الأردن..حرب باردة في منطقة الشرق الأوسط / الراجل ولد عمر

عدى عن السياقات الدولية المتمخضة عن نشاط المفاعلات السياسية العربية؛ لا تفوت السياسات الأمريكية والغربية عموما أي فرصة للدخول على الخط العربي والبحث عن مواطئ قدم ثابتة بالشرق الأوسط. 

هذه المرة استضافتنا الشبكة الأورومتوسطية للمشاركة في تدريب القادة الثقافيين والفنيين في العالم العربي؛ بعد أن حالت التفجيرات والتجاذبات السياسية في لبنان دون ذلك السنة المنصرمة. 

كانت الوجهة هذه المرة مدينة عمان عاصمة المملكة الاردننية الهاشمية؛ حيث الأوضاع الجيوسياسية أقل تأزما وحيث النعومة الأمريكية والخشونة الإسرائيلية حاضرتين كل بحساباته. 

رغم أن المملكة الأردنية الهاشمية هي احدى الدول الأكثر محورية في منطقة الشرق الأوسط ويخضع لسلطتها نهر الأردن الذي يقسم بلاد الشام إلى ضفة غربية تضم الأردن وفلسطين وضفة شرقية تضم لبنان وسوريا؛ إلا أن الحدود الأردنية الإسرائيلية تعتبر الأكثر استقرارا ما يستقطب مزيدا من الهيئات الدولية العاملة في مجال الإغاثة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والإغاثة الثقافة والتنمية البشرية؛ إلى الداخل الأردني. 

وتعتبر موريتانيا بحكم موقعها الجغرافي جزءا لا يتجزء من كيان المجموعة المتوسطية التي تغطيها شبكة الشبكات في العالم العربي والغرب؛ والمعروفة "بأنا ليند". 
كنت من ضمن 50 شابا عربيا تم اختيارهم من أصل 700 شاب عربي للمشاركة في تدريب القادة الثقافيين والفنيين؛ الذين يناط بهم التدخل ثقافيا في البلدان العربية عبر توظيف الفن من أجل التغيير. 

الإمكانيات المالية الهائلة التي تتوفر عليها شبكة الأناليند المسنودة من ميزانيات الدول الأوروبية ممثلة في مختلف أذرع الإتحاد الأوروبي المتغلغل في العالم العربي؛ كانت تسمح لها باستضافتنا في أي من فنادق الخمس نجوم؛ لكن تأزم الأوضاع العربية وخطورة محوري المشرق والمغربي العربيين؛ سواء جراء الربيع العربي أو الحركات الإرهابية النائمة أو النشطة كانت كلها مثار قلق الأوروبيين الذين يفضلون تمرير أجندتهم بدبلوماسية هادئة. 

وبما أننا كمنظمين ومشاركين قد قررنا التواجد بالعاصمة الأردنية عمان فقد طار الزملاء الشباب على متن رحلات جوية من الدرجة الإقتصادينة من مختلف مطارات العالم العربي؛ ولم يكن اختيار عمان لاستضافة لقائنا الدولى من باب الصدفة. 

يبدو إذن ان الأوروبيون قد قرروا البناء على السياسية الأمريكية في المملكة الأردنية؛ حيث عمل الأمريكيون منذ فترة على إبرام عدة اتفاقيات ثنائية وثلاثية لحماية أمن إسرائيل عبر حزمة إميازات مالية ودبلوماسية وعسكرية ساهمت في خطف المملكة الهاشمية من سياقها العربي؛ فتحولت من منطقة على حافة التوتر في لبنان والصراع في سوريا والاحتلال في فلسطين إلى جزيرة شبه آمنة ومستقرة. 

جغرافيا تتلفع مدينة عمان وسط جيوب جبلية ضيقة زادت قسوتها في وجه المعمرين القدمى ما دفهم إلى ارتقاء قمم الجبال لنحت عماراتهم الشاهقة ولزرع طرقهم وشوارعهم التي تعتبر الأقل زحمة في العالم العربي. 

كانت رحلتي بالسيارة وسط عمان أشبه بموسيقى بصرية تعزفها الطرق والمباني التي كانت تؤدي مهمة استعراضية أكثر منها فنا معماريا يعطيك الانطباع بجمال المدينة قياسا لعمرها الافتراضي. 

في فندق اللاندمارك من درجة الخمس نجوم اكتشفت الحيوية العمانية كقطب تجاري وإداري واقتصادي وتعليمي للمملكة لكني تعلمت من أصدقائي الأردنيين "بدارة الفنون والثقافة العمانية" أحد أكبر وأقدم المؤسسات الأثرية في عمان أن المجتمع العماني منشطر بفعل السياقات المحلية إلى طبقة فقيرة يقع عليها عبء التحديث المستمر الذي تشهده المدينة استجابة للطفرة السياحية وطبقة مرفهة من رجال الأعمال والمقربين من الديوان الملكي وهو ما يفاقم الوضع من وجهة نظر صديقي وائل. 

من المفارقات الاقتصادية أن الدينار الأردني لا يزال يتمتع بمكانة مرموقة في صدارة الأسواق الدولية لدرجة مزاحمته الدولار الأمريكي؛ بسبب الطلب الهائل على العملة الأردنية من طرف السياح القادمين من أوروبا الغربية وآمريكا الشمالية واليابان وأستراليا ومن الدول العربية المجاورة والقريبة. 

عوضا عن الكثير من عائلات دول الخليج العربي المتعطشة إلى الإشباع السياسي ما ساعد في تنشيط اقتصاد المملكة واستقطب المزيد من الاستثمارات؛ التي تظل محل استفسار كثيرين. 

وغير بعيد عن سياق تدريبنا كقادة ثقافيين في الوطن العربي وما تطلبه من كواليس أمنية عمل عليها الأمريكيون قبل أن يرسو عليها الأوروبيون يبقى من المهم الإشارة إلى لغز الصعود الإقصادي بالنسبة لدولة لا تتوفر على صناعات ذات نطاق عالمي ولم تكشف بعد النقاب عن ثرواتها التي يعتقد البعض أن الملك وحاشيته قد تعمدوا طمرها في الجيوب الجبلية للدولة بهدف للإبقاء على المساعدات الخارجية وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية؛ سواء كداعم رئيسي أو كوسيط لإسرائيل. 

مدينة عمان التي تتصدر الواجهة السياسية والاقتصادية والتعليمية والسياحية للمملكة تبدو أشبه بسوق دولية حرة يستوى فيها المواطن العادي بالأجنبي السائح؛ حيث يواجه المواطنون الأردنيون أعباء اقتصاديا ثقيلة بفعل زيادة الضرائب وغلاء أسعار الحاجيات الأساسية لأفراد الطبقية الوسطى الأكثر معاناة في بلاد. 

في فهوة جفرا الأكثر عراقة بالمدينة والمملوكة لأحد رجال الأعمال الفلسطينيين والتي احتسيت بها شايا وشنجت مسامعي بعزف اصيل للمغني والعازف الاردني حبيب كنت لا ألحظ فرقا كبيرا بين المواطنين الأردنيين الذين جاءوا للتخفف من همومهم اليومية والجموع الغفيرة من الغربيين الذين بدؤوا أكثر شعورا بالراحة والاطمئنان. 

يجد صديقي وائل أحد القادة الثقافيين وخريج كلية الآداب أكثر من تفسير لحالة الاطمئنان في صفوف الغربيين الذين أستقر معظمهم في المدينة؛ خاصة بعد أن نجحت السياسة الاقتصادية الأمريكية في دعم الدينار الأردني عبر حوافز اقتصادية ومالية تعكس نموذجا أمريكيا بالشرق الأوسط؛ موجهة بذلك صفعة للدول التي لا تسير في الفلك الأمريكي كلبنان أو التي توالي روسيا كسوريا. 

على الرغم من محدودية الدور الجيوسياسي الذي ظلت تلعبه المملكة الأردنية مقارنة بالمكانة الجيوسياسية لمصر وسوريا ولبنان كدول محورية؛ إلا أن انفتاح شخص الملك على الهيئات الدولية وانسياقه في فلك السياسات الخارجية لامريكيا جعل من الأردن الوجهة الاولى لهيئات المجتمع المدني وكذا منطقة جذب للمانحين ومطوري برامج الخدمة الاجتماعية وهيئات الإغاثة الدولية. 

ونتيجة للتطورات الإقليمية والدولية وما خلفته الحروب في سوريا والصراعات في فلسطين والاضطرابات أحيانا بلبنان فقد أصحبت الاردن وجهة لأكثر من 1.500.000 لاجئ ما بين فلسطيني وسوري؛ كما تحولت إلى مركز لعمليات الإغاثة في العالم العربي؛ وعلى الرغم من ذلك الضغط البشري الهائل والذي يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين الأردنيين إلا أن فزاعة الإرهاب والعمالة للخارج تبقى أهم سلاحين بيد النظام للرد على خصومه في الداخل بالإضافة حصار تقف ورائه أمريكا في الخارج. 

ويبقى صعود قوى ثورية في فلسطين وأخرى مناوئة لأمريكا في لبنان ونظام موالي لأعداء أمريكا في موسكو وغيرها من التبعات الجيوسياسة لمنطقة الشرق الأوسط مثار تهديد لكيان إسرائيل التي لا مساومة على أمنها من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ما جعل أمريكا تفكر بعقلية الحروب الباردة؛ إبان تحويل اليابان من دولة هامشية ومحطمة إلى قوة اقتصادية صاعدة وسط آسيا المنهزمة في محاولة لتثوير مجموعة الدول الخاضعة للإتحاد السوفيتي ـ حينها ـ وهاهي أمريكا اليوم تحقق نفوذها في الشرق الأوسط عبر البوابة الأردنية وإن بأساليب مماثلة لسيناريوهات الحرب الباردة حيث القطبية الدولية؛ فهل تزدهر الأردن على حساب شعبها الفقير ومحيطها العربي؟.

12. مارس 2014 - 17:59

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا