العنصرية عندنا حقيقة أم وهم؟ / الولي ولد سيدي هيبه

العنصرية أو التمييز العرقي، بالفرنسية (Racisme) و الانجليزية(Racism) بحرف (e) الأخير، هو الاعتقاد بأن هناك فروقا وعناصر موروثة بطبائع الناس و/أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما - بغض النظر

عن كيفية تعريف مفهوم العرق - وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبيرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية.

أولئك الذين ينفون أن يكون هناك مثل هذه الصفات الموروثة (صفات اجتماعية وثقافية غير شخصية) يعتبرون أي فرق في المعاملة بين الناس على أساس وجود فروق من هذا النوع أنه تمييز عنصري. بعض الذين يقولون بوجود مثل هذه الفروق الموروثة يقولون أيضا بأن هناك جماعات أو أعراق أدنى منزلة من جماعات أو أعراق أخرى. وفي حالة المؤسسة العنصرية، أو العنصرية المنهجية، فإن مجموعات معينة قد تحرم حقوقا و/أو امتيازات، أو تؤثر في المعاملة على حساب أخرى.

فى الهند كانت المقدسة تقرر التفاضل بين الناس بحسب عناصرهم التى خلقوا منها فى زعمهم " خلق فصيلة البرهميين من فمه ، وهم أشرف المخلوقات ولهم أرقى المناصب الدينية ، وخلق فصيلة المشتريين أ ذراعه ، وهم الذين يتولون الوظائف الحربية ، وخلق فصيلة الفيشائيين أو الفاشا من فخذه ، وهم الذين يقومون ، وخلق فصيلة السود رائيين والمنبوذين من قدمه ، وهؤلاء لهم وظيفة واحدة هى خدمة الطبقات السابقة .

و اعتقد اليونانيون أنهم شعب مختار، خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التى خلقت منها الشعوب الأخرى ، التى كانوا يطلقون عليها اسم " البربر "وقد قرر أرسطو فى كتابه "السياسة " أن الآلهة خلقت فصيلتين من الأناسي، فصيلة زودتها بالعقل والإرادة ، وهى اليونان ، وقد فطرتها على هذا التكوين الكامل لتكون خليفتها فى الأرض ، وسيدة على سائر الخلق ، وفصيلة لم تزودها إلا بقوة الجسم وما يتصل اتصالا مباشرا به ، وهم البرابرة أى ما عدا اليونان من بني آدم.

وكان الرومان يعتقدون كما يعتقد اليونان أنهم سادة العالم ، وان غيرهم برابره خدم لهم ، وكانت قوانينهم تقر الرق ، وتعامل الرقيق على أنه متاع ، مدعين أن استعباده رحمة به من القتل الذي تتعرض له الحيوانات.

أما العرب في الجاهلية كانوا يعيشون على التفاخر بالأحساب والأنساب ، ويعتقدون أنهم أفضل من غيرهم الذسن يطلقون عليهم اسم العجم ، ولعل ذلك كان أساسه اعتزاز العربي بلغته الفصيحة التي لا يوجد لها مثيل في العالم وكانوا بناء على ذلك يكرهون أن يتلوث دمهم العربي النقي بدم غيرهم عن طريق الزواج.

و ادعى اليهود أنهم شعب الله المختار ، وأن الإله الذى يعبدونه لا ينبغى أن يكون معبودا لغيرهم كانوا يطلقون عليهم أمبين ، قال تعالى : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤهوكانوا يبيحون استرقاق من عداهم عند العجز عن الوفاء بالدين، وما يزال شعور التعالى والتعصب العنصرى موجودًا لديهم حتى الآن ، و كانت قمته هى الصهيونية بمظاهرها و أساليبها المعروفة التى تتنافى مع الكرامة الإنسانية.

وبحسب إعلان الأمم المتحدة، فإنه لا فرق بين التمييز العنصري والتمييز الإثني أو العرقي. هناك بعض الدلائل على أن تعريف العنصرية تغير عبر الزمن، وأن التعريفات الأولى للعنصرية اشتملت على اعتقاد بسيط بأن البشر مقسمون إلى أعراق منفصلة. يرفض جل علماء الأحياء، وإخصيائو علم الإنسان وعلم الاجتماع هذا التقسيم مفضلين تقسيمات أخرى أكثر تحديدا و/أو خاضعة لمعايير يمكن إثباتها بالتجربة، مثل التقسيم الجغرافي، الإثنية، أو ماضي فيه قدر وافر من زيجات الأقارب.

لا شك أنه خلال كل حقب تاريخ موريتانيا - ذات التقاسيم الجغرافية المتباينة و الإثنيات المتعددة و إلى حد ما استشراء ظاهرة زيجات الأقارب* - منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم و تحت ظل كل أنواع الأحكام التي عرفتها البلاد إمبراطوريات كانت أو مملكات أو إمارات أو سلطويات مائعة و شرائع "السيبه" بتشعباتها و توازناتها المرحلية، ظل المجتمع بمكونتيه الزنجية و البربرية ولاحقا العربية، طبقيا بامتياز في الواقع و الممارسة و عنصريا في الصميم بالعمل الدءوب للإبقاء على نقاء العرق شأنه في ذلك شأن كل المجتمعات آنذاك.

و لا ريب أيضا أن الثقافات و القيم المحددة لجوهر و ثوابت التعامل الاجتماعي الداخلي و المحيطي التي كانت قائمة على امتداد ربوع موريتانيا حملت أيضا، و ككل ثقافات العالم في تلك الفترات الحالكة، ملامح و بذور الاستعلائية و الفوقية و التمييزية "العقلية" و "البنيوية" و "الجمالية" على اختلاف المعايير و الاعتبارات لدى كل من المجموعات والمكونات الاثنية و الطبقات المنبثقة عن كل منها...

حقيقة تؤطر يقينا للاعتراف بوجود "العنصرية" عقيدة و ممارسة و تفتح على مصراعيه الباب أمام النقاشات و الحوارات التي تكسر الحواجز النفسية و الجمود الفكري و تذيب الجدلية ذات الدوافع العقيمة للوصول بالعقل المتحرر من قيود الظلامية إلى مرحلة القناعة بوجودها جزء هاما من التاريخ يسهم في بناء الحاضر و يدفع إلى الاستعداد للمستقبل بالاستفادة القصوى من بشاعتها و بالعمل على مكافحتها و نبذها.

و قريبة منا هي الأمثلة و إن تباينت في مستوياتها و اختلفت في بنياتها و معطياتها إلا أنها نماذج حدثت بشأنها تحولات كبيرة غيرت أوجه البلدان التي كانت تمارس فيها على نطاق واسع طال المعتقد و السياسة و الفلسفة و المعطى الاجتماعي و النفسي كما "الآبرتايد" أو الميز العنصري في جنوب إفريقيا و قهر و إذلال "المنبوذين" الاستثنائي في الهند و ما كان مثلهما جرى على الهنود الحمر "السكان الأصليين" للقارة الأمريكية كلها و اللاتينية منها على وجه الخصوص حيث بلغ الاستهتار الإسباني بجوهر الإنسانية حد الادعاء باسم المسيحية أن الهنود الحمر لا يتمتعون بأرواح آدمية و أن قتلهم باسم المسيح يندرج تحت طائلة الجهاد المقدس. و لم يكن الاوروبيون بأقل استعلائية و جرأة على البشر حينما بسطوا استعمارهم الغاشم على شعوب آسيا و إفريقيا حيث أطلقوا على الأهالي الأصليين كلمة indigène التي تفيد في معناها المقصود الدونية شكلا و مضمونا.

و على الرغم من أن الإسلام في صلب رسالته القوية و طهرها الأخاذ أبان أن البشرية جمعاء من أصل واحد و أن لا فرق بين بني آدم الذين كرمهم الله و أنهم لا يتفاضلون إلا بالتقوى و العمل الصالح، فإن العرب في نشرهم للإسلام حملوا معهم بعض استعلائية الجاهلية التي ما زالت آثارها تعصف من حين لآخر بعلاقاتهم مع الأعاجم الذين ارتضوا لأنفسهم الإسلام دينا وهم عنه لا يحيدون. و من نماذج هذا الخلاف ما يعيشه الموريتانيون على الرغم من أن الجميع عربا و زنوجا مسلمون و موحدو المذهب. فإذا لم يكن مرد هذا التنافر هو الاختلاف العرقي و ما يحمله من دوافع النظر إلى الآخر باستعلاء فماذا عساه يكون؟

صحيح أن الاستعمار الفرنسي قد أثار عن وعي و قصد النعرات العرقية في وقت مبكر لحسابات ما كان يخطط له في حقبة الاستعمار الجديد التي تلي حتما فترة التحرر و الاستقلال دعمتها عوامل سياسية ذاتية جاءت مع يقظة التيارات القومية العربية و الزنجية الافريقية و استشرائها في النفوس حتى باتت شكلا من إقصاء الآخر في دائرة الوطن الذي من المفروض أن يكون موحدا.

و لأن الانتماء القومي لدوائر خارج الحوزة الترابية يعزز لدى الطرف الآخر الشعور بالإقصاء فإن وتيرة العنصرية تتسارع في اتجاه بني الجنس و اللغة لتخلق شرخا يبدأ و كأنه معنوي فقط ثم لا يلبث أن يتحول إلى شرخ جغرافي يقسم البلاد. فبقدرما يرى العرب امتدادهم و ذواتهم في الأقطار العربية المجاورة يرى الزنوج كذلك أنفسهم و ذواتهم في دول الجوار الزنجية الغير العربية.

من هنا يجب أن يبدأ تصحيح المعطى القومي في دائرة الوطن و تكييف أبعاده التمييزية مع ضرورات الوحدة و البناء و الاستقرار في ظل دولة سيادة القانون كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي مرت عبر تاريخها بتحولات هائلة شهدت تطاول البيض القادمين من أوروبا على الهنود الحمر السكان الأصليين و السود المستقدمين عبيدا من القارة السمراء و لآسيويين الذين قدموا إليها بحثا عن الرفاهية على إثر حروب و قلاقل جمة شهدتها آسيا و منها تداعيات حرب الأفيون التي أشعلتها الإمبراطورية البريطانية و شاركت فيها كل دول أوروبا. و ما زالت أمريكا على إيقاع مفهومها القومي الجديد تسجل من الانتصارات على كل أنواع فلسفات تفرقة سكانها ما يبهر العالم و يزيدها تماسكا في الداخل و سيطرة في الخارج. و هي برئاسة أوباما الرجل الأسود قد أثبتت و جسدت هذا الخيار على أرض الواقع.

-------------------------------------------------

* زواج الأقارب، الزواج اللحمي، الزواج الداخلي، الاندوجامي أو الأندوغامي هو زواج بين إثنين تجمعهما رابطة الدم، من بين أهدافه المحافظة على بقاء واستمرار الجماعة وعدم اختلاطها بغيرها والذي يحمل خطر الاندماج أو الذوبان في جماعات أخرى. يتسبب زواج الأقارب، لو استمر لعدة أجيال، في تراكم الصفات الوراثية غير الجيدة مما يؤدي إلى ضعف النسل.

10. أغسطس 2013 - 9:43

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا