للتوحد الأمة / زين العابدين ولد المنير

منذ ما يناهز عقودا من القهر وتنكيل الإنسان بالإنسان، عندما سلب القائد الذي ظن الخلود فران على قلبه هواه حرية الشعب الضعيف، الذي تشبث بالحياة راضيا بالضيم مغلوبا على أمره، ولم تسعفه الأيام  أن تراوده أفكار الحرية  ويوم رددها كان أراد الطغاة أن ينتقموا لرحيلهم فخلقوا

الفوضى بعدهم ثأرا وحقدا

ولكنها  الأيام كعادتها لا تدوم وسنة الله في الظالمين هي الهلاك، فزلزلت أصوات الثوار كراسي البغاة وعصفت بهم نداءات الرحيل وبنادق المجاهدين ودماء الشهداء التي رسمت المشهد الجديد الذي مازالت غيومه متلبدة الى حين، فمتى يتضح هذا النور وينجلي عن أشعته الظلام الذي يعكره يبن الفينة والأخرى.

نعم تلبده دماء الأبرياء بجهل الجهلاء الذين لا يفهمون معنى التحرر، فاندفعوا في فوضاهم مشكلين عقبة أمام جني تلك الثمار العظيمة التي رامها الضعفاء و ازدرعتها أيادي الثوار منذ بدء تحرر الشعوب من بين أيدي صانعي أقفاصها،فخرجت جحافل بفوضى تخلق آمال أعداء الأمةالذين  يضحكون من فرقتنا ويستمتعون لدمار دولنا ونحن لم نستوعب الدرس بعد ولم نراجع الأوراق لترتيبها .ولم نفكر فيما يراد لنا من تشرذم

أفكار راودتني أسالت الدمع وحركت شجون نفسي وأنا أراقب قمر "شنقيط" وأندب حال المسلمين في كل مكان دول عظيمة ذابت في جحيم الفتن  ، بعدما جف نبع التاريخ وذوت أغصانه التي أرسلت ورقا ذابلا ميتا لا حياة فيه، وها هي أمتنا  الإسلامية أضحت كالباب المهدوم بين الماضي الذي كان قصرا وبين المستقبل الذي هو أنقاض ذالك القصر .
وما أكثر ما يرثى لها من مجد تليد ضائع، ينحدر الدمع عندما تمتد العين في كتاب التاريخ لتجول في مساحاته الشاسعة منذ نشأة الخلافة الإسلامية عندما ألفت الكتب وحفظ العلم وقدر العلماء وأعطي للضاد حقه حتى عرفه الغرب صاغرا وأيقن أن لا فلاح بلا معرفة مفردات لغته.
عندما أقيم العدل وتساوى الناس، الخادم بالسيد والإمام بالمأموم، لا فضل إلا في ميزان العمل الذي حث عليه الدين والقيم التي عرفها المسلم بعد  بعثة رسوله الكريم الذي وطدها وأتمها ليخرج للناس تجسيد النبل حاضرا في أجساد وأرواح أمته التي رباها وأتم لها دينها وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
واليوم أين تعاليم الإسلام وأين المسلمون، أين شهامتهم وصولاتهم على أعداء أمتنا العظيمة، لقد حق لي نظم المراثي في بطولاتك وأبطالك ولو أني رثيتهم فردا فردا لطال  بكائي وفاضت الأنهار من فيض دموعي. فأين غبت يا حضارة الإسلام والمجد والإباء، حضارة التنزيل والترتيل. رغم اختلاف المذاهب توحدت قلوب أبنائك على مر القرون ليركع العالم صاغرا تحت أحكامك، ويخاطب الخليفة المزن قائلا: أمطري فأنى كان ذالك سيصلني  خراجك .
أبكيك بعدما انقلبت المفاهيم، وهمش الضاد في أذهان أبنائه وأعدائه. لاشيء بعدما كان كل شيء. أبكيك بعدما ملئت بغداد بأبناء العم سام. أبكيك على أنقاض دمشق التاريخ وأشلاء ابنائها وأنين جرحاها بعدما نكل بهم، هناك ينادون بكل أدوات النداء والصراخ والدموع والدماء والدمار بعدما سامهم فرعونهم الوبال وأسحم عليهم السماء .
فمتى يغني الفجر لهم لحن الأمل في غد بلا دخان، بعدما جار عليهم شتائهم وليلهم الطويل وهم يجلسون منتظرين حكم القضاء ليرحلوا خلف زمر الأطفال الذين يموتون كما يولدون على بساط الخوف عندما تدمدم الطائرات بأصواتها التي  تدك منازلهم مخلفة أرقام الموتى.
مساكين أولئك الأبرياء يمضغون الخوف والجوع ليحيى ساسة الظلم، وليس لهم نصير سوى فتاة الأغنياء الممنون عليهم في ساحات التشهير. مساكين أبرياؤنا في كل مكان أضحوا غرقى في لجة الموت الرهيب ونحن نرقبهم بقلوبنا المتحجرة وهم يصرخون أين المسلمين.
فمتى تعتصمين بحبل الوصل والتكاتف يا أمتنا الحاضرة في قلوب الصالحين من أبنائك، والميتة في قلوب  جلاديهم مصاصي الدماء  وباقي أبنائك من عملاء الغرب الذين قلبوا الثورات دمارا كما أراد أعداء الأمة  . أما آن للشتات أن يجتمع، أما آن للشعوب العربية المتناحرة أن تعي ما يحاك لها وأن تتحد لتتدارك مابقي من أشلاء جسدها . 
أما آن لك أيتها الأمة  أن تهمسي في آذان أبنائك أن التشبث   بالرغبات إنما هو باطل في حياتنا ووهما في قدر الفناء المحتوم. وأن الحياة بكل أفراحها وحلوها وسعادتها ونجاحها مدة قليلة لو اكتمل لنا فيها كل مبتغانا، فإن الموت  آت  والكرامة هي الميراث الأصلي لهم ولا خير في حياة يضيعون فيها ميراثهم.
لن يتوقف هذا الدمار إلا إذا توقفت الفئات المتناحرة لتنظر وتتمعن من المستفيد من هذا التناحر ولن يكون في صالح شعبنا الذي شرد في كل مكان ومات جوعا وخوفا وقصفا ،ليس خطئا أن ننشد التغيير ولكن من الحكمة أن نتدارك أمن أوطاننا فلا مستقبل ولا اطمئنان في ظل الحروب وخصوصا حروب أعضاء الجسد الواحد التي يؤدي تآكلها فقدان الجسد,
الوضعية تفرض على الأمة أن يخرج من أبنائها مصلحون يسعون للتوحد من أجل إيقاف هذا النزيف ،فلأبرياء المشردون يتوقون للعودة لديارهم ولذويهم وقد طالت معاناتهم ولم يلح أمل في الأفق ,

26. فبراير 2015 - 12:01

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا