ردا على مقال "دعوها فإنها منتنة" / السالك ولد إنل

altليس غريبا لو كتب بعض من سدنة الظلم و القهر و العبودية.. عن وحدتنا البائسة و وطنيتنا الزائفة.. و اعتبر كل طالب لحق العدل و المساواة "مفرقا للجماعة" "عنصريا"..

ليس غريبا لو رمانا المتحاملون بأمراضهم النفسية و انسلوا متسترين بحب الوطن ــ و كأننا له كارهون ــ و اتهمونا جزافا بـــــ"فتنة منتنة" و "نبرة العنصرية" و "إفساد المجتمع"...

ليس غريبا لو كتب أستاذ أو دكتور.. أو تحدث سياسي لامعٌ.. أو فقيهٌ... عن "فتنة نائمة ملعون من أيقظها" وَ "دعوها فإنها منتنة"، و غير هذا و ذاك من الشعارات الرنانة الطيبة ــ التي ـ طبعا ـ لا نقدح في صدقيتها ــ بقدر ما نأسف لحال المتغنين بها الذين يكذبهم واقعنا المرير..

و لست هنا في معرض الحديث عن واقع "الحراطين" و ما يتعرضون له من ظلم و هضم و استعباد... و لا عن "لمعلمين" و ما يسامون من احتقار مغلف بدين التهميش و الإقصاء.. و لا عن "آزناكه" و لا "إيكاون" و لا "الزنوج".. و لا غيرهم من المسحوقين في منكبنا.

أنا هنا سأحاول أن أبين بعض تلك المغالطات ــ و ما أكثرها ــ وردت في مقال للدكتور محمد يحيى ولد الشيخ جار الله، معنون بــــــــ"دعوها فإنها منتنة..!!!"..

أولى مغالطاته أنه تحدث عن "الحقوق" وكأنها دخيلة على مجتمعنا.. أليس مجتمعا إسلاميا مثاليا ـ على قولكم ـ؟ ألا يضمن المجتمع الإسلامي الحق لمن سميتهم بهتانا بـــ"الأرقاء" و أسميهم بـــــ"الحراطين" الذين أستُعبِدَ أوائلهم ظلما و عدوانا، و ما زالوا يرزحون تحت نير العبودية..؟

أيها الدكتور "الحراطين ليسوا "أرقاء" لا قديما و لا حديثا.. الحراطين هم القهر في جلْد إنسان.. هم عبودية تتكلم.. تمشي.. تأكل.. و تشرب... الحراطين هم أكثر و أكبر شريحة موريتانية تعرضت للظلم المُؤَصَّل دينيا و فكريا و اجتماعيا.. مع أن الدين من ظلمهم براء. "براءة الذئب من دم يوسف" غير أنكم ألحقتم بدين الله ما ألحقَ إخوة يوسف بالذئب.

ثم إن الدعوة إلى الحقِّ و نشر ثقافة حقوق الإنسان ــ أيا كان لونه أو شريحته ــ ليست بالضرورة إفسادا للمجتمع و لا لأخلاقه و لا دعوة لذهاب محامده ــ ثم هل من محامد مجتمعك.. استرقاق الحراطين أو احتقار لمعلمين أو قتل الزنوج و تصفيتهم و الحراطين معهم بشبهة اللون... ــ

أخي الكريم لقد جانبت الصواب حين قلت أن حقوق الإنسان عنصرية، فأي عنصرية في الإسلام و قد سبق الجميع لأحترام الإنسان و احترام حقه في العيش الكريم و المسكن اللائق...

المغالطة الثانية حين يتحدث الدكتور عن التكامل المجتمعي، صحيح أن تنوع أعراقنا، و أختلاف لغاتنا، و تباين ثقافتنا... هو مصدر ثراء و عامل جمْع و توحيد.

إلا أن ما يتعرض له "الحراطين" من "بَيْظَنَةٍ" هو أحتواء شرائحي.. و مسخ ثقافي.. و طمس حضاري.. فماذا جنى "الحراطين" من "اتبيظين"؟ غير التقلب في وحل العبودية، و رمضاء الجهل..! سيدي الكريم لا تكامل دون عدالة اجتماعية، و لا عدالة دون أحترام الآخر، و لا احترام دون الأعتراف بهذا الآخر و بخصوصياته الثقافية و الحضرية.. فما لم يعترف البيظان بالحراطين كفصيل مستقل له من الثقافة ما ليس للبيظان و لا للزنوج.. فلا تتوقع غير وحدة شاحبة و وطنية لا طَعْم لها... ثم هل فسَّر العلماء قوله تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) بالعبودية..؟ هل العبيد و الإماء.. من رحمة ربك التي يجمعون؟ كفى أستهتارا بعقولنا.. كفى تحريفا.. و تخريفا..!

و نحن نعلم جميعا أن كل واحد يحفظ عن ظهر قلب قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فهل التقوى في استعباد الحراطين و تسفيه لمعلمين و تجهيل آزناكه و تقتيل السود في موريتانيا..؟ أهذا هو التقوى..؟ طبعا لا.. أظن أن التقوى هي أكل المال العام.. و التزوير.. و بيع الخمور.. و سرقة أموال الخليجيين.. و أكل تمويل المساجد..

إذا كان هذا هو تصورك للتقوى فلك الحق فيما تتصور.. و لنا الحق في رفض هكذا تصور..! سيدي الكريم إذا كان التكامل في العهد النبوي بالإيثار، فهل رأيت إيثارا في مجتمعنا حتى نبكي ــ أو على الأقل نتباكى ــ على هذا المجتمع؟ هل شاطرتم فقراء الحراطين في الكبات و الكزرات فضول أموالكم؟

مغالطته الثالثة حين يتحدث عن الدولة المسلمة: أخي إذا كانت الدولة المسلمة هي ما نراه يوميا في واقعنا و ما نعيشه على أرضنا و تحت ظل سمائنا.. فنحن لا نريدها.. نحن لا نريد دولة القبيلة.. دولة الغني الذي يزداد ثراء على حساب الفقراء.. نحن لا نريد الدولة المسلمة التي يستقوي بها الظالم و القوي على الضعيف.. نحن لا نريد دولة شبح العدالة التي تفتقد قصور عدالتها لأبسط مقومات العدل.. نعم.. نحن نريد الدولة المسلمة التي تحكمنا بسماحة الإسلام، و عدل الإسلام، و وحدة الإسلام.. فأي عنصرية في هذا؟ و من هم حينها أعداء الدولة؟ نحن أم أنتم..؟!

لك يا دكتور و لأمثالك من المتهافتين.. لقد سئمنا مغالطاتكم، و إنكاركم للحقيقة، و رفضكم لها. علاج المرض يا دكتور لا يكون بالتستر عليه و لا كتمانه.. توقع حال المتضررين و أنت تفند ما يعانون..

علاج السقم يا دكتور لا يكون إلا بالمصارحة.. مصارحة الذات.. مصارحة الآخر.. و السعي جديا لحل المعضلات.. بعيدا عن التسفيه و الاختزال.. و الاحتواء.

 

ردا على د. محمد يحيى ولد الشيخ جار الله

http://rimnow.com/a/78-2012-11-07-10-08-30/1947-2013-10-26-22-27-28.html

29. أكتوبر 2013 - 8:36

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا