حراك الاتحاد وكرامة الحراك / زيدان شغالي العربي

altعديدة هي أساليب المستبدين في خداع الشعوب، وعديدون هم من يعتاشون من غباء الشعوب السياسي، وليست موريتانيا بدعا من تلك الدول.

 فقد نالت حظها الأوفى من الخداع  وهي الخمسينية التى مازالت زالت تحبوا كالطفل الخديج الذي تجاوزه الأقران، تتلمس خطاها بين الأمم، لا لتصبح دولة متقدمة بل لتتجاوز مرحلة 

التأسيس، فلم تتفق الأنظمة المتعاقبة اتفاقها على شئ اتفاقها على الخداع المستمر لشعب منهك لا يملك من القوت ولا من القوة ما يمكنه من كنس المنظومة الاستبدادية المتضخمة شحما ولحما وعظما ومنخرا ونابا ومخلبا، فأنى له مقاومتها وهو العليل النحيل القانع المعتر البائس الفقير، وسوس الفساد ما زال ينحت جسمه حتى وصل إلى تجاويف العظام الفارغة.

فقد ساهم في وضعية الشعب الطريح هذه كم هائل من الفساد التراكمي استغل أصحابُه طيلة عقود السذاجةَ الجمعية للكتلة الصامتة المؤثرة عدديا، والتى أتاحت الفرصة للأنظمة الاستبدادية سلفا لخلف أن تتلون باستذكاء حين تنتهي صلاحية الشعارات الموسمية - التي لا تتجاوز في الغالب خطابا أو وضع حجر أساس أو قص شريط رمزي - معتمدة على ضعف الذاكرة السياسية عند أغلبية الشعب المنهمك في تفاصيل الحياة المنغمس في همومه الشخصية، مما يسهل على حيتان الفساد الانفراد بثرواته وبيع مصالحه، والاكتفاء بتلك الوعود العرقوبية حينا من الدهر.

حتى استيئس الشعب من تحقيق المطامح وأحس المستبد بالإفلاس، عادت الدكتاتورية من جديد في صورة مقدم أو عقيد  منقذ أو مخلص زاهد في الحكم حريص على وطنه هائم بمصلحة المواطن الضعيف الذي لا يجد من يحنوا عليه، فيأتى الإنقاذ الوطني بهياكله أو الخلاص الوطنى بأذرعه، ويخلع الاستبداد جلد الثعلب الماكر ويبدو في ثوب الناصح الأمين كل همه إصلاح ما فسد وجبر ما كسر.

ولا يمانع الاستبداد في لحظة ضعف عارضة أو إفلاس ظاهر من المواكبة الصورية لمتطلبات المرحلة التاريخية، فموضة الديمقراطية – مثلا- يمكن استغلالها لمصلحة منظومة الاستبداد بل وتقويته، فهي من جهة: حجة سياسية وقانونية تتيح فرصة التسول الحكومي في حال نضوب الموارد أو سرقتها، ثم هي وسيلة للاستدانة وتلقى الهبات من المانح الدولى للمزيد من إغراق الشعب في الديون مما يخدم مصالح المستبد والوصي الخارجي معا، وتمكن الأخير من تحقيق إستراتجيته في تكريس السيطرة الاستعمارية غير المباشرة، في تعبير عن تلاقى المصالح وتلاقحها في غفلة من أصحاب الحقوق.

ومن جهة أخرى ملهاة جديدة للشعب وفرصة لإيهامه بأن الثعلب تنسك ولبس ثوب الواعظين، فلا ضير بالنسبة للمستبد أن تتبدل أشكال الفساد دون مضامينه، لذلك إذا تجاوزنا لون المستبد أو طعمه أو ريحه نرى  نفس الوجوه تحت الأقنعة، ونفس الأساليب.

لكن ما يميز هذه المرحلة هو استشعار النظام الاستبدادي – بوعي أو بدونه - بلوغ جماهير الشعب سن الرشد أو أنها كادت أن تكون بفضل تراخي السيطرة الإعلامية ذات الصوت الواحد، والمنقلب الواحد، وبفعل الانفجار المعلوماتي الهائل، فاحتاج إلى اختراع جديد وهو النظام العارف بأسرار اللعبة السياسية التى أفسدها عقودا من الزمن وأورثتها أكابر منهم أصاغر بدرجة لا يستطيع أي مصلح اختراقها أو الحد من آثارها إلا بالدخول مع المنظومة في اللعبة التى تتحكم في الكثير من قواعدها.

ولا يغيب عنا الاعتراف بذكاء النظام أمام زيادة الوعي التراكمي وتشعب المطالب الشعبية،

و تجلى ذلك في ملمحين:

ملمح إعلامي: منح من خلاله الحرية الإعلامية بعد فقدانه السيطرة عليها حين قال أنت حرة لوجه الشعب.

وملمح سياسي استراتيجي: تمثل في تخفيف الضغط على "حزب الدولة" عبر فتح أذرع حزبية  تسقى بمعيٍّ واحد، ساعدته في التمدد أفقيا:

أحدهما : شبابي يراد له من جهة امتصاص الحراك الشبابي في "حراك شبابي" يحد من البطالة السياسية في صفوف الشباب الذين حال كبار مفسديها دون وصولهم إلى مراكز الحظوة ومن جهة أخرى:  مختبر لصنع جيل استبدادي على عين الدكتاتور خالصا له من دون الاتحاديين.

ثانيهما: حراك الكبار الذراع الثاني للمنظومة الاستبدادية، والذي سبب إسهالا سياسيا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية مع توأمه الصغير حيث تسرب إليهما أو سرب الكثير مما اصطلح عليه بالمغاضبين أو المعاتبين، الذين يرجون استعتاب الجنرال ونيل رضاه فلا مفر منه إلا إليه ولسان حالهم يقول قول الذبياني معبرا عن وثنيته السياسية:

فإن كنت لا ذو الضغن عني مكذب *** ولا حلفى على البراءة نافع

ولا أنا مأمون بشيء أقوله *** وأنت بأمر لا محالة واقع

فإنك كالليل الذي هو مدركي *** وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

ولا يجد المتابع كبير عناء في اكتشاف أن الحزبين قدا أسسهما أو انضم إليهما بعض من العصبة أولى القوة لعله يمثل سندا لظهر الجنرال عند الحاجة ولئلا يظن أي حزب أنه ينوء بحمل الجنرال وحده .

ولأن وراء كل جنرال "جنرالة " (حسب تعبير الأستاذ مولاي عبد الله) فلا يستبعد مشاركتها له بل ومنحها كوتة سياسية من نوع خاص، وكأن لسان حال عظيم "الجنرالة" يقول: لي حراك الصغار ولك ِ حراك الكبار قسمة بيننا، وقد يكون تقاسمهما تعبيرا عن تقاسم متع الحياة بين خليلين كفارةً عن ذنب ارتكبه أحدهما في حق صاحبه ما زالت ناره موقدة في أحشائه تنتظر سحابة غفران!.

18. نوفمبر 2013 - 23:50

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا