الجوائز العالمية مجرد بروباجنده / عبدالله ولد أحمد محمود

تلقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان رسالة من الجمعية اليهوية الامريكية التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، مما ورد في الرسالة ، أن اردوغان اصبح من اشد زعماء العالم معاداة لإسرائيل و طلبت إليه إعادة الجائزة التي منحت له عام 2004 على خلفية ما سمته

 الجمعية حينها الدور الذي يلعبه اردوغان في سبيل صناعة السلام في الشرق الأوسط حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.  و ذكرت الرسالة ما قالت أنه بعض ما ورد على لسان اردوغان ضد اسرائيل: كقوله بأنها تجاوزت هتلر بربرية من خلال أفعالها في غزة. في رده إلى جاك روسن رئيس الجمعية قال السفير التركي في واشنطن السيد: سردار كيليش أن من دواعي سرور رئيس الوزراء التركي إعادة الجائزة.  و في رسالة نشرها مكتب رئيس الوزراء التركي ورد أن غياب هذه الجائرزة لن يمنع اردوغان من الوقوف ضضد الارهاب و العمل على الوصول إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي على أسس عادلة، و لن يمنعه من صيانة و مراعاة كامل حقوق المجتمع اليهودي التركي.
الجوائز الدولية خاصة في مجال السلام و حقوق الانسان هي في كاملها تحولت إلى اجندات و استراتيجيات منظمات ذات تأثير اقتصادي و سياسي، و هو أمر لم تسلم منه حتى واحدة من أعرق و أهم الجوائز كجائزة نوبل. نعم لا يعني ذلك أن الأمر يتم جهارا نهارا في وضح النهار ، بل يتم بطريقة غاية في الدقة بحيث أن الجائزة من فترة لأخرى ستعطى لمن يستحقها و يمكن أن تكون الجائزة بنفس الإسم تعطى أساس الاستحقاق في مجال و على أسس الأجندة في مجالات أخرى و نوبل أيضا مثال على ذلك. و المفارقة الصعبة في هذه النقطة هو أنه حين تريد مكافأة أحدهم و انت تحكم جانبا من الأعمال و الاعلام فلن تعد طريقة للتطبيل له خاصة في عالم اليوم  الموجه بالإعلام. و الأشخاص دائما محل نقاش فمن يبدو بالنسبة لي انا مثلا قمة في العنجهية و الوحشية قد يبدو لآخرين صانع سلام و رخاء للبشرية، فالامر يختلف من الزاوية التي ينظر منها كل واحد. و الحقيقة أن هذا البعد العادل للجوائز العالمية أحيانا يعطيها مصداقية تجعل تأثيرها أكبر حين توجه للأجندة، فحين تعطى جائزة نوبل للسلام إلى مانديلا ، بالطبع لا يختلف إثنان على أنه يستحقها لذلك حين يحصل عليها بائس آخر سيستخد لاحقا في اجندة محلية و اقليمية و دولية سيكون في قمة الفخر و السعادة بها و سيكون التأثير عليه أكثر خصوصا ممن اشتغلوا معه أو مع غيره تحت الطاولة.
حين ننظر لتاريخ الجوائز العالمية على اختلافها، نأخذ نوبل كحالة، نوبل رفضت في التاريخ مرتين لمواقف واضحة أوردها الرافضان مع اختلاف السياقات. جون بول سارتر رفضها لسببين شخصي و موضوعي حسب ما أورد فهو لا يريد للكاتب أن يتحول إلى مؤسسة ما يشكل نوعا من عدم الشفافية مع القاريء . ما لمح إليه سارتر هو أن الجائزة تأخذ تأثير بروباجنديا  يخرج الكاتب من إطار معين كان فيه هو باسمه و يدخله إطارا جديدا يقدم فيه على انه حاصل على جائزة نوبل و برأي سارتر يترتب على ذلك أمور كثيرة تتداخل مع السياسة و الثقافة. رغم تهرب سارتر من ذكر السبب بشكل مباشر فالمتابعون وضعوه في إطار عدم اتفاق ساتر مع سياسة تعتمد استخدام الجائزة لغير ما خلقت له من أجندة، ففي مقال نشر بجريدة "لموند" ديسمبر عام 64 كتب سارتر : يبدو و كأن الجائزة  مخصصة إما للكتاب من الغرب أو الثوار من الشرق ، وقال : لم تمنح الجائزة ل "نيرودا" الذي يعتبر واحد من اعظم شعراء أمريكا الجنوبية، لم يكن هنالك أبدا نقاش جدي بشأن منحها للويس آراغون مع أنه استحقها دونما شك، من المؤسف أنها منحت لباسترناك و لم تمنح ل "شولوكوف و مؤسف أن الاعمال السوفيتية التي تم تكريمها هي تلك التي نشرت في الخارج و منعت في الدول الاصلية للكتاب.هذا الملمح من نص سارتر يعطي صورة عن البروباجاندا التي تطبع الجائزة في شقها الأدبي ، لكن الشق السياسي و ما يتعلق بالسلام و صناعته شكل بعدا بدت فيه البروباغندا بشكل واضح.
"لي دوك تو" المفاوض عن فيتنام الشمالية ، حين منحت له جائزة نوبل للسلام مقاسمة مع هنري كيسنجر ، قال باختصار حينها: أن السلام لم يتم بعد في المنطقة و لا يرى سببا لقبولها ما لم يتم العمل باتفاقية باريس للسلام.بعد ذلك منحت الجائزة في مجالات علمية و ادبية و حقوقية كثيرة، لكن الطابع الوحيد الذي طبعها أنها من فترة لأخرى تعطى لمن يستحقها لكن دائما كما قال سارتر إما لغربي أو أو شرقي ثائر ما يفقدها بعدا موضوعيا مهما، و هذا بعد يظهر في الادب ربما أكثر.
في مقال له نشر نهاية عام 2013 : جائزة نوبل جزء من عملية  الدعاية الغربية ، افتتح فينيان كونينكهام بعبارة أن جائزة نوبل يجب تسميتها الآن جائزة "البروباجندا" الاجندة الخاصة. منحت الجائزة لكسيسنجر في وقت سابق و طرحت أسئلة كثيرة فحينها كانت الحرب في فيتنام تشتعل ، ثم توالت و تواصلت و منحت لأوباما في حين تساء الكثيرون كيف ذلك و الحرب دائرة في العراق و سوريا و الشرق الاوسط و هنالك حصار على إيران بموجبه اطفال و نساء لا يجدون الدواء، كان منحها لأوبا طرح أسئلة كثيرة جدا من ناحية الأحقية . لا يعني هذا اأبدا أن الذين حصلوا على الجائزة لم يستحقوها لكن لا يعني استحقاقهم لها أن الجائزة لا تغرق الآن في بعد تطغى عليه الاجندة . إن كان هذا يحصل مع نوبل المتأصلة و العريقة فماذا عن جوائز تمولها دول و يمولها رجال أعما لو تمولها مؤسسات و معاهد موجهة جدا وواضحة الرأي و الرؤية و الموقف، كجوائز الدفاع عن حقوق الانسان و جوائز الاعلام و التدوين كلها أجندة واضحة المعالم لا يحتاج أي كان لأي سمة خارقة ليفهمها.
هذه منظمات تترصدك في البداية أيا كنت ناشطا صحفيا أو حتى رئيس دولة لا يصنع ذلك فروقا كبيرة إلا في السياقات التي تعطى فيها الجائزة. إبان بروز تركيا في ظل حزب العدالة و التنمية و بعدما تاكدت الجمعية ان الحزب بقائده اردوغان يؤسسون لدولة تركية قوية يسير اقتصادها و نموها بطريقة متسارعة إلى الأمام بادروا عام 2004 لكسب وده كان حينها يغنى عليه في الاعلام الغربي على أنه القائد الكاريزماتي و الحليف الجديد الأبرز و الأهم لصناعة السلام في الشرق الأوسط، كما يفعل مع كل مشاريع الفوز بجائزة من ذلك القبيل، يبدأ التطبيل لهم و يجند الإعلام لذلك ليجدوا انفسهم بعد ذلك تلقائيا يخدمون اجندة لا تمت لمبادئهم و لا لما آمنوا به يوما بصلة. اردوغان عرف دائما كيف يلعب مع غباء العرب من ناحية و مع ازدواجية معايير الغرب من ناحية أخرى. مع ذلك كان لإسرائيل دائما أمل بأن الرجل عائد ، خاصة بعد اسطول الحرية و حادثته الشهيرة، كان حتى حينها هنالك أمل . الآن و البوصلة الغربية بقيادة وجهة النظر الاسرائيلية تضع تركيا في زاوية العدو مع تمسكها دائما بشعرة هي تحتاجها في ظل التحولات الحاصة اقليميا و دوليا، تعبر عن ذلك في خطوة كاشفة فاضحة متمثلة في سحب جائزة لا تسمن و لا تغني من جوع و لربما عدمها أحسن من وجودها.
وهذه هي السياسات المتبعة التي تجعل من الجوائز الدولية و الاقليمية مجرد جزء من النظام العالمي ووسائل سيطرته وتوجيهه للرأي العام فغير بعيد من طريقة كهذه تم اختطاف الربيع العربي و مدونيه و ناشطيه بجوائز وهمية و منح و غيرها، ليستحيل الربيع صيفا قاحلا عادت فيه الأمة لحال أسوأ ، تبارك فيه أم الدنيا ضرب غزة و يقبل نتانياهو مبادرة السيسي و يرفض مبادرة جون كيري.   

1. أغسطس 2014 - 16:02

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا