ازويرات : كي لا تتكرر أخطاء الماضي / السالم ولد الطالب اعمر

ازويرات مدينة عمال و خلط الأعراق و تعايش الثقافات و تعانق البداوة و التحضر، تحتاج إدارة بتنوع أبعادها تحفظ هذه التوازنات و تحولها إلى مكاسب إيجابية، لا يزاحم فيها السكان الأصليون العمال على النقابات و لا العمال السكان الأصليين على الوظائف الانتخابية ...

 

و ليس من منطلق جهوي و لا قبلي أو على الأقل، ليس من منطلق المفهوم السلبي للقبيلة و لا الجهوية، أن نطالب بتولي أبناء منطقة ما لمناصبها الانتخابية و هو أمر تقره كل الديمقراطيات؛ فالعامل في ازويرات القادم من النعمة أو ألاك أو كيهيدي، يرسل أكثر من نصف راتبه شهريا إلى ذويه في منطقة سكنه و يبني بيته في منطقته و يستثمر في منطقته و يدخر بقية راتبه في المصارف و ليس في هذا أي عيب و لا ما يمس من وطنيته بمفهومها الواسع و الكامل لكنه ليس من المنطقي أن تكون اهتماماته و مصالحه مرتبطة بمنطقته (و هو أمر طبيعي) و يكون نائب أو شيخ أو عمدة منطقة أخرى لا يعرف أي شيء عن تقاليدها و تركيبتها السكانية و عادات أهلها و حساسياتها و توازناتها  ... فماذا يعرف عمدة ازويرات و نائبها اليوم عن ساكنة ريف ازويرات و هي منطقة رعوية بامتياز قبل أن تكون مدينة صناعية و لجميع سكانها الأصليين ارتباطات وثيقة دائمة أو موسمية بالريف، فكيف يمثلها عمدة أو شيخ أو نائب لا يعرف موقع أي نقطة ماء في فيافيها و لا معاناة أي تجمع رعوي في أدغالها المعطشة؟؟

و تعاني ازويرات اليوم من خلل بين، تفسره الأرقام بوضوح هو السر الحقيقي في تولي الغرباء لمناصبها الانتخابية حيث سُجل فيها 12 ألف ناخب في الانتخابات الماضية فيما تتجاوز 60 ألف ناخب اليوم من دون أن تعرف المدينة نزوحا من أي جهة و لا نشاطا جديدا من أي نوع و هو ما يطرح علامات استفهام أكيدة بل علاما استغراب كبيرة لدى أي متلقي؟؟ و الحقيقة أن أنانية أصحاب النفوذ وتحكم المشاريع السياسية الفردية و الأطماع المريضة و استغلالهم لعدم وعي السكان هو ما يحول الديمقراطية إلى كارثة حقيقية في هذا البلد، حيث يقوم بعض النافذين في ازويرات ـ بعد حسابات دقيقة يتأكدون من خلالها أن لا حظ لهم في المدينة ـ بنقل الواقعين في مناطق نفوذهم لتسجيلهم في بلدات أخرى (بير أم اكرين، افديرك و حتى إلى مناطق أخرى خارج حدود الولاية) لصالح مشاريعهم الأنانية على حساب مصالح المدينة و سكانها الأصليين، الذين أصبحوا اليوم غرباء على أرضهم بسبب هذا الفساد المستشري..

و لا يتوقف ذنب هؤلاء النافذين على ازويرات و سكانها بل هم مذنبون أكثر في حق أفديرك و بير أم اكرين التين يتم تسجيل أضعاف سكانهما على لوائهم الانتخابية من غرباء لم يروهم قط ليطلع لهم عمد و شيوخ و نواب لا يعرفون من أين يأتون تماما مثل ما يحدث في ازويرات و إن بشكل معاكس.. الدولة تعي جيدا هذا الأمر من خلال تقارير الولاة و الحكام و الأمن و تدرك جيدا مدى خطورته و سلبياته لكنها تعتبر المواطن مواطنا أينما كان و له الحق في التسجيل في أي نقطة من الوطن و تدرك جيدا أن عليها أن تحارب هذه الظاهرة  السيئة لكن خوفها من اتهامات المعارضة بالتدخل في خيارات الناخب، جعلها تفضل غض البصر عنها، رغم أن هناك قانون ـ على حد علمي ـ يلزم من يريد التسجيل على قائمة منطقة أن يكون مقيما بها لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر، تفاديا لعبث هؤلاء الانتهازيين، الضاربين عرض الحائط بمصالح ضحاياهم و مناطقهم، غير الآبهين بغير مشاريعهم الأنانية الهدامة..

لا أريد أن أتدخل لأي كان في خياراته الانتخابية و لا أدعو أيا كان لانتصار فلان أو الحذر من علان،  لكنني أدعو سكان ازويرات من خلال هذا المقال إلى رفض الاستجابة لهذه الشخصيات الأنانية التي حولت المدينة إلى شاة بفيفاء، بلا سكان أصليين و لا تاريخ و لا هوية و لا ماضي و لا حاضر.. أستصرخ شباب ازويرات من كوادر و مثقفين و مسئولين في أي نقطة من الوطن إلى المساهمة  ـ كل من موقعه ـ في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة  التي زحفت على المدينة منذ صعود أجيال الانتهازية السياسية في العقود الخيرة.. فبسبب غياب الوعي و انتهازية "النخب" الأنانية تم تدمير المصلحة العامة (مصلحة المدينة التي يتعامل معها الجميع اليوم كبقرة حلوب يتم استنزاف خيراتها من دون أي مردود يذكر عليها و على حساب مصلحة سكانها الأصليين الذين لا يرتبط بقاؤهم فيها بوظيفة و لا بمرحلة من العمر و لا بأي محفز ظرفي آخر) .

لقد  أصبحت الانتخابات في ازويرات تجسد الجانب الشكلي من الديمقراطية و تغيب جانب المضمون الانتخابي  بالكامل؛ فسكان المدينة يتكونون من أولاد قيلان، إديشلي، أولاد عمني، أولاد آكشار، تيزكه. هؤلاء هم من تعتبر علاقتهم بالأرض مصيرية و هم من يعود عليهم أي نمو في المدينة بشكل مباشر و هم أكثر من تتضرر مصالحهم إذا حل بها جفاف أو ركود اقتصادي أو عطش أو وباء، فكيف لا نجد اليوم من بينهم إلا منتخبا واحدا لأن أصحاب مشاريع أنانية لا يأبهون بغير مصالحهم الخاصة ، يحملون سكانها إلى مناطق أخرى في حسابات انتخابية أقرب إلى المتاجرة بالبشر منها إلى الديمقراطية، يفسدون بها على أهل ازويرات و على المناطق الأخرى الضحايا هم الآخرون!؟ يجب أن يسعى الجميع في انتخاب عمد و نواب و شيوخ يدافعون عن سمعة المدينة، عن أصالتها، عن تقاليد سكانها، عن ثقافتها العربية الإسلامية، عن تاريخها النضالي القديم و الحديث، عن أمجاد أبطالها، عن زعاماتها التاريخية و سد الطريق أمام من لا يرون فيها غير مباني الإدارة و مكاتب التاشرونا و ورشات شركة المعادن..

على شباب ازويرات أن يغير هذه الصورة النمطية التي تشكلت في الوعي العام عن المدينة بعد عقود من التراكمات السلبية : ازويرات ليست أرضا بلا أصحاب.. ليس مجرد "كوبانية".. ليست تجمع مهاجرين بلا جذور و لا قضية . و وحده شبابها هو القادر على تغيير هذه الصورة المسيئة إلى القبائل الأصيلة التي تسكنها منذ عدة قرون و وحده شبابها هو القادر على الوقوف في وجه هذه المشاريع الأنانية التي يدفع ضريبتها اليوم سكان المدينة الأصليون وحدهم؛ فأكثر سكان ازويرات يعانون من أمراض مزمنة مرتبطة بغبار المعادن و مخلفات معالجتها و نقلها، من دون أن يتمتعوا بأي امتيازات، فيما لا يهتم منتخبوها بغير مشاكل العمال و الإدارة و هذه مهمة النقابات العمالية بالدرجة الأولى لا العمد و الشيوخ و النواب الذين يجب أن يهتموا أكثر بنمو المدينة و مشاكل سكانها و تفاعل حركيتها مع عمقها الريفي المهمل اليوم على أجندات منتخبيها الحاليين... إذا توقفت عمليات حمل سكان ازويرات إلى المناطق الأخرى، سيكون من الصعب أن ينجح فيها أي غريب و هذا ما نستنهض سكانها اليوم و ندعو شبابها و نخبها بصفة خاصة للتحرك من أجل إيقافه..

 

[email protected]

22. سبتمبر 2013 - 9:25

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا