ليتني كنت عقيدا ! / عنفار ولد سيدي الجاش

في يومٍ مغبرٍ، فيه عواصفٌ محملةٌ بالأتربة. مررت بهم وقد باتوا غير بعيدين من مدخل العاصمة. معظمُهم رجالٌ تقدموا في العمر ملثمين و من أعينهم ترسلُ نظراتُ التحسرِ تجاه كل سيارة تمر مسرعة من ذلك الطريق المسفلت غير آبهة بهم، كما لم يأبه بهم من كان بالأمس يتعهد بأن يكون منقذهم، 

فأصبح اليوم معذبهم.
دخلت أنا نواكشوط وخرجتها؛ كما دخلها الكثيرون وخرجوها، لكن أولئك الرجال الذين قطعوا مسافة ثمانمائة كلم سيرا على الأقدام مُنعوا من دخول المدينة و إن لم يكن دخولُها ليحل لهم مشكلا. لم يريدوا فسادا في الأرض ولا بطشا في العباد، كل ما أرادوه أن يُسمعوا صوتَهم المبحوحَ وصيحتَهم المظلومة التي اغْلقَ رئيسُ الفقراء عنها أذنيه ارضاء لخاطر صديقه صاحب المليارات.
تمر الأيام شديدة الحرارة، كثيرة الغبار وتمر الليالي باردة مع دخول فصل الشتاء ولا يزال أولئك المظلومون ممنوعين من دخول العاصمة؛ أما قارون موريتانيا فيفترش ما طاب و ينعم سالما في شاهقة القصور دون أن يتذكر أبياتا قديمة قالها أبوالعتاهية لهارون الرشيد حين بنى قصره المنيف.
يتفاخر الرجل ويصدح في الملأ أنه كان يتقاضى ما يربو على مليارات ثلاثة من الأوقية. كان يأكلها هنئيا مريئا دون أن يتذكر بطونا لا تتركُ أصحابَها ينامون من شدة الجوع. دون أن يتذكر أن مُعلم الأجيال كان يتقاضى أقل من مائة ألف أوقية حين كان هو يتقاضى كل تلك الأموال الطائلة.
الآن وقد وقع ما وقع وتعهدت سيدي الكريم لرجال ـ بلغوا من الكبر عتياـ (وفق معدل الأعمار في موريتانيا) بأن تحل مشاكلهم، بل و أكثر من ذلك أن تزيد لهم رواتبهم بنسبة قليلة جدا. لماذا تتجاهلهم بهذه الطريقة المكابرة؟ أنسيت يا سيدي العمدة أنهم يعيلون ذرية ضعفاء لا تعرف من المليارات إلا أسماءها ولا تسمع بذكرها إلا في النشرات الإخبارية.
سنسلم بأنك خصم لأولئك المرابطين عند مدخل نواكشوط و لن تلبي مطالبهم ما دمت تتجاهلهم بكل هذه اللامبالاة. وسنتجاوز أمر صديقك الرئيس. لكن أين هو الشارع الموريتاني؟ أين هي النقابات المدافعة عن حقوق الطبقة العاملة؟ أين هم أولئك الذين يريدون بناء موريتانيا مجتمعا قويا متماسكا و ينسون أو يتناسون أن الظلم الاجتماعي والغبن الممارس على هؤلاء يمكن أن يفجر براكينا من الغضب متى فار التنور و امتلأت كأس الصبر التي لا تسيل سوى بحمم البراكين المشتعلة.
كل ذلك يجب أن يتذكره أولا المسؤول عن المشكل ومن بيده حلها لأن حلها أبسط من حل مشاكل القارة المسراء. وبمنطق القرب و الألوية يتعامل العقلاء مع الأمور. على المسؤول عن المشكل ومن بيده الحل ألا يستهينوا بغضبٍ نائمٍ في عيون أولئك العمال، فهو قد يمتد ليحرقهم يوما ويذيب اللاصقَ الذي يضمن بقاءهم جالسين على كراسٍ لا يريدون سوى البقاء عليها.

22. نوفمبر 2014 - 17:01

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا