فأين نحن من أهل المدينة الذين عاشوا في سلام ووئام ..؟ فلو اقتدينا بذلك لما خشينا على بيوتنا اليوم من التسلل و اكتشاف الرذائل و الدس و التزوير، ولما بقينا في القرن العشرين نتكلم عن الرق بعضنا ينكره ولا يستحي من الله و البعض يذكره على مضض و البعض الآخر من دعاة الحرية و الإنعتاق يوصفون بأعداء الوطن وتصب عليهم السموم المتدفقة من أفواه المصابين بعقدة الذنب .. سيحاسبكم التاريخ وسيحاسبكم رب البشرية على تغيير خلقه و تشويه حكمته في خلقه ..

أما طريق الفتن فوضع حجره الأساسي منذ قام شبه الدولة الموريتانية وتم بناؤه منذ ظهرت الحركات القومية العنصرية ...أما نحن (لحراطين) فنحن من سينقذ البناية لأننا نتاج ظلم متواصل مارسه العتاة ويدافع عنه الأراذل من أمثالك و أساتذتك في الحقد أمثال محمذن ولد إشدو ومحمد فال ولد عمير والقائمين على إذاعة وموقع موريتانيد ... وبقية تلاميذة جان ماري لوبن والقذافي و صدام حسين و محمد فال ولد بلال .. و اللائحة طويلة .. عند ما قيل لمعاوية ولد سيد احمد ولد الطائع إن بعض الناس حصلوا على اموال طائلة مشكوك في مصدرها أجاب تماما مثل ما قلت في خلاصتك: "لا يحسد حد حد ". لم يمتــّـع هؤلاء و إنما سرقوا و غبنوا و امتصوا دماء لحراطين كما يحدث اليوم في ميناء الصداقة : آلاف لحراطين يعملون لعشرات التجار من البيظان الذين سخرت لهم أموال الدولة وعفيت عنهم الضرائب و سخرت لهم الاوراق للإيراد و التصدير و منحت لهم الأوراق النقدية و الاراضي الزراعية و رخص التنقيب و الصيد و الإحتكار ... و محمد ولد شيخنا ، رئيس مكتب تسيير الميناء ، يمتص دمائهم و يبني الدور من الحرام.

لقد حاول هذا المسكين ـ ولد المنيرـ أن يبرر ما في لا شعوره من إحساس بالذنب في غبن هؤلاء، و تصور أنه يخاطب أهل المريخ عن مجتمع في المدينة الفاضلة، و طفق يبرر سبب استعلاء البيظان وأحقيتهم في ما رزقوا من علو وجاه ومال، وأننا - معشر المجاهدين الباحثين عن هويتنا المطموسة و تاريخنا المجهول- لسنا عقلاء لأننا لم نتعلم ولم نتفقه ولم نتقدم، ونسي أو تناسى أن من يتكلم باسمهم هم المسؤولون حقا عن ما يعيب هو على لحراطين، وأنه هو مسؤول ومشارك في تلك المسؤولية من خلال محاولته تبرير ذلك الجرم الكبير الذي يعتبره هين و هو عندنا عظيم..

لا يمكن أن تقنعنا بدعوتك للتعايش وأنت لا تعترف بأننا ضحايا ! ضحايا لسنين من السيبة ..ضحايا للتواطؤ مع المستعمر الفرنسي ! ضحايا لحكم المختار ولد داداه الذي سن المحاصصة و تجاهلنا ونحن اليوم نعيش نتائج ذلك الإقصاء ! نحن ضحايا للنظام العقاري الذي سخر ملكية الاراضي للبيظان و تجاهل لحراطين الذين هم من أحيى ويحيي الارض اليوم، وقد حرموا ملكيتها لكي يبقوا هم و الارض ملكا للبيظان يبيعون أصواتهم في الانتخابات و يتقلدون بها الوظائف و يحصلون على الصفقات المربحة...لا بالجد ـ كما ذكرت ـ بل بالغبن و العنصرية.

لن نقبل أقل من الاعتراف بمسؤولية البيظان عن وضعية لحراطين وما يعانون ..لن نقبل أقل مما قبل السود في جنوب إفريقيا ..وإلا فإن وضعية زيمبابوي ستستنسخ هنا و عند ذلك سيخسر من له ما يخسره ..أما نحن معشر لحراطين فليس لنا ما نخسره ، سوى الدونية و غياب الهوية ..فقد خسرنا اغلى ما في الحياة: ألا وهو الإنسانية. واليوم قررنا أن نحيا حياة كريمة أو نموت مثلما يموت الذباب.

والسلام على أخي الكاتب الصحفي محمد اعبيدي اشريف ..لقد أسرعت و أجدت و أفحمت ...

ابراهيم بلال اعبيد ـ أستاذ فلسفة

23. فبراير 2013 - 20:41

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا