مخاطر الخلافات الإجتماعية(2) / اسغير ولد العتيق

altينعكس الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي إيجابيا على الاقتصاد والعمران والبنية التحتية والثقافة الشعبية والتعليم والنشر والفنون ، في حالة مسار النظام مسايرا للتحولات الاجتماعية والفكرية التي شهدت حركة ديناميكية منذ السنوات الأولى بعد الاستقلال،

 حيث بدأ الوضع السياسي في التدهور بسبب تعاظم ضغوط المجموعات المهمشة والمنسية في سعيها لكسر العزلة السياسية والثقافية، إذ لم يعد بإمكان تجاهل هذه الفئات خصوصا فئة الحراطين التي لا تعاني التهميش فحسب بل تعاني العبودية التي راحت ضحيتها ردحا من الزمن.

  منذ عهد الدويلات المتحاربة (الإمارات ) بل قبل ذلك بكثير ومنذ نشأة الدولة الإقطاعية (القبيلة) جرى وضع المراسيم التنظيمية، التي بقيت سارية المفعول إلى يومنا هذا، بما فيها تلك المنظمة للعلاقة بين السيد و العبد والمحددة لوضع الفئات الاجتماعية..

شكلت مرحلة ما قبل الوعي هذه استقرارا داخليا للدولة الإقطاعية التي اهتزت أركانها ،بعد سنوات جفاف سبعينيات القرن الماضي، حيث نزحت أعداد هائلة نحو المدن الحضرية المتواضعة انواكشوط  انواذيبو الشيء الذي أضعف الدولة القبلية نسبيا، نتيجة لتمدن العبيد والذي نجم عنه تطلعهم للحرية والعيش مثل الآخر.

في المقاهي والمدارس والكليات، كما في الأسواق والشوارع، في كل مكان لتجمع السكان تسمع وترى أقوالا و أفعالا وممارسات حتى المساجد لا تسلم منها ،كذا إتباع الجنائز والمناسبات الاجتماعية  يستطيع المرء من خلالها و بسهولة دراسة تمايز مجتمعنا.

بعض المجتمعات يكون التراتب فيها مرنا والحركية الاجتماعية ممكنة بين الفئات (أوربا) وأمريكا والبرازيل وغيرهم من المجتمعات الراقية ، التي أنتجت بفعل الحركية الاجتماعية (التفاعلات) شريحة اجتماعية وسطية مختلطة الدماء’ تجمع بين خصائص المجموعات العرقية (الخلساء) ’وهي كفيلة بضمان السلم الأهلي والتعايش بين المكونات الاجتماعية لتلك الدول، وتنعدم في الغالب الحركية الاجتماعية في المجتمعات غير الراقية (موريتانيا مثلا) وإن حدثت فعادة تكون من طرف واحد (الأسياد) أو من في منزلتهم وذلك لصعوبة اجتياز الحواجز والموانع الاجتماعية التقليدية.

يتميز المجتمع الموريتاني بتراتب معقد ومغلق إلى درجة انغلاق وانكماش كل فئة وتقوقعها على نفسها ، وإن وقع انفتاح مرة من فئة على أخرى يعتبر شذوذ عن المحيط العصبي والمرتبة الاجتماعية و يكثر حوله اللقط ويعار فاعله وأحيانا يعزل عن محيطه ويتم التبرؤ منه وكأنه ارتكب جرما.

  في لقاءات أجريتها بعضها بالصدفة مع عدة شخصيات من النخبة المثقفة والسياسية التي تشكل طليعة  لمكوناتنا الاجتماعية ،تبينت أن الخلاف عميق ومتجذر ومتباين إلى درجة التعارض، و لاحظت أيضا التفاوت الكبير في التعاطي الإيجابي و الجدي حول القضايا المطروحة المعيقة لنمو وتنمية بلادنا والمهددة لمستقبل سلم مجتمعنا ولحمته خاصة معضلة العبودية.

في التاكسي أرى واسمع مثلما اسمع وارى في الصالونات والمكاتب المغلقة، لذا أحسست بخطر وتراءت لي في الأفق ظلال أزمة اجتماعية عميقة الأبعاد متعددة الجوانب ،عندئذ شعرت بالضيق وتأملت في المستقبل، فبادرت بالتنبيه على الوضعية في شكل تحذير .

إن استمرار الاحتكاكات و الاحتجاجات المطلبية يوميا’ في الشوارع مرة عن مظالم العبودية وتارة عن الجنسية وأخرى عن تهميش لمعلمين ،ومرات عن مطالب عمالية وعن مشاكل الكزرات والنزاعات العقارية والفصل التعسفي ومظالم كثيرة في حقول الحياة المختلفة، حتى وصل الفضاء درجة التشبع التي لا تتحمل المزيد من بؤر التوتر، التي قد تمتطيها بعض القوى الاجتماعية لأغراض معينة. ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان السبب المباشر لثورات وانتفاضات الربيع العربي التي قسمت بعض شعوبها إلى مجموعات عرقية ودينية ،أهلية  وجهوية. * أليس السبب حرق التونسي لنفسه؟! .

إن تعدد المنظمات والأحزاب الأهلية والقبلية والجماعية وتنامي الجهة، لا يقل أهمية هو الآخر عن هذه البؤر التوترية،  فالأحزاب الأهلية التي  تخلق لخدمة أغراض معينة، تركز خطاباتها على الشكل لا على المضمون و على التمثيل الإتني الطائفي والجهوي لا الديمقراطي كما تنمي ثقافة بديلة لثقافة المواطنة التي هي روح الديمقراطية ، كل هذا من مظاهر وتجليات التصدعات الاجتماعية.

إن توسع المدن بالمهمشين واتساع نموهم الديموغرافي، مؤشر قوي على أن هذه الشريحة لن تبق مطالبة للحقوق راضية بالحلول المجزأة وبالتمثيل غير المتناسب و عددها في الوظائف الانتخابية والحكومية، وقد ينبثق عن هذه التجمعات السكنية فئة عمرية من أبناء العبيد لا تؤمن بما يدعوا إليه القدماء، لن تقبل بهذا الواقع المهين لن تقبل الحرمان والغبن والعيش على هامش المجتمع في دولة يشكلون الأغلبية الساحقة فيها ،قد يختلف تفكيرهم عن تفكيرنا ورأيهم في حل القضية عن رأينا وأسلوبهم عن أسلوبنا وتعاطيهم مع تعاطينا وتعاملهم مع تعاملنا وعندئذ يكون احتمال تحالفات المجموعات المظلومة ضد المجموعة المهيمنة، أمر طبيعي وبديهي وبالتالي يصبح الانفجار الاجتماعي أكيد، وما من أحد يستطيع إخماده حتى تتم إبادة مجموعة لأخرى أو بتشريدها والأمثلة كثيرة في إفريقيا متعددة القوميات والإتنيات وما مثل الجمهورية المالية منا ببعيد.    

وانطلاقا مما سبق لمن أوجه اللوم في النهاية؟هل للبعثيين أصحاب الكرامة دون العمل ؟أو للإسلاميين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ؟أو لناصري النظام وبعثييه وإسلامييه وحراكه وفضيلته ورفاهه واتحاداته غير التقدمية وغير الجمهورية وغير الوحدوية وصنائعه الأحادية المؤدلجة والموجهة أو للأجديين الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك أو لنخب ومثقفي الحراطين أنفسهم الذين يشاركون عن دراية أو عن غير قصد في تهميش بعضهم البعض وفي التقاعس عن طرح قضيتهم في المشروعات الاجتماعية التي ينتمون لها  لكل منهم نصيب مما حدث وللنظام الثلثان .

 

21. فبراير 2014 - 18:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا