مصر أم الدنيا بموقعها الإستراتيجي و عمقها التاريخي و ثقلها البشري عوامل فرضتها كقائدة للعالم العربي يتقدم بنهضتها و ينحدر بتراجعها، كانت مصر السيتينات رائدة الثورات و ملهمة الشعوب للتحرر و الإنعتاق قبل أن تطيح كامب ديفيد بعظمتها و تمرغ المعونة الأمريكية كرامتها في وحل التطبيع لتعيش بعدها عقودا من الإنحدار تراجعت فيها مكانتها و معها حال العرب و تحولت من صانعة قرار في المنطقة و العالم إلى دولة تتربح ببيع مواقفها السياسية و تتاجر بقضايا أمتها المصيرية.
بعد ثورة التحرير تفاؤل الجميع بمصر جديدة تمسح عار التطبيع و ذل الصدقات توجت الثورة بإنتخابات أخرجت مصر من حكم العسكر موصلة مشروع النهضة الإخواني لسدة الحكم مما زاد جرعة التفاؤل أكثر لما كان يرفعه الإخوان من شعارات الإصلاح و ما عانوه من ظلم و إضطهاد فإستبشرالجميع خيرا بحلهم الإسلامي المعادي لإسرائيل ووجودها و أمريكا و هيمنتها، غير أن رياح الربيع العربي سارت في مصر كما في غيرها عكس ما تشتهيه سفن الشعوب التي صنعته فبدأ الرئيس المنتخب عهده بخطاب الستينات و ما أدرك ما الستينات و بأسلوب إنتقامي غير مبرر موجها بذلك أولى سهامه في الإتجاه الخطأ لتتوالى بعدها نكبات نهضته و يدخل في معارك هامشية كبدت مصر و ثورتها خسائر إقتصادية و سياسية كبيرة. عادت مصر الخارجة من قبعة العسكر لتدخل عباءة المرشد دون الخروج من بيت الطاعة الأمريكي واقع أكدته وقائع الأمس حين ضجت قاعة ملعب القاهرة بالتكبير...مصر تقطع علاقاتها الدبلوماسية و تعلن الجهاد ولكن ليس على إسرائيل عدوها التاريخي و لا إثيوبيا التي تهدد أمنها المائي فمصر تقطع علاقاتها مع الشطر الآخر من الجمهورية العربية المتحدة و تعلن الجهاد على حزب الله في عجيبة جديدة من عجائب مصر و ما أكثرها. في ظل عجز مشروع نهضة الإخوان عن لجم عدوان إسرائيل على غزة و سكوته عن الإستطيان في الضفة و حملة تهويد القدس و بعد فشله في منع إثيوبيا من بناء سد يهدد الأمن القومي لمصر ناهيك عن موت المشروع سريريا في شقه الإقتصادي بتراجع غير مسبوق لإحتياطي مصر من العملة الصعبة و شلل في القطاع السياحي و زيادة في نسب البطالة و الفقر ما يهدد الإقتصاد المصري بالإفلاس، وجه مرسي مرة أخرى سهامه في الإتجاه الخطأ و أدخل مصر دائرة الإصطفاف الطائفي في المنطقة بدلا عن لعب دور الوسيط في التقريب بين الفرقاء في سوريا كأخ أكبر لكل العرب و إمعانا في رهن مصر للمال الخليجي و القرار الأمريكي. تمضي إثيوبيا قدما في بناء سد النهضة عند منبع النيل للإلتفاف على حصة مصر المائية و يمضي الإخوان في مشروع النهضة عند مصبه للإلتفاف على ثورة لم يصنعوها لتقتل النهضة و سدودها أحلام المصريين و طموح كل العرب بمصر جديدة توجه سهامها صوب القدس
