الثورة المصرية والانقلاب المزدوج / الشيخ سيد أحمد ولد حيده

الشيخ سيد أحمد ولد حيدهيتضاحك الكثيرون اليوم على ثورات الربيع العربي التي  استطاعت  أن تقلع  أعتى أنظمة الاستبداد في أيام معدودات كما في مصر وتفرض كلمتها على من تجسدت فيه الروح الفرعونية الطاغية

 لكن  نسيم الربيع العربي العليل لم يكن ليعرف الحدود في فترة استطاع الشباب فيها ان يتناسى التقسيمات الحدودية والإيديولوجية والعقائدية وحتى المناطقية الضيقة بعدما رأى أبناء مصر الحبيبة تلك النار المضيئة، ليمموا وجوههم شطرها ليقتبسوا منها او ليهتدوا إلى سبيل الربيع العربي.

لقد كانت موهبة الشباب المصري في صناعة ثورتهم  أن خلقوا انسجاما بين المطالب ويوم التظاهر ، حيث اختاروا يوم عيد الشرطة المصرية ، ذلك الجهاز البوليسي الذي أذاقهم سوء العذاب، ومزق كرامتهم وكبريائهم فخرج الملايين من المصريين لتفويض أنفسهم تفويضا غير مطلوب لا لمحاربة الارهابين وإنما لإنهاء حكم مستبد استخدم أجهزة الدولة البوليسية لتبطش  بهم والقضائية للتنكيل بهم، جاؤوا يريدون  المساواة بينهم في الحقوق والفرص ،حق الحرية وحق التمتع بالحياة وان يتكافؤا في فرص العمل  والتعليم   كل حسب قدراته ومواهبه وإنتاجه بصرف النظر عن دينه أو انتمائه السياسي.

لقد تفاجأ النظام   بثورة 25 يناير لكونها لم تكن  عملا متوقعا ولا حتى منظما بل جاءت بشكل عفوي وثوري ، فما كان من النظام إلا أن قدم   مبارك كبش فداء بعدما لم تفلح محاولاته  بإنقاذه  وتصويره على انه استجاب طواعية  لإرادة    الشعب المصري من خلال تعيين  عمر سليمان نائبا له، لامتصاص غضب الثوار، لكنها استجابة على شكل  استراحة محارب  فرضخ لمطالب الثوار و أنهي  حكم مبارك، وتولى مجلس عسكري إدارة دفة الحكم ،ليعيدوا ابتكار سيناريو آخر يرضى المتظاهرين ويحفظ للمتبقي من المؤسسة عسكرية يدا في الحكم والسياسية.

 لم يكن النظام المصري حينها المتضرر الوحيد بل كانت كل الدول العربية تترقب ثورة تنهي حكمها، وكل شعب ينتظرها ليتخلص من أنظمته البوليسية، اجتمع العرب في يوم الزينة ليعيدوا الأمور إلى نصابها والى عهدها القديم، بعدما استطاعوا مع قوى دولية متضررة من ذلك الربيع أن يسبروا أغواره ويكشفوا لغز الثورة الذي حيرهم، فتدخلت السعودية لحماية اليمن والبحرين من عدوى الثورة ، بينما كانت الصين وروسيا وإيران بالمرصاد لربيع سوريا الذي أرادوه ان يكون صيفا أو إعصارا يحرق الشعوب التواقة إلى الحرية،  ليتلطخ المد الثوري  الشعبي العفوي بدماء الثوار منها برآء براءة الذئب من دم يوسف، وليجعلوا منها الكابوس الذي يبقى و لا يذر خاصة بمجتمعاتنا الآنية جدا، ليحكم على الشعوب العربية بالبقاء خلف القضبان الحديدية لأنظمة مازالت القوى العظمى تريدها سدا منيعا  للمد الشعبي الثوري، إلى حين إشعار آخر.

لقد كان حريا بالشباب المصري والقوى الثورية  الأخرى ان يضعا في الحسبان محاولات المؤسسة العسكرية إفشال الثورة من خلال المؤسسات القضائية والعسكرية والأمنية ببساطة لأنها لم تكن يوما من صناعها وإنما أرغمت عليها إرغاما وأن تضامن المؤسسة العسكرية   مع قوى الثورة  لم يكن سوى انطلاقا من مقاربة  سياسية حيث كان يعتقد منظروا المؤسسة العسكرية انه بإمكانهم إعادة إنتاج النظام القديم واستمراره من خلال خلق  قوة سياسية من فلول النظام  وبعض القوى السياسية لكنها لم تستطيع  تحقيق ذلك اذ فشلت في انتخابات مجلس الشعب  وفي تمرير مرشح النظام السابق في الانتخابات الرئاسية، كما فشلت محاولاتها السيطرة على عملية وضع الدستور من خلال الذراع القضائي الذي كان له  دور حاسم في تأزيم الوضع على الحكام الجدد، لكن  إلغاء الرئيس محمد مرسي للإعلان الدستوري المكمل افسد مخطط المؤسسة العسكرية الذي كانت تعول عليهكثيرا،لم يكن مرسي   ذلك المتمرس في أروقة جهاز الدولة العميقة،  لكن هل تناسى  الشباب المصري أن ثورة 25 يناير جمعت  بينهم مسلمين ومسيحيين، إخوانا وعلمانيين فقراء وأغنياء ؟  فلماذا شيطنة بعضهم البعض اليوم؟

أم أنهم  يردون الجميل لشعب ناصرهم ضد اعتي الأنظمة استبدادية؟  أم  أن قادة ثورة 25 يناير أصبحوا اليوم تابعين ، ألم يكن حريا بهم متابعة مسارا هم من بدأوه؟ أم أن الثورة  شيء واللعبة السياسية فن يستعصي على الشباب؟ أم أنها  المثالية  الثورية تفرض مواقف مثل هذه ؟

أليست  الثورة فعل جماهيري يرمي إلى إحداث تغييرات جذرية في شتى جوانب الحياة ، عبر تفكيك الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القائمة وبناء أخرى بديلة لها على نحو يكفل بلوغ التغيير الجذري المنشود، فهل كان الشعب المصري يعي ذلك؟ هل تحقق هذا أم النظام الذي خرجت عليه ثورة 25 يناير هو النظام  الإخواني ؟

لقد كان على الدكتور محمد مرسي وجماعة الإخوان من بعده  الابتعاد عن التجاذبات والصراعات الإيديولوجية، فقد استطاعت المؤسسة العسكرية من خلال التأزيم أن تفقد نظام مرسي توازنه وحنكته ، رغم توفيقه في كثير من الحالات،  فقد قام بإصلاحات اقتصادية جيدة و لكن تمت عرقلتها من طرف قوى الدولة العميقة  و استطاع النجاح في بعضه مثل رفع الحد الأدنى للأجور و تحديد سقف للأجور العليا ، و زيادة إنتاج القمح و إطلاق مشروع قناة السويس الذي  ربما كان سيغير وجه المنطقة و تم إيقافه بعد الانقلاب ، كما ظهر أن أزمة البنزين و الغاز  مفتعلة من أصحاب المحطات، لكن ربما غفل أو استغفل عن  مشاكل بعض فقراء  بدو مصر والعاطلين في حضرها، وعمال مصانعها،  لتكون بذلك التنمية في المرتبة الثانية من ترتيب أولوياته، ويكفي ذلك ذريعة للمتربصين بالثورة الذين لا يريدون  للديمقراطية أن تكون عقيدة ومنهاجا لشعوبهم،  حفاظا على الامتيازات الداخلية والخارجية التليدة من النظام السابق، أم  أن ذلك هو ما كان  باستطاعة مرسي القيام به لصالح المصريين؟ أم أن  المواطن المصري كان يعي  تلك  التحديات؟ أم انه يبحث فقط عن  حل مشكلات الصحة والتعليم والبطالة؟.

خرج  بعض  الشباب وبعض القوى الوطنية  تريد إحداث تغييرات وإصلاحات سياسية واقتصادية وشراكة سياسية بين كل الطيف السياسي المصري ، بل كان أكثرها تطرفا يريد إسقاط مرسي من خلال انتخابات رئاسية مبكرة، ولكل فيها مآربه، فهل كان الإخوان يخشون الانتخابات المبكرة؟ أم أن المؤسسة العسكرية هي  من تخشاها؟ أليس من المستغرب تدخل المؤسسة العسكرية بعد ساعات من تحركات الجماهير لتعطي مهلة، ثم تأتي  لتحسم الأمر و تنقض على تحركات المطالبين بالتغيير؟ لكن هل يعقل ان تقبل هذه الجماهير هذا الانقلاب العسكري المزدوج؟

لقد كانت المؤسسة العسكرية على يقين أنها و من دون تدخلها لن تستطيع ان تجهض ثورة يناير  فقررت إنهاء الثورة بالطريقة العسكرية المعهودة مع بعض الرتوش السياسية والشبابية، فلا يعنيها اسمي الأمر انقلابا عسكريا، أم سمي ثورة؟ وإنما ستكتفي ببعض بيانات الدعم والمساندة من الداخل والخارج وهو لعمري ما قد يستعصي عليها إن استطاعت القوى الشرعية أن تصمد في ميادين القاهرة والمحافظات الأخرى.

 

لقد كان العسكريون أذكى حيث ابتعدوا عن ذكرى 25 يناير الذي يرمز إلى فسادهم وفساد النظام الذي يتباكون عليه ، وبنوا على ماض الصراع السياسي العقائدي بين الطيف السياسي 30 يوليو تاريخ نجاح الإخوان، فهل كان هناك اتساق بين التاريخ والدعاية أم أن الأمور جاءت بمحض الصدفة؟

لكن ما يدمع العين أن يفوض شعب في زمن الربيع العربي شيكا على بياض  لقادة انقلاب عسكري تفويضا بلا مواد وبلا محددات، هل عادت مصر بهذا إلى عهد  القائد الملهم والفذ والمخلص والمنقذ،  لقد  ضاعت  القوى السياسية  والشراكة التي كانت تنادي  بها إلى يوم انتهاء صلاحياتها في 30 يونيو ؟ ستقول القوى السياسية الداعمة للمؤسسة العسكرية ، أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

1. أغسطس 2013 - 16:02

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا