في مهب الريح! / أحمد صمب ولد عبد الله

بالأمس وأنا بصدد العبور إلى السنغال لمتابعة الدراسة، إلتقيت في عبارة روصو بشابين متجهين إلى دكار بسيارتهما التي اقلاني فيها معهما مشكورين. تبادلنا الحديث وناقشنا المواضيع السياسية التي تشغل الساحة في بلدنا. خضنا في الحوار وتساألنا عن أهداف ولد عبد العزيز منه، وعن سقف

 التنازلات التي يمكنه تقديمها وعن شروط نجاحه لديه. اتفقنا في تحايلنا أن الغرض الأوحد من الحوار لدى ولد عبد العزيز هو أن تشرع له المعارضة الترشح لمأمورية ثانية جديدة، بعد الحوار، اعتبارا أنه لم يكمل الثانية الحالية بسبب الإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها التي ستجرى - لا قدر الله - إذا ما كتب للحوار أن حدث؛ ثم تفقنا أيضا في تحاليلنا أنه إذا ما نجح ولد عبد العزيز في التلاعب بالمعارضة مرة أخرى حتى وقعت له على قبولها لإعداد انتخابات سابقة لأوانها، يمكنه الترشح لها، فإنه سيماطل في تطبيق بنود الحوار حتى إذا ما أشرفت مؤموريته على الإنتهاء، حينها يشرع في إعداد انتخابات مأموريته الثانية-الثالثة، وبذلك يكون تحايل على الدستور وعلى المعارضة وعلى الشعب بمؤمورية ثالثة!

أخذت القضية الأخرى التي تشعل الساحة السياسية الجزء الأكبر من الحديث : التدهور الحاد والخطير الذي تشهده العلاقة "العائلية" بين لحراطين والبظان أو بين "البظان الحظرْ" و"البظان البيظْ" وأسباب اعتقال برام وتداعياته على وحدة الإخوة التي تكاد تكون في مهب الريحْ.
كانا شابين "بيض" من ايديبوسات، كان احدهما من بادر بسؤالي عن مدى تفسيري للتوتر الذي يحصل بين البظان ولحراطين ومدى تقويمي لخطورته، وعن أي مدى يمكن أن يوصلنا؟

وكان جوابي، أنني اصبحت اخاف كثيرا على وحدة هذا النسيج الاجتماعي الذي يدعى البظان، ببيضه وسوده؛ وأن الوضع إذا ما استمر على ماهو عليه فإنه سيحدث احتكاك - لا قدر الله- بين المجموعتين إما عاجلا أم آجلا؛ وكان احد محاوري يشاطرني الرأي، والآخر يرى أن وحدة الدين والثقافة يتحولان دون ذلك. 

قال الذي لديه نفس الخشية التي عندي أنه لاحظ في هذه الأيام، منذ اعتقال برام، أن حدة العداء من طرف لحراطين ازدادت اضطرادا ضدَّ البظان البيظْ، وأنه يشاهد يوميا محاولات اعتداء وتحدي واستفزاز لشباب من لحراطين لبعض البظان، وأن البظان، في ذلك، هم من يتحاشى الصدام ويبدون الأكثر حرصا على تلك العلاقة التي أصبحت في مهب الرياحْ.

شهد له زميله الثاني الذي كان لا يشاطرنا الرأي في خشيتنا من حدوث ذلك الاحتكاك، شهد لزميله على ملاحظاته، وتساأل عن متى سيكون ذلك الاحتكاك لا قدر الله؟ كان جوابي، أنه إذا ما استمر الظلم والغبن فذلك سيقع لا محالة وأن الخطر الأكبر هو أنه لا يمكن توقيته ولا تقريره ولا توجيهه، إن حدث فسيكون كالموت: لا تأتي إلا بغتة!

فعلا، الدول يمكن أن تستمر على الكفر ولكن لا يمكن أن تستمر على الظلم، وبلدنا ينخر جسده المتهالك، ظلم استمر لأحقاب من الزمن، يكاد يفجره من الفينة للأخرى، ويبدو أن القائمين عليه عير مكترثين أو أن لهم مصالح سياسية في قتل هذا المجتمع المسالم الرائع.

لا يمكن لأي علاقة مهما كانت متانتها أن تصمد تحت وطأة الظلم: فالإخوة الأشقاء يتخاصمون ويتشاجرون ويهجر بعضهم بعض بسبب ظلم أو إقصاء من مال مشترك أو تريكة خلفها لهم احد ذويهم، فما بالك بمن لم تكن العلاقة بينهم بمستوى الأشقاء و بعضهم يغبن ويقصي بعض؟ سيتشاجرون لا محالة إذا لم يتحاربوا!

هنا لك ظلم في البلد لا يخدم البظان ولا يخدم لحراطين يهدد تماسك المجموعتين والعلاقات الاجتماعية بينهما. لقد ظلم لحراطين منذ زمن بعيد وما زالوا يظلمون، وظلمهم اليوم اخطر من كل ما مروا به من مظالم في السابق. يشهد لحراطين إلى جانب فيئات اخرى من تجمع البظان ومن مجتمع الزنوج تهميشا ممنهجا تديره الدولة العميقة وتحكمه بشكل إجرامي بممالئة من بعض لحراطين أنفسهم.

قسم نظام ولد الطايع الثروة البحرية : وزع مجانا رخص اليد العميق التي تحول الرجل من فقير إلى قني بين عشية وضحاها، ولكنه وزع تلك الرخص في محيطه الإجتماعي الضيق ومحيط ضباطه وزبونيته من البظان البيظْ وأقصى منها لحراطين والزنوج ولمعلمين وإيكاون. وزع بعد ذلك الأراضي الزراعية ووزعها الولاة الذين عينوا على ولاية ترارزة كيدماغا غورغول، ولكنهم لم يوزعوها إلا على أهلهم وحاشيتهم من البظان البيظْ واقصوا منها حواشيهم من الحراطين ولمعلمين وجميع المهمشين من المجتمع؛ والغريب في الأمر أن احد هؤلاء الولاة كان من شريحة لمعلمين ولم يستفد من تقسيمه لأراضي شمامة أي من لمعلمين، والغرابة أيضا أن وزراء التنمية الريفية، الذين وزعت شمامة ( الأراضي الصالحة للزراعة) في عهدتهم، كانوا من لحراطين وشاركوا في إقصاء لحراطين من امتلاك الاراضي الزراعية.

أعد النظام السابق ايضا صناديق للقرض البحري وكذلك للقرض الزراعي، وهنا أيضا كان المستفيد هي حاشية الرئيس وبنوا عمومته وبعض الضباط المقربين، وبما أن هؤلاء ليس من بينهم حراطين ولا امعلمين ولا آزناكة ولا المستضعفين بصفة عامة، فإنهم لم يستفيدوا وتم، أيضا، إقصائهم؛ ثم جاء إعفاء الديون بعد ذلك عن المستفيدين الذين أصبحوا أثرياء منها، وملئت لهم الصناديق من جديد ليمولوا ثانية.

لم يستفد كل البظان من هذا التمييز الظالم ولكنهم تضرروا منه جميعا، إذ حملهم، في نظر المهمشين، وزر السفهاء الذين حكمونا ومازالوا يحكموننا. تضررت موريتانيا جميعا وهي اليوم تدفع الثمن لتخلفها وفقرها وتهديد وحدتها الوطنية واتسعت الهوة بين الأخوين الأبيض والاسود ولم يستفد إلا الشياطين.

إننا اليوم، اكثر من أي وقت مضى، مطالبين بالذود عن بلدنا، عن وحدتنا عن اخوتنا وإلا فستخسر جميعا إذا اشتعلت النيران.

- يجب علينا أن نقف جميعا، كبظان بكل فئاتهم بما فيها لحراطين وزنوج ضد الظلم، ويجب أن نفهم أن الظلم لا يخدم احد وأن مسؤوليته لا يتحملها إلا الدولة ومن يحكموننا؛

- يجب أن نطالب باستحدث سياسات للتمييز الإيجابي لصالح لحراطين والمستضعفين جميعا من مجتمع البظان والزنوج حتى تُخلْق فيهم طبقة من رجال الاعمال تَخَلَّق توازنا داخل البنية المجتمعية وتصلح من الغبن التوزيعة الظالمة لثروة البلد؛

- يجب علينا أن نسعى فى التخفيف من حدة التوتر ونبدء بإطلاق سراح مجموعة إيرا وأن نحارب العبودية ومخلفاتها حتى لا يجد من يريد العزف عليها مبررا لفعل ذلك؛

يجب علينا أن نقف صفا واحدا متينا ضَد ترشح ولد عبد العزيز لمؤمورية ثانية-ثالثة مهما تطلب منا ذلك ولو بالتضحية بدمائنا وأنفسنا.

- يا أيها البظان، لا تخسروا اخوتكم لحراطين؛
- ويا لحراطين طالبوا بحقوقكم ولا تظلموا البظان إن المسؤول عن مشاكل البلد كلها هو النظام والنظام وحدة.
" ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا إعدلوا هو اقرب للتقوى" صدق الله العظيم.

10. فبراير 2015 - 10:21

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا