مصطلحات لا يجب أن تخدعكن / الحاج ولد المصطفي

المرأة في المفهوم العام هي الأنثي التي تنجب الأبناء وتربيهم  وتقوم علي شؤون مسكنها و لا يجري التميز بين المرأة و الرجل في الإسلام من حيث التكاليف الشرعية والحقوق والواجبات الدينية إلا بالقدر الذي يحفظ تمايزهما في الفطرة  ويمكن المرأة من تحقيق أنوثتها ومسايرة قدرتها الطبيعية

 في العمل ويضمن لها الرعاية والحماية  الضرورية لحياتها الإجتماعية . وفي المفهوم الغربي المهيمن علي العالم الحديث لا بد لكي تحقق المرأة حريتها من أن تتساوي في كل شيء مع الرجال وأن تحطم أنوثتها وتخرج من كيان فطرتها وتلتحم بالرجل مهما كلف ذلك المجتمع من تفكك وانهيار الأبنية التقليدية والتربوية والدينية. فما طبيعة حقوق المرأة  ؟ وهل تتعارض تلك الحقوق مع الفطرة الأنثوية والتربية الإسلامية الصحيحة؟

يعجز دعاة حرية المرأة في المجتمعات الإسلامية عن تحديد مفهوم حرية المرأة الواسع الإنتشار في أدبيات منظمات حقوق الإنسان والهيئات الحقوقية والسياسية في العالم الحديث .وهم يرددون عبارات وشعارات مطاطة توظف هنا وهناك لأغراض مختلفة ومتفاوتة من مجتمع لآخر . صحيح أن المرأة مخلوق ضعيف في بنيته الجسمية ومؤهلاته الفكرية أحيانا وقد تعرضت بالفعل للظلم والإضطهاد والممارسات السلبية في حقها كالإحتقار والعنف والتجهيل وغيرها مما ولد ردة فعل قوية لدي الحقوقيات في العالم كله اتجاه ذلك الواقع .لكن ردة الفعل تلك جري تعميم مفاهيمها علي واقع المرأة ومفهومها في المجتمعات التي لم يشهد تاريخها أي نوع من تلك الإنتهاكات .فحين يطالب المجتمع الموريتاني بتحقيق المساواة بين الرجل المرأة ويتهم بظلمها وتهميشها وتنعيفها وغيرها من المصطلحات الرائجة لايكون الأمر مفهما لدي الرجل والمرأة نفسها .فهل المقصود بالمساواة ممارسة أدوار الرجل في العمل والتضحية وتحمل المشاق أم أن المقصود هو تمرد المرأة علي القيم والأعراف والتقاليد الأنثوية والتحول إلي قيم الرجولة وتحدي الظروف الطبيعية والتربوية والثورة علي الدين والفطرة ؟

أعتقد أن الذين يرفعون تلك الشعارات بحاجة إلي تدقيق المفاهيم وتحيد المصطلحات فالمجتمعات البشرية مختلفة أشد الاختلاف ومتفاوتة في مواقفها من المرأة ولابد من تشخيص واقع كل مجتمع علي حدد لتحديد هذا الواقع وإنتاج مفاهيمه الخاصة عن حرية المرأة (إذا كان لزاما علينا مسايرة الركب ) وفي كل الأحوال لاينبغي الخلط بين حقوق المرأة والدعايات المقرضة والحروب الثقافية والإعلامية بين الحضارات والأمم.

لقد فشل الغربيون في تسويق مفاهيم المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وامتنعت مجتمعاتهم عن السير في اتجاه تحطيم أنوثة المرأة وخلف لهم ذلك تحديات كثيرة فانتشرت دعوات وممارسات شاذة (كالإثنيين) وتعاظم الإنحراف والإنتحار والاضطرابات النفسية وتشردت الأسرة وتهدمت الكيانات وعادت الدعوات للمحافظة للظهور وانتصر المحافظون في أوربا بعد سنوات من محاصرتهم بشعارات التقدم والحرية ,وعوض الغربيون ذلك الفشل الداخلي بتسويق دعاياتهم إلي المجتمعات العربية والإفريقة والإسلامية وتلقفها جنود مجهولون باسم منظمات حقوق الإنسان ،وجاهروا بطرحها والدفاع عنها دون دراية حقيقية بطبيعة تلك الحقوق وواقع ممارستها في مجتمعاتهم.

المجتمع الموريتاني لم يكن من بين المجتمعات التي تمارس الظلم علي المرأة أو تحتقرها ومع ذلك وجدت ممارسات شاذة تنتج من حين لآخر عن الجهل والانحراف

فخلال دراستي لموضوع "دور المرأة الموريتاينة من خلال الأمثال الشعبية" في بحث للتخرج من جامعة انواكشوط (قسم الفلسفة العام 1990م) تحت إشراف د/محمد ولد البرناوي توصلت إلي خلاصات هامة أبرزها :

- أن المجتمع الموريتاني مجتمع رجالي كبقية المجتمعات العربية أي أن دور الرجل فيه قيادي (شاوروه خالفوه)لا دخل للمرأة إذن في قيادة الأسرة و المجتمع

-  أن المرأة في المفهوم الشعبي الموريتاني مقدسة (الل وصاك أعلي أمك حكرك) (لعليات أعمايم لجواد وانعايل لكلاب) (لمارات يم ماحول بيه)

-  أن نجاح المرأة رهن بمكوثها في مسكنها وملازمتها له ومحافظتها علي أنوثتها (لمر لفع إلين تمرك راصه كره) (لمر رزقه تحت مكعدته والراجل رزق تحت كدم) (هبروه قمبروه)أي سمنوها وغطوا وجهها

قراءة هذه الخلاصات أنتروبولوجيا تتحدد لنا ملامح مفهوم حرية المرأة في المجتمع الموريتاني وما ينبغي أن تناضل من أجله المنظمات النسوية والحقوقية) من حقوق مفقودة ومتناسبة مع قيمها الإسلامية وثقافتها المحلية وخصوصية انتمائها الحضاري:

-  صحيح أن دراستنا تلك أظهرت تهميشا للمرأة في مجال المشاركة في الرأي والمشورة وهو أمر دعي له الإسلام ورغب فيه لكن الثقافة المحلية غلبت الموروث الإجتماعي القديم علي المفهوم الإسلامي الصحيح وقد وجدت تطبيقات لهذا المفهوم في بيئات اجتماعية محلية "عالمة" حيث كانت مشاورة المرأة ضرورية في الأحكام والمواقف ذات الشأن بالنساء خاصة وبالأمور العامة أيضا .

-   نقرأ كذلك في الأمثال الحسانية رفضا قاطعا لخروج المرأة من بيتها ولكن ذلك الرفض لم يكن لمنعها من العمل عندما يكون العمل ضروريا للأسرة والمجتمع ،فقد كان الخروج لأمور غير محمودة هو ما أوجب علي المجتمع زجره ومنعه وقد تغيرت ظروف العمل نفسه وتجذرت ممارسته في الحياة اليومية للأسر وما عاد هناك شيء يناقض أو يمنع مثل هذا الخروج ،ولكن محاذير الخروج المطلق تبقي ضرورية لمنع انحراف المرأة عن جادة القيم النبيلة وليس في الأمر تناقض .

-         أما موقف المجتمع من تقديس المرأة وتعظيم مكانتها وحماية ضعفها فهو موقف إسلامي صحيح لايزال يؤتي ثماره تكريما واحتراما للمرأة كأم وأخت وزوجة

-         ما يجب أن ينتبه له دعاة حرية المرأة في انتقاداتهم للمجتمع الموريتاني هو أن للمرأة نفسها كامل الحق في الحفاظ علي أنوثتها وأعني بذلك عدم ممارستها لكل الأدوار التي من شأنها أن تنقص عليها حياة الأنوثة كالجندية والأعمال العضلية والمجهودات المرهقة لفطرتها وضعفها الطبيعي وهي أمور لا تخدم التنمية (لعد القدرة علي المنافسة) ولا تلبي رغبة حقيقة لدي النساء ( الأشد حرصا غريزيا علي أنوثتهن ) ولا تعني رقيا أو تقدما لأنه يناقض الفطرة ويخالف الأوامر الشرعية (التشبه بالرجال في المظهر وغيره)

 

إن للمرأة الموريتانية كل الحق في لعب أدوار قيادية في المجتمع والدولة وأن تكون مشاركة في التنمية الإقتصادية من خلال عملها في الإدارة والمشاريع والمستشفيات والمدارس والمجالات الكثيرة المناسبة لعمل المرأة وينبغي حصولها علي كل الحقوق التي تمكنها من ذلك كالحق في التعليم والإنتخاب وعليها في الوقت نفسه أن تتمسك بقيمها الإسلامية الحميدة والتي هي موافقة لفطرتها التي فطرها الله عليها ولن يصلح حال امرأة أرادت تغير فطرتها ,ولن تتمكن من ذلك طبعا. 

8. مارس 2013 - 11:50

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا