المنعرج .. تعليقا على الخطاب السياسي للسيد الرئيس / محمد عبد الرحمن الحسن

بعد فترة من العزوف عن الكتابة بسبب مشاغل خاصة، أتوب و التقط قلمي الليلة تحقيقا لمصلحة أسمى و هي المصلحة العامة، و خدمة للحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.
في كتابات سابقة أشرت إلى أن مسألة تخلف النمط السياسي أقرب  للظاهرة

 الطبيعية منها إلى كيد ساحر، فنحن دولة حديثة لم تجد متسعا من الوقت بعد كي تثبت أقدامها، أحرى من أن توصف بأوصاف غريبة لا يمكن أن تتصف بها أبدا مثل الانحطاط أو التقدم.
و إن كان النظامين الأميري و المشيخي وصفا بأنهما دولة في مرحلة جنينية إلا أن نوع السلطة فيهما جعلهما يظلان مجرد تجربة لتكريس مركزة السلطة على أسس متخلفة، و هكذا قامت الدولة الموريتانية على تلك الأسس التقليدية مع تطعيمها بأفكار سياسية مستوردة فرضتها اكراهات المرحلة، فقامت الدولة وهنة كبيت العنكبوت و ما إن برزت كتنظيم سياسي مجرد و مستقل حتى إلتقمتها المؤسسة العسكرية لتبدأ بذلك مرحلة الدولة البوليسية التي لا تعترف بحقوق الإنسان و التي منها حرية التعبير، و هكذا تربى الجيل الحالي في كنف تلك الممارسات، فصار مفهوم الدولة المدنية مسألة نظرية بحتة.
و في يومنا هذا، و في  ظل ما نسميه الدولة المدنية تصير ظاهرة الدولة أكثر تعقيدا من  ذي قبل،  و السبب لا يتعلق فقط بممارسة السلطة من قبل الحكومة، بل يتعلق بمؤسسة المعارضة و التي طالما كانت عائقا أمام خلق شعور وطني، فالمواطن الذي ما زال يصور له أن الدولة ملك لشخص أو قبيلة أو حزب  من المستحيل أن يؤمن بها كفكرة تستحق أن يكرس لها الجهد و يشمر عن ساعده من أجل تقدمها و ازدهارها .
ما أتحدث عنه هنا هو تلك القطيعة البينية، و ذلك الشرخ الذي  أحدثه  الخطاب المناوئ لشخص الرئيس، و لا قول لبرنامجه الانتخابي أو  استراتيجيته التنموية، إن هذا الخطاب مبني على تسفيه جهود الحكومة الحالية، و قلب الحقائق رأسا على عقب بحيث لا يظل هناك مكان للطمأنينة و الاستقرار، و هذا لا يعدوا كونه نوع من الاستغلال للمواطن البسيط الذي لا يملك أهليه الوقوف على الحقائق بسبب بداوته و  تخلفه.
إن مهمة النخب عموما و السياسية منها خصوصا هو تحقيق الرفاهية  للمواطن، بالمقاربات التنموية، و ليس  ترهيب المواطن من أجل أن تصنع  خبزا من ذعره، فقد  كان من الأولى أن تعمل هذه النخب على تكريس مفهوم الدولة، بالتقريب بين وجهات النظر و النقد البناء بدل التطير من الحكومة القائمة.
إن المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد الرئيس الليلة تعليقا على زيارته الأخيرة للمناطق الشرقية من الوطن حمل الكثير من الرسائل بعضها إلى المواطن البسيط و بعضها الآخر إلى النخبة السياسية، و بالنسبة لي شخصية من خلال هذا المؤتمر تشكلت لدي قناعة أن هناك فعلا توجه حقيقي وجاد  من طرف سيادة الرئيس في بناء دولة وطنية، ذلك أن الطريقة التي تم بها المؤتمر  و كذلك  سعة الصدر التي تحلى بها السيد الرئيس دليل  على صدق موقفه،  رغم بعض الإيماءات و الإشارات التي  من شأنها أن تزعج الرجل الطبيعي.
و من أهم  مضامين هذا المؤتمر  قضية عمال اسنيم  و التي سلك بها الإعلام المحسوب في الأيام الأخير  منحى آخر، تماما  مثلما فعل مع قضية الحمالة، تلك  القضية التي حاول البعض ركوبها ليبلغ بها مآرب أخرى، إلا أن  ذلك لم يتحقق.
إن الذين يقرؤون عن ثورة العمال لدى ماركس يجب  أن يعلموا أن تلك الثورة لا توجد  إلا في يوتوبيا ماركس فلا وجود لها  في أزويرات، كذلك أيضا ليس من الشريف استغلال بعض العمال البسطاء في لعبة أكبر منهم، و كما قال السيد الرئيس وضع هؤلاء العمال كان أسوء  حين كان يتم التعامل معهم من داخل عقد المقولة ( من الباطن)  و  نعرف جميعا قدر الظلم  و التهميش في هذا النوع من التعاقد و مع هذا لم نجد الأشخاص الذين يتناولون قضية العمال اليوم قد تناولوها من قبل،  و  أقرب تفسير  لذلك  أن هؤلاء أيضا الآن لا يدافعون عن حقوق العمال، بل يخدمون مصالحهم، ليروح أطفال عمال اسنم  ضحية ذلك.
كذلك أيضا قضية الأرقام بغض النظر عن موضوعها،  سوءا تعلقت بالفقر أو البطالة أو الأسعار أو الفساد  اتضح لنا الليلة أنها مجرد  خبر تحتمل التصديق و التكذيب، حيث كان في السابق يتم عرض هذه  الأرقام  من قبل مؤسسة المعارضة  في   مناسباتها الخاصة، لتوهمنا أن الوطن على حافة الهاوية، الليلة أدركنا أن هذه الأرقام  لا تمثل أي حقيقة موجودة، و من أبشع مظاهر هذا التمويه نسبة العمال المضربين في اسنيم و التي تعني بالضرورة انغلاق هذه المؤسسة و توقف نشاطها.
من جملة هذه الرسائل أيضا قضية الحوار و التي تعتبر مسألة هامة ذلك أنه قد يترتب عليها وضع تصور مستقبلي للسياسة العامة للدولة، أو حتى تغير نظامها الدستوري  المتعلق بشكل السلطة ( النظام البرلماني مثلا)  أو حتى تغيير عدد المأموريات المسموح للشخص بتولي السلطة فيها، إن تغيير الدستور مسألة مطروحة دوما ذلك أن هذه الأمور الوضعية يفترض  فيها دوما التجدد من أجل ملائمة الواقع، ذلك  أن الدستور وضع ليعكس إرادة الأمة خصوصا أن دستورنا تم إقراره من خلال الاستفتاء و ليس اسلوب المنحة الأحادي، فمتى اتجهت الإرادة الجمعوية إلى تغييره صح ذلك. ثم إن  ترشيح مسألة لتكون محل حوار لا يعني بالضرورة أنها ستكون محل اتفاق، في الوقت الذي يعتبر فيه وضع شروط مسبقة ( حل  كتيبة الحرس الرئاسي مثلا) يعتر  انهاء  لعملية الحوار قبل بدئها، ذلك أن الهدف  من الحوار تبادل  الأفكار و محاولة التوفيق بين وجهات النظر  ليترتب على ذلك بعض النتائج و التوصيات فمتى وجدت هذه النتائج فقد  الحوار علة وجوده التي يدور معها وجودا و عدما.
إن أهم شيء قد يقدمه المجتمع السياسي للمواطن البسيط في أيامنا هذه، هو المساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي،  ذلك أن الاستقرار السياسي هو أساس التنمية و الرفاهية، كذلك أيضا المساهمة في تقرير فكرة الدولة الوطنية، و ترسيخ قيم المواطنة.
و من خلال خطاب السيد الرئيس الليلة و الذي شكلا منعرجا فارقا بين الحقيقة و الزيف اتضح لنا أن الوطن لا يعيش أي أزمة، بل يواجه مجموعة من التحديات التنموية التي فرضتها الظرفية الزمنية، هذه التحديات التي  ستشكل  اللبنة الأساس لبناء الدولة المدنية دولة المؤسسات.

27. مارس 2015 - 15:05

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا