تدنيس المقدسات.. تساؤلات و حلول / أماني ولد محمد سيدي

حرقٌ لكتب العلماء ، تدنيسٌ لكتاب فالق الحب و النوى، تطاولٌ على خير الورى، اعتداءٌ على وارث الأنبياء.. مسلسل متتابع الحلقات في ظرف وجيز، ينتقل بمجتمعنا من حلقة مهينة إلى حلقة مذلة إلى حلقات أخرى تـُـداس فيها القيم

و تـُـركل المبادئ في مشهد غريب على دولة إسلامية تفيض ينابيعها علما تشرأب له أعناق المسلمين من أقصى الأرض إلى أقصاها ليرجعوا من بعد ذلك إلى بلدانهم و قد حملوا زادا من العلم و آخر من التقى و ثالثا من الأخلاق.

إن تتابع هذه الأحداث و تشابك طبيعتها و توقيتها يطرح العديد من الأسئلة تحتاج إلى أجوبة سريعة لعل و عسى أن نعرف من المسؤول ؟ و ماذا يريد ؟ و قبل ذلك و بعده من أين أتى و كيف ؟ ، و بالإجابة على هذه التساؤلات التي تطرح نفسها يمكن أن نبلور تصورا لحلول من شأنها أن تساهم في القضاء على هذه الظاهرة التي لم نرَ حتى الآن سوى طلائعها، و أنا على يقين أن ما سيأتي سيكون أكثر إهانة و أوغل تنكيلا و أشد وقعا، هذا إذا لم نتدارك الموقف و نأخذ بزمام المبادرة و لا نبقى في موقف الضحية دائما – كما هو حالنا الآن-.

إن من السذاجة بمكان أن نعتبر هذه التصرفات مجرد أفعال فردية يقوم بها شخص هنا و يقوم بها آخر هناك و يدافع عنها ثالث في مكان آخر، كلا ! إنما هي هجمة منظمة تقف خلفها جهات تختار الزمان المناسب لعرض الحلقة المناسبة في المسرح المناسب، و لم يعد خافيا على أحد أن "الممثلين" و "المخرجين" قد عجت بهم الميادين الثقافية و الإعلامية و الشبابية، و مما لا شك فيه أنهم سيلعبون أدوارهم كما ينبغي دون تردد أو تفكير أو اعتبار لحُرمة و مقدسات المجتمع !

 

و بالإضافة إلى جس نبض المجتمع و معرفة مستوى تقبله لمثل هذه الأحداث التي تتطاول على أكبر قيمه، و هي دينه الإسلامي، فإن هناك أهدافا أخرى ذات أبعاد أمنية و سياسية تطمح إلى تحقيقها هذه الجهات في أوقات لاحقة، من بينها –على الأقل- خلق رأيٍ حديٍّ في المجتمع يُنتج إطارا عاما يُستغل أبشع استغلال في مواسم الحصاد السياسي، و ربما لإظهار "مدى" استطاعة هذا الإطار على المجابهة و الصمود في أمور أخرى يُحتاج فيها إلى مثله نقاء و صفاء و عفوية.

و أيا كان المسؤول و مهما اختلفت و تنوعت أهدافه، فإن الأهم بالنسبة لنا كمجتمع مسلم أن نبحث عن مكمن الخلل لنعرف من أين أوتيَّ الإسلام في أرض المنارة و الرباط ، هذه الأرض التي ضمت و تضم علماء أجلاء كان و ما زال لهم دور بارز في نشر الإسلام و التعريف بقيمه و العمل بمقتضياته على المستوى الوطني و الإقليمي و الدولي.

إن القيم التي يحملها أي مجتمع تعتبر خطوطا حمراء لا يمكن الاقتراب منها، لأن المساس بها هو نيل من كرامة كل فرد في هذا المجتمع، و لا يتم المساس بهذه الخطوط الحمراء إلا إذا ضعف التمسك بهذه القيم في نفوس الناس و قلَّ العمل بها و لها و وفق مقتضياتها، و تم تجاهل الطفيليات الصغيرة التي تنمو على أطراف المجتمع مبتعدة شيئا فشيئا عن أصولها.

إن ضعف التمسك بالدين و العمل به هو مكمن الخلل في مجتمعنا، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو الجماعي، و تقع مسؤولية هذا الضعف على عاتق الجميع، بحُـكم أن الإسلام ليس لأحد عن أحد و لا يعني طائفة دون أخرى، و كل ما يرجع عليه بالخير سيصل شعاعه إلى كل بيت في ربوع هذا الوطن الحبيب.

و حين نلقي نظرة فاحصة على مسببات هذا الضعف نجد أن السبب الأول يرجع إلى الأسرة، إلى الآباء و الأمهات، و ذلك حين غفلوا أو تغافلوا عن تنشئة الأبناء تنشئةَ سليمة، فما علموهم الإسلام الصحيح، و ما زرعوا في نفوسهم قيمه العظيمة و ما قوَّموا ممارستهم الطائشة، و إنما تركوهم ضحية للأفلام و المسلسلات و أعطوهم الضوء الأخضر في تلقي التربية من الشارع الذي تـُـبثُّ فيه كل السموم الأخلاقية و الفكرية و العملية.. فتجد الأسرة مستعدة لتوفير الملبس الأنيق و المأكل الوافر و العطلة الممتعة لأبناءها ثم تبخل عليهم بأستاذ يعلمهم دينهم و يزكي نفوسهم و يرشدهم إلى ما يحبه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم، فأنى لهؤلاء الأبناء أن يكون في قلوبهم ذرة من استعداد لنصرة دين لم يعرفوا منه سوى أقوال تخالف في أغلبها الأفعال التي تدعو لها، هذا إلى ينجروا خلف مُحاربيه رضى أو مساندة ، فمن يدري ! فالله الله يا آباءنا و يا أمهاتنا في تربية الأبناء على دين الله الذي ارتضاهم لكم، و هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يلقي عليكم بالمسؤولية حين قال : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، فاتقوا الله في أنفسكم و ذرياتكم و مجتمعكم.

و لا شك أن للتعليم دورا بارزا في تقويم المجتمع، هو حتى الآن متخلف عنه بحكم غياب كل المقومات التي تمكنه من القيام بهذا الدور، فأصبحت مؤسساتنا التعليمية تخرج أجيالا بعد أجيال تكاد تجزم أنها لم تسمع بكلمة "أخلاق" و لا كلمة "إسلام" في حياتها ! و هو أمر طبيعي حين نعرف أن مناهجنا التربوية المهترئة لا تضم إلا القليل و القليل مما يمكِّـنُ من التمسك بالدين هذا بالإضافة إلى تخلفها في شتى المعارف الأخرى. و حين أُعـطي الدين الإسلامي مساحة صغيرة في منظومتنا التعليمية ، قام المشرفون عليه بإهمال ضوارب مادته و أهملوا معها أساتذة التربية الإسلامية و قدموهم للطلاب على أنهم أساتذة من درجة رابعة، لا فائدة تُرجى من احترامهم و لا تقديرهم و لا تقدير ما يُدرسون.

إن مواجهة هذا الموجات العنيفة من الإلحاد و التطاول على قيمنا الإسلامية العظمى يتطلب من الدولة القيام بمراجعة صادقة و شاملة و عميقة لمناهج التعليم و ليس فقط ما يتعلق بمادة التربية الإسلامية، و إنما بمنظومتنا التعليمية ككل، فالتعليم التسليم يخرج أجيالا تحترم ذاتها و تحافظ على خصوصياتها و تتمسك بقيمها، و ينبغي أن يُعطى للتربية الإسلامية حقها، و أن ترفع ضواربها إلى أن تتساوى مع ضوارب الرياضيات و الفيزياء، و أن يكون النجاح فيها إلزاميا حتى يتمكن الطالب من التجازو إلى القسم التالي، و ليس هذا فقط بل يجب أن تدرس هذه المادة تدريسا تربويا متناغما مع قيم الإسلام و يرشد الطلاب إلى طريق الخير، لا أن يبقى تدريسها كما هو عليه الآن ، مجرد نصوص تُحفظ و في الامتحان تُكتب و عند إغلاق السنة الدراسية تُنسى !

و تقع المسؤولية بعد ذلك على المجتمع المدني، بمؤسساته الثقافية و الدعوية و التوعوية، و ذلك لقُربها من المواطن و قدرتها على التأثير المباشر بأبسط الوسائل. و مع أننا نشاهد الكثير من المؤسسات إلا أننا لا نلمس لها نتيجة في واقع الناس، إلا من رحم ربك. فالمطلوب من هذه الجمعيات أن تعمل وفق استراتيجية توعوية رصينة تنتشل المجتمع من براثن الضياع الذي يُساق إليه على مرأى و مسمع من الجميع ، فأين المنتديات الإسلامية ؟ و أين الدورات التربوية ؟ و أين الاهتمام بالشباب في ساحات الإعداديات و الثانويات و الجامعة ؟ أين ذهب ذلك النشاط و تلك الحيوية التي كنا نراها قبل سنوات قليلة ؟؟

و قبل أن أختم هذه الأسطر، لا يمكن أن أنسى الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدولة بأجهزتها الأمنية و القضائية في محاربة هذه الظاهرة و الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بمقدسات هذا الشعب و قيمه العظمى، لقد سمعنا كلاما كثيرا من مسؤولي الدولة و لكننا لم نشاهد أي أثر لتلك الوعود ، فربما ذهبت أدراج الرياح كما هو حال وعود كثيرة سبقتها، و أنا على يقين أنه حين تنتهج الدولة أسلوبا صارما في معاقبة الجُناة فإن خفافيش الظلام ستتراجع قليلا إلى الوراء و تترك لهذا الشعب دينه الذي ارتضاه. ثم بعد ذلك فالدولة مطالبة بدعم المحاظر و المعاهد الإسلامية دعما كاملا يمكنها من الاستمرار في القيام بدورها العظيم و أن تهتم بخريجيها اهتماما يليق بهم و بمعارفهم و يقدر جهودهم التي بذلوها في تحصيل العلوم الإسلامية طيلة سنوات من الصبر و الجد و المثابرة.

إن محاربة ظاهرة الإلحاد يحتاج إلى تكاتف جهود الجميع و تعاونهم و تحملهم لمسؤولياتهم، فالجميع مـُـهدَّد ما دام دين الله و مكانة رسوله صلى الله عليه و سلم و حُرمة علماءه و كُتبهم تتطاول عليها الأيادي النكرة ، و لا خير فينا إن أوتيَّ دين الله من قِبـَـلِــنا !

3. مارس 2014 - 16:35

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا