عبد الله "الولي" وسارق الماعز / سعدبوه الشيخ سيدي محمد

 سعد بوه الشيخ سيدي محمدعبد الله "الولي " رجل أربعيني أسمر ذو بنية قوية ساقته الأقدار ذات يوم إلى "حضرتنا " الصوفية الوديعة في أقصى الشرق الموريتاني ، تلقفه "القوم"  ـ كعادتهم ـ بالقبول وأخذوه بالأحضان وأصبح في أيام معدودة  واحدا منهم بل سيدا  يشار إليه بالبنان.

بدا شابا نشيطا مقبلا على ربه تبدو عليه أمارات الجد ووسم " الذوق " ،يردد كلمة التوحيد حتى لا تكاد تلاحظ أنه يتنفس بين المرة والأخرى، ويدمن البكاء ويوصل الليل بالنهار بالصوم والتلاوة والصلاة .

خلال أسابيع قليلة نال ثقة الجميع واستحق لقب "الولي" على الأقل عند العامة الذين بدأوا "يزورونه " ويستجلبون منه البركة ويرجون  الدعاء .

كان له منزل وحده ينفرد بسكناه بينما يسكن غيره من " المواريد " جميعا في بيت واحد ، وأصبح مؤذن مسجد القرية الوحيد ،على وقع أنغام صوته الشجي يتداعى العباد من أطراف القرية إلى تلبية نداء الحق خمس مرات كل يوم.

لا يعرف أحد متى يأكل ولا متى يشرب ولا كيف يعيش ،لكن الجميع يشهدون بنضارة وجهه وتلألئ منظره حتى باتوا يعتقدون أن ذلك نور من الله مرده قيام الليل وصيام النهار.

في ليلة من ليالي الشتاء القارسة تسلل لص تحت جنح الظلام ليسرق ثامنة شياه سبعة هن كل ما تملكه جارته "محفوظة" وتعتمد عليه في إعالة بناتها الأربع ،ما إن أفاقت محفوظة من وقع الصدمة حتى تذكرت جارها "الولي" فأسرعت إليه طالبة منه "ربط "رأس اللص و "تحريز "الشياه الباقية فكان لها منه وعد بحفظ الموجود وضمان عودة المفقود .

مرت أيام وشهور وتعددت سرقات الماعز وتنوعت وتعاقب الضحايا على بيت عبد الله "الولي " ليس أملا في عودة المسروق فقط ولو بعد حين و إنما طمعا في الحصول على دعوة صالحة تجعل ضياع الشياه خيرا وبركة وتحصن الأسرة وما تملك من مخاطر قدر مجهول .

انقضت  سبع سنوات  طوال أدين فيها الكثيرون ببينة " التظهار" تارة وبسوابقهم في السرقة تارة أخرى إلى أن سطا سارق الماعز ذات ليلة على شاة وحيده يملكها "سعيد" وما إن افتقدها حتى ثارت ثائرته فأزبد وأرعد وهدد وتوعد وأصم الآذان وأيقظ الجيران إلى أن جاءه جاره "أحمد "المعروف بمهارته في تقفي الأثر فأخرج معه أثر اللص وتتبعوه في رحلة طويلة يظهر فيها الأثر ويختفي أحيانا أخرى إلى أن اختفت خطواته عند جدران منزل عبد الله "الولي" .

توقف "أحمد" وقال : من هنا تستحيل مواصلة تقفي الأثر إذ يبدو أن اللص تسلق الحائط وسار عليه حتى يتجنب تتبع أثره ،غير أن "سعيد " لم يقتنع ،فمرارة اختفاء " أم بزول" لا تعطيه فرصة لتقبل ما سوى عودتها ، وفجأة قفز داخل منزل عبد الله "الولي" وما إن وطئت قدماه الأرض حتى صاح في فزع وذهول، تطلع إليه "أحمد" مستفهما فإذا هو جامد كالصخر لا تتحرك منه شعرة فقفز نحوه ليستطلع ما جرى له وكانت صدمتهما كبيرة إذ ها هو عبد الله "الولي" بشحمه ولحمه وقد تجرد من هيبته الزائفة وتدينه المصطنع يسلخ "أم بزول" في مطبخ بيته "الشريف" !

تبادل الرجلان الصراخ فاجتمعت عليهما القرية الوديعة الآمنة في أواخر ذلك السحر يسابق كبيرها صغيرها خوفا من أن يكون قد أصاب "الولي" مكروه ،وتكشفت خيوط الفجر الأولى عن جريمة كاملة الأوصاف : عبد الله "الولي" في سربال رث ومن دون قميص و" أم بزول " وقد سلخ نصف جلدها وحفرة كبيرة كادت تمتلأ بعظام وجلود الماعز!

كانت القرية كلها تعيش تحت وقع الصدمة لا أحد مطلقا يستطيع أن يصدق بل لا أحد مطلقا يريد أن يصدق ،البعض بدأ يدعو عليه باللعنة والبعض الآخر اعتبر الأمر مؤامرة تستهدف هذا "الولي " فتبرأوا من هذه القرية الظالم أهلها متوقعين زوالها لتجرئها عليه، وما إن طلعت شمس ذلك اليوم المشهود حتى كان سارق الماعز في مؤخرة سيارة "لاند روفر" تبعده إلى عاصمة الولاية والناس  بين مصدق ومكذب.

قصة عبد الله "الولي " بكل تأكيد لاتشبه قصة صاحب الفخامة وشعارات "رئاسة الفقراء" و"محاربة الفساد" لا تتقاطع مع عبادة "الولي" وتدينه الزائف في شيء ، ولا وجه للمقارنة بين سرقة الماعز والتهام القطع الأرضية وتبييض الأموال ،كما أن تصديق دهماء القرية السذج للولي حتى وهو في حالة التلبس لا يشبه بحال من الاحوال  دفاع ما يسمى "خلية الديوان" هذه الأيام عن صاحب الفخامة في مواجهة التهم الموجهة إليه ،ورغم كل ذلك فإن شيئا ما تعرفونه أنتم ولا أعرفه ذكرني هذه الأيام بقصة عبد الله "الولي " أو سارق الماعز ....حفظ الله فهمكم.

5. أبريل 2013 - 14:46

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا