الدولة الموريتانية.. مَسَارُ التًفَاعُلاَتٍ و مَلاَمِحُ المَآلَاتِ / المختار ولد داهي

لا أذكر أن مناسبة تخليد ذكري لعيد الاستقلال الوطني أثارت من الجدل السياسي و الإعلامي و التاريخي المشحون بقدر كبير من "الاستقطاب المجتمعي التقليدي" و العاطفة و الحمية و شيئ  غير قليل من مَخَائِلِ محاكمة الماضي و إنكار ما هو معلوم من التاريخ بالإجماع و"تصفية الحسابات"، ما يُثَارُ هذه 

الأيام تزامنا مع الاستعدادات لتخليد استثنائي مكانا و مكانة و حجما و نوعا للذكري الخامسة و الخمسين "للطًلاَقِ السِيًاسِي البَاتِ و المَبْتُوتِ" مع المستعمر الفرنسي.                                                                     
و اتِقَاءً للوقوع في شِرَاكِ و  شُبُهَاتِ ذلك "المِرَاءِ السِيًاسِي" سأركز في هذه المداخلة المقدمة  ضمن فعاليات الندوة التي تنظمها قناة "المرابطون" تحت عنوان "مشروع الدولة الموريتانية .. تفاعلات الماضي و الحاضر و أي مستقبل ننتظر؟؛ علي مسار التحولات التي عرفتها الدولة الموريتانية ما بعد الاستقلال مُسْتَنْكِفًا عن ملابسات  "دُخُولِ"  أو "إدخال" "الاستعمار و "خُرُوجِهِ" أو "إخراجه" مُحاولا استشراف مختلف الاحتمالات و الأشكال التي قد يؤول إليها مستقبل النموذج الحالي للدولة الموريتانية مُرَجِحًا ما أحسبه الاحتمال و المآل الأكثر قابلية للورود و التحقق.             
و يمكن تلخيص أهم محطات التحولات و التفاعلات التي شهدتها الدولة الموريتانية  و التي يبدو أنها تُبَيِنُ تَعَرُضَ كيان الدولة بعد التأسيس "شبه الناجح" إلي العديد من "ضَرَبَاتِ مَعَاوِلِ الهَدْمِ"  علي النحو التالي:-                                                   
أولا: تأسيسٌ "شبه ناجح" للدولة رغم "الظُرُوفِ غَيْرِ الصًدِيقَةِ": يمكن القول بأن تأسيس الدولة الموريتانية كان "شِبْهَ نَاجِحٍ" رغم الظروف غير الصديقة  كشَسَاعَةِ الٌإقليم وتعدد الأعراق و اسْتِعْصَاءِ السُلَطِ الفرعية القبلية و الأميرية و المشيخية و "ضَبَابِيًةِ" الهوية الوطنية و شُحِ الموارد و غياب ثقافة العيش المشترك و "أَجْنَبِيًةِ" الثقافة المركزية و غَمْطِ الجيران من أولي القربي و "موالاة" العديد من النخب الوطنية الوازنة؛ ...                   
ثانيا:نذُرُ الانهيار بفعل "كَمًاشَةِ" حرب الصحراء:-مثلت حرب الصحراء 1975تهديدا وُجُودِيًا للدولة الموريتانية الحديثة التي أمست ضحية "لِصِدَامِ" مَصَالِحِ الدولتين الأكثر قوة و عددا بشيه المنطقة و المتمثلتين في  فكي الكماشة و لولا عناية المولي عز وجل و قرار القوات المسلحة "الغَارَةَ" علي السلطة في العاشر من يوليو  1978 و الانسحاب من النزاع المسلح بالصحراء الغربية لكانت موريتانيا اليوم ربما أثرا بعد عين أو دولة من الدول لفاشلة في العالم.                                                                             
ثالثا:"مِسْبَحَةُ" الانقلابات العسكرية  و أسبقية استقرار النظام علي مستقبل الدولة:  إذا كانت "غارة" القوات المسلحة علي السلطة قد وْفِقَتْ في إيقاف نزيف حرب الصحراء القاتل فإنها دَشًنَتْ مِسْبَحَةً Chapeletمن سباق ضباط المؤسسة العسكرية علي السلطة   مما جعل من استقرار الأنظمة العسكرية الاستثنائية الشغل الشاغل علي حساب الاهتمام بتعزيز و ترسيخ أركان الدولة التي أخذت في الضعف و الهوان علي  النخب و عموم المواطنين الذين أضحي ولاؤهم و دُعَاؤُهُمْ  للأنظمة لا للوطن!!؛ 
رابعا: استدامة "التجاذب الديمقراطي الخَشِنِ" و تهديد كيان الدولة: تميزت الفترة من 1991 إلي يوم الموريتانيين هذا بالتجاذب السياسي الساخن بين الموالاة و المعارضة و العجز عن إرساء نظام ديمقراطي توافقي مستقر يهنئ فيه المغلوبُ الغالبَ راضيا، منتظرا و متمنيا حظا أوفر في "الدوري الاتنخابي القابل" و كان  و لا زال لذلك "التجاذب الخشن" سيئ الأثر علي استقرار الدولة و هيبتها و سلطانها؛                                  
خامسا:.جَهُورِيًةُ "التيارات الحًدِيًةِ" المطالبة بإعادة تأسيس الدولة: لعل من أبرز تفاعلات المشهد السياسي تصاعدُ الأصوات الحدية المطالبة بهدم النموذج الحالي للدولة الموريتانية باعتباره نموذجا أُسِسَ علي الإقطاعية و الاستعبادية و العنصرية و الإقصائية كما تصدع بذلك أدبيات حركات "افلام" و "إيرا" و لا "تلمس جنسيتي" و آخرون مُسْتَتِرُونَ أو مَحْجُوبُونَ لا يعلم وُسُومَهُمْ و  لا عددهم إلا الله عز وجل!!؛                     
سادسا: هَشَاشَةُ بعض دول العمق و الجوار العربي و الإفريقي: إن مما أثر و  يؤثر سلبا علي نموذج الدولة الموريتانية هو الخوف من "العدوي السياسية" مما تعاني منه بعضُ دول العمق و الجوار العربي و الإفريقي من "هشاشة سياسية و اجتماعية" عالية حيث تتوزع  تلك الدول بين دول فاشلة مطلقا و دول واقعة في "عَيْنِ إِعْصَارِ" الفشل فهي منه قَابَ خُطْوَتَيْنِ  أو أدني!!.                                                                                
و يتضح من خلال الاستعراض السريع  للتفاعلات المبينة سالفا أن مستقبل  نموذج الدولة الموريتانية كعقد تأسيسي ناظم جامع بلغ من العمر خمسا و خمسين سنة تخللتها "تَهْدِيدَاتٌ وُجُودِيًةٌ"لن يُجَانِبَ أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:-                              
1.استمرار النموذج الحالي للدولة:و هو أمر تسعي إليه القوي التقليدية الدينية (الإسلامية) و  الأهلية و المدنية عموما  وبعض القوي الرجعية بالموالاة و المعارضة و شَتَاتٌ من الشخصيات المستقلة أو "الصديقة للسياسة" مُدًعِيًةً بأن النموذج الحالي للدولة الموريتانية نموذجٌ مناسبٌ و قادرٌ علي التكيف مع "الطوارئ الاجتماعية و السياسية" و غير خاف أن استمرار النموذج  الحالي "المصاب بالشيخوخة" يعني  تعريض الأمن المجتمعي للخطر عبر مواصلة تسيير المجتمع الموريتاني وفق "نموذج دولة مُتَقَادِمٍ أو كالمتقادم" ؛                                                                                              
2. إصلاح  النموذج الحالي للدولة: و يعني ذلك المبادرة بإصلاح جذري، جريئ عميق يأخذ في الحسبان  إعادة ترتيب المستعجلات و الأولويات الوطنية بَدْءً بواجب "إطفاء المظالم الاجتماعية المتوارثة" التليدة و الطارفة و تحقيق العدالة الاجتماعية و أولوية  تحصين الأمن الوطني و الإقليمي و تحقيق النهضة الاقتصادية و الاجتماعية و يناصر المسعي الإصلاحي هذا غالبية كبار الفاعلين في المشهد السياسي و الاجتماعي من جناحي الموالاة و الأغلبية و هو السيناريو الأكثر حظا في الورود و التحقق و التطبيق  و الإنجاز؛
3. فشل النموذج الحالي للدولة: من باب الفرضيات المدرسيةLes hypotheses d’école-Assumptions of school تجدر الإشارة إلي احتمال فشل وسقوط النموذج  الحالي للدولة الموريتانية فجأة و علي حِينِ غِرَةٍ و غَفْلَةٍ  و هَدَأَةٍ من أهل البلد و نخبته -لا قدر الله- كما حدث بدول عربية و إفريقية عديدة لكن هذا الاحتمال "مُنْعَدِمُ الأَشْرَاطِ" حسب اعتقادي و "فِرَاسَتِي الإِيمَانِيًةِ" في المدين القريب و المتوسط؛                
هذا دلوي في الموضوع  و كل ما سمح  به الوقت القصير المخصص لهذه المداخلة خَاتِمًا بالمطالبة بالسماح لي أن أَحْلُمَ بأن يلتئم الحوار السياسي المنتظر!!  جَامِعًا مَانِعًا عَاصِمًا في قريب الآجال و أن يُفْضِيَ إلي اعتماد لسيناريو الإصلاحي للنموذج الحالي  للدولة  الموريتانية بما يؤسس لعقد اجتماعي ركائزه حسب ترتيبِ  الأهمية و الاستعجال ثلاثة أولها العدلُ الاجتماعي و إطفاء المظالم الاجتماعية المتوارثة و ثانيها تحصينُ الأمن و الاستقرار  الوطني و ثالثها إرساء نظام ديمقراطي تعددي توافقي.                            
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.                                       

3. ديسمبر 2015 - 13:18

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا